مفاهيم المسؤولية الاجتماعية جمة بل إنها متطورة دومًا؛ ذلك لأن المسؤولية الاجتماعية، كنظرية وممارسة، في تطور دائم؛ إذ إنها لا تعدو كونها تجاوبًا مع معطيات ووقائع آنية؛ ومن ثم تعمل على تعديل وتطوير نفسها وآلياتها؛ كيما تكون أكثر خدمة وإفادة للمجتمع الذي تعمل فيه.
والحق أن مفاهيم المسؤولية الاجتماعية تنطوي على أهمية كبرى؛ فالمعروف أن المفاهيم أدوات وبالتالي لا سبيل إلى فهم والإلمام بالمسؤولية الاجتماعية، في بعديها العملي والعلمي، بدون فهم والإحاطة بمفاهيمها، ومن هنا تأتي أهمية هذا التناول.
مفاهيم المسؤولية الاجتماعية
ويرصد «رواد الأعمال» بعض مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، وذلك على النحو التالي..
-
المسؤولية الاجتماعية الداخلية
تُعد المسؤولية الاجتماعية الداخلية أحد مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، وهي أيضًا أحد شطري العمل الاجتماعي الذي يمكن أن تقوم به أي مؤسسة من المؤسسات؛ فإما أن تتوجه المؤسسة بأنشطتها ومبادراتها إلى الخارج، إلى المجتمع، أو تعود أدراجها إلى بيتها الداخلي فتعني بموظفيها وتوليهم ما يستحقون من رعاية واهتمام.
وطالما أننا نقيّم هذه النمذجة فأحرى بنا الإشارة إلى أن المسؤولية الاجتماعية الخارجية للشركات تشمل ثلاث قضايا رئيسية وهي: العمل الخيري، والعمل التطوعي، وحماية البيئة، في حين أن جوهر المسؤولية الاجتماعية الداخلية للشركات يشمل الموظفين وعلاقة التوظيف.
وعلى ذلك فإن القضايا الرئيسية في المسؤولية الداخلية للشركات، بصفتها من مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، هي تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وظروف العمل الجسدية والنفسية، وعلاقة العمل، والتنمية البشرية وغيرها.
والحق أننا لسنا هنا بصدد بيان أهمية المسؤولية الاجتماعية الداخلية للشركات غير أنه يكفينا الإشارة إلى أنها توفر قيمة كبرى للمنظمات؛ لأنها تعزز تفاني الموظفين والتزامهم، وتزيد من مدى تحفيزهم ومشاركتهم وولائهم، وكلها أظهرت ارتباطًا إيجابيًا بأداء الشركة.
ويمكن القول كذلك إن المسؤولية الاجتماعية الداخلية للشركات تساعد في إنجاح إدارة الموارد البشرية، وإيصالها إلى أهدافها ومساعيها، فضلًا عن أن هذا النوع من ممارسة المسؤولية الاجتماعية يعد هو الإطار المرجعي العام الذي يضبط إيقاع المؤسسة ككل.
اقرأ أيضًا: خطط المسؤولية الاجتماعية.. واجبات ما قبل إطلاق المشاريع
-
الرأسمالية الواعية
تمت صياغة المفهوم، الذي هو من أحدث مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، من قِبل المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي المشارك لشركة “هول فودز” جون ماكي؛ وأستاذ التسويق والمتحدث راج سيسوديا؛ في كتابهما المشترك «الرأسمالية الواعية: تحرير الروح البطولية للأعمال».
ويشير مصطلح الرأسمالية الواعية إلى فلسفة اقتصادية وسياسية مسؤولة اجتماعيًا، فالفرضية الكامنة هنا هي أن الشركات يجب أن تعمل بشكل أخلاقي أثناء سعيها لتحقيق الأرباح؛ ما يعني أن عليهم التفكير في خدمة جميع أصحاب المصلحة المعنيين، بمن في ذلك موظفوهم، والإنسانية، والبيئة، وليس فقط أصحاب المصلحة والمستثمرين.
وتقر عقيدة هذه الرأسمالية بأنه في حين أن رأسمالية السوق الحرة هي أقوى نظام للتعاون الاجتماعي والتقدم البشري يمكن للناس أن يطمحوا لتحقيق المزيد من خلاله إلا أنها لا تقلل، في الوقت ذاته، من السعي وراء الربح، ولكنها فقط تشجع على استيعاب جميع المصالح المشتركة في خطة عمل الشركة.
وتشمل عقيدة الرأسمالية الواعية: المنافسةَ وحرية التجارة وسيادة القانون والتبادل الطوعي. لكنها تُبنى أيضًا على أسس الرأسمالية التقليدية؛ من خلال إضافة عناصر مثل الثقة والرحمة والتعاون وصنع القيمة إلى الصيغة.
وعلى الرغم من أن الأرباح لا تأخذ موقعًا ثانويًا في الرأسمالية الواعية إلا أنها تشدد على حتمية القيام بذلك بطريقة تدمج مصالح جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في الشركة.
وتشير الرأسمالية الواعية، كأحد مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، إلى ممارسات تجارية محددة قد تتبناها شركة فردية، مثل الحصول على مواد مستدامة أو تبني ممارسات عمل عادلة، في حين أن الاستثمار المؤثر هو أسلوب استثماري يبحث عن الشركات ذات الفوائد الاجتماعية أو البيئية، والتي قد تشمل الشركات “الرأسمالية الواعية”، كما تشترك المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) في العديد من الموضوعات مع فكرة الرأسمالية الواعية.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية للشركات الصغيرة.. مزايا وممارسات
-
الاستثمار الاجتماعي للشركات
يؤدي الاستثمار الاجتماعي للشركات، بصفته أحد مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، دورًا مزدوجًا؛ إذ لا يقتصر على قيام الشركة بعمل خيري لهذا المجتمع أو ذاك من المجتمعات التي تعمل فيها، وإنما هو؛ أي هذا النوع من الاستثمار، عبارة عن عمل مربح ولو على المدى البعيد.
ويساعد الاستثمار الاجتماعي للشركات في الدفع بالمجتمع قُدمًا وتنميته وتطويره، فيما يعمل من ناحية أخرى على بناء سمعة الشركة، وتحسين صورتها في مجتمعها المحلي، ولعل هذه الطبيعة الثنائية للاستثمار الاجتماعي هي تلك التي التفت إليها Curt Weeden؛ في كتابه عن المسؤولية الاجتماعية للشركات.
تعتمد الفكرة الأساسية لهذا النوع من الاستثمار، الذي هو أحد أهم مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، على أنه يقدم عطاءات متنوعة وثرية للأفراد والمجتمعات على حد سواء، وهنا يمكن أن نلاحظ الطبيعة الجوهرة لاستثمار كهذا، فعلى الرغم من إسهامه؛ عبر العديد من الأنشطة والفعاليات والإسهامات المختلفة، في تحسين حياة ملايين البشر إلا أنه من الناحية الاقتصادية البحتة استثمار مربح إلى حد بعيد.
ولو لم يكن كذلك لما استثمرت الشركات الأمريكية، وفقًا لـ Curt Weeden، حوالي 3 مليارات دولار سنويًا في القضايا الاجتماعية والمنظمات غير الربحية؛ فالمؤكد أن هذه الشركات لا تنفق أموالها هباءً منثورًا، وإنما تضع هذه الأموال وتمنح عطاءات غزيرة ومتنوعة لهدف ذي بعدين؛ أحدهما إنساني والآخر اقتصادي، وهنا تبرز الطبيعة المزدوجة للاستثمار الاجتماعي للشركات والتي تعتمد عليها فكرة Curt Weeden المسمى “Corporate Social Investing”.
ومن اسمه، وكما تشير الدلالة الحرفية للمصطلح، فإن الشركة التي تنفق أموالها بناءً على هذا النوع من الاستثمار هي تبحث عن الربح وتعظيم حصص المشاركين وأصحاب المصالح وحملة الأسهم، كل ما هنالك أن هذا الربح يتم تأجيل الحصول عليه، على أن يتم تقديم المجتمع ومصالحه على مصالح هذه الشركات نفسها.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية للشركات السياحية.. تعزيز التنمية المستدامة
-
العمل التطوعي
يوصف العمل التطوعي، وهو بُعد أساسي ومفهوم رئيسي من مفاهيم المسؤولية الاجتماعية، بأنه نشاط غير مدفوع الأجر؛ حيث يمنح شخص ما وقته لمساعدة منظمة غير ربحية أو فرد لا تربطه به صلة.
فالتطوع يعني منح وقتك وقدراتك لمساعدة الآخرين (عادةً منظمة غير ربحية) دون الحاجة إلى تعويض مالي. ومن المهم الإشارة إلى أن العمل التطوعي ذو اتجاهين؛ إذ يمكن أن يفيدك أنت وعائلتك بقدر ما يفيد الآخرين، كما يساعدك تخصيص وقتك كمتطوع في تكوين صداقات جديدة وتوسيع شبكتك وتعزيز مهاراتك الاجتماعية.
وتعتمد العديد من المنظمات غير الربحية على المتطوعين لتحقيق الأهداف اليومية والوصول إلى الأهداف طويلة المدى، ولن يتمكن معظم تلك المنظمات من أداء عمله المهم بدون قوة العمل التطوعي.
لا شيء يفعله شخص واحد بمفرده؛ ما يعني أنه يتعين علينا التكاتف معًا لإجراء التغييرات التي نريد رؤيتها في العالم. لقد كان العمل التطوعي بالفعل وقود التغيير على الصعيدين الدولي والمحلي. ويُعد التطوع بوقتك ومهاراتك ومواردك إحدى أقوى الطرق لإحداث فرق ومساعدة الآخرين، بل لتحسين الرفاهية الشخصية والعامة على حد سواء.
اقرأ أيضًا:
دور رائد الأعمال في دعم القضايا الاجتماعية
مبادرات المسؤولية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية
المسؤولية الاجتماعية للجامعات السعودية.. جدل البحث والمجتمع
المسؤولية الاجتماعية بالمملكة.. جهود متواصلة
أنماط الحوكمة.. المفاهيم والأبعاد