ليس بالإمكان بسط القول في أنماط الحوكمة من دون التطرق إلى مفهوم الحوكمة ذاته؛ إذ الإيمان بالشيء فرع عن تصوره؛ ذلك لأن إدراك ماهية هذا المفهوم هو الأرضية التي يمكن البناء عليها.
يمكن تعريف الحوكمة بأنها «ممارسة السلطة السياسية واستخدام الموارد المؤسسية لإدارة المشاكل وشؤون المجتمع».
أما البنك الدولي فيرى أن «الحوكمة هي الطريقة التي تمارس بها السلطة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلد من أجل التنمية»، وكما هو واضح فإن هذين التعريفين السابقين يحيلان إلى البعدين السياسي والاقتصادي في الحوكمة.
ويذهب البعض إلى أن «الحوكمة تشير إلى التنظيم الذاتي والشبكات بين المنظمات التي تتميز بالاعتماد المتبادل وتبادل الموارد وقواعد اللعبة والاستقلالية الكبيرة عن الدولة».
ومن خلال التعريفات المذكورة أعلاه يمكن القول إن الحوكمة _قبل الغوص أكثر في بيان أنماط الحوكمة_ تُعرَّف بأنها مجموعة من الشبكات التي تسعى إلى تحقيق أهداف مشتركة.
ويمكن أن تكون شبكات العمليات الحاكمة هذه حكومية دولية أو مشتركة بين المنظمات أو يمكن أن تكون عبر وطنية. كما يمكن تعريفها من حيث التفاعل بين الدولة والمجتمع.
ووفقًا لوثيقة البنك الدولي “الحوكمة والتنمية” (1992)، هناك أربعة أبعاد رئيسية للحوكمة، هي: إدارة القطاع العام، المساءلة، الإطار القانوني للتنمية، الشفافية وتداول المعلومات.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية للشركات الصناعية.. ما أهميتها؟
أنماط الحوكمة
ويرصد «رواد الأعمال» بعض أنماط الحوكمة، وذلك على النحو التالي..
-
الحكم الرشيد “Good governance”
الحكم الرشيد هو المفهوم المثالي أو المفهوم المعياري فيما يتعلق بأنماط الحوكمة، وقد وُلد هذا المفهوم عندما تم تضمين الأخلاق والقيم في مناقشة الحكم. والسؤال المطروح الآن هو: متى يمكن وصف أي حكم بالحكم الرشيد؟
عندما تتميز الحوكمة بالمشاركة وسيادة القانون، والشفافية، والاستجابة، والتوافق، والإنصاف والشمول، والفعالية والكفاءة، والمساءلة، فإننا نطلق عليها اسم الحكم الرشيد.
وقد ظهرت المخاوف بشأن الحكم الرشيد _بصفته أحد أنماط الحوكمة_ أولًا في مناقشات التنمية الاقتصادية، كما أصبح الاقتصاديون يعتقدون أن فعالية إصلاحات السوق تعتمد على وجود المؤسسات السياسية المناسبة.
إذًا من بعض النواحي أصبحت جودة الحوكمة في البداية موضوعًا ساخنًا ليس بسبب المخاوف الديمقراطية المعيارية ولكن لأنها تمس بالكفاءة الاقتصادية، لا سيما فعالية المساعدة للبلدان النامية.
وجعلت الوكالات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي، بشكل متزايد الحكم الرشيد أحد المعايير التي تستند إليها المساعدات والقروض، وحذا المانحون الآخرون حذوها.
اقرأ أيضًا: كيف تبدأ مشروعك صديق البيئة؟
-
الحوكمة العالمية
هذا هو أحد أكثر أنماط الحوكمة صلة بالمفهوم الأساسي للحوكمة، وقد تم استخدام مصطلح “الحوكمة العالمية” لأول مرة بواسطة Rosenau؛ الذي يجادل بأن:
«الحوكمة العالمية مصممة لتشمل أنظمة الحكم على جميع مستويات النشاط البشري، من الأسرة إلى المنظمة الدولية».
وتعود جذور فكرة الحوكمة العالمية إلى حقيقة وجود الدول اليوم مع جهات فاعلة غير حكومية. وإلى جانب الدول هناك مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة (UN)، وصندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية (WTO). ولدينا أيضًا جهات فاعلة قوية غير حكومية، مثل الشركات متعددة الجنسيات (MNC)، والمجتمع المدني العالمي، والمنظمات غير الحكومية (NGO).
ويوضح هذا أن فكرة الحوكمة في الوقت الحاضر والنظر إليها من منظور عالمي هي فكرة معقدة للغاية ومتنازع عليها. وبالمثل فإن لهذا أيضًا آثارًا في صنع السياسات المحلية؛ حيث إن الحكم في الواقعية المحلية له ملامح متنافسة.
اقرأ أيضًا: الاستثمار في المشاريع صديقة البيئة.. أرباح ومزايا
-
حوكمة الشركات
حوكمة الشركات نمط آخر من أنماط الحوكمة، وهي عبارة عن مجموعة من القواعد أو مدونات السلوك لقطاع الشركات؛ ومن خلال حوكمة الشركات يمكن للحكومة تنظيم عمل الشركات.
ويجب على كل شركة اتباع تلك القواعد أو مدونات السلوك؛ لبدء أعمالها في دولة أو منطقة معينة، ولكن بعد ضمان التزامها بهذه القواعد والمدونات القانونية والسلوكية أيضًا.
-
الحوكمة البيئية
تقدم الحوكمة البيئية، بصفتها أحد أنماط الحوكمة، تفسيرات للطرق التي يمكن تنفيذها في تطوير اللوائح البيئية الدولية، وتطوير العلوم والمعلومات البيئية، والتنمية المستدامة وسياسات التنفيذ بما يتماشى مع السياسة الوطنية.
ويتم التحكم في إدارة البيئة والموارد الطبيعية من أجل الاستخدام السليم للموارد وتأمين التنمية المستدامة.
-
الحكومة الإلكترونية
أدى تطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عملية الحوكمة إلى ولادة فكرة الحوكمة الإلكترونية.
والحوكمة الإلكترونية _أحد أنماط الحوكمة_ هي توجه حديث لجعل عملية الحكم أكثر شفافية وخضوعًا للمساءلة. وهدفها هو استخدام التكنولوجيا من أجل الصالح العام للمجتمع.
ويؤمّن هذا النظام تقديم الخدمة للمواطنين بأقل تكلفة وجهد ووقت باستخدام الإنترنت، كما يضمن هذا النمط من أنماط الحوكمة وجود علاقة قوية بين الدولة والمجتمع المدني وعمل السلطات العامة على جميع مستويات التخطيط، ويُسمى أيضًا “مفهوم الخدمة الموجهة”.
اقرأ أيضًا:
كتب المسؤولية الاجتماعية.. قضايا القرن الـ 21
حوكمة المعلومات.. تعريفها وأهميتها
مميزات إعادة التدوير.. سبل الحفاظ على البيئة
إدارة التطوع.. ماهيتها وأهميتها
أضرار عدم التزام الشركات بالأنظمة البيئية.. أساليب تُعطل نشاطك