في عروق هيلين داروز يجري الطبخ منذ أربعة أجيال، كالنهر المتدفق عبر مناظرها الجنوبية الغربية الفرنسية الخلابة، ورثت هيلين شغفها بفنون الطهي من عائلتها صاحبة المطعم الحائز على نجمة ميشلان، لتُصبح هي نفسها شيفًا استثنائية تدير مطعمين حائزين على نجمتين ميشلان، أحدهما في لندن والآخر في باريس.
دائمًا ما تبدع هيلين بأطباقها الملهمة، متجاوزة حدود المطبخ الفرنسي الرفيع لتقدم تجربة طعام فريدة من نوعها تجسد روح جنوب غرب فرنسا، واللافت في هذا الأمر أن هيلين تحافظ على أصالة المكونات المحلية، وتضفي عليها لمساتها الإبداعية، فتصبح كل وجبة لوحة فنية تبهر الحواس.
نشأة ملهمة
ولدت الطاهية الفرنسية هيلين داروز في 23 فبراير عام 1967م، في مونت دي مارسان؛ حيث نشأت محاطة بثقافة الطهي المتقنة، قضت طفولتها في مطعم العائلة تقريبًا، ممتصة مهارات الطهي دون وعي، كأنها تتنفس هواءها بالضبط.
وعن ذكريات الطفولة، تقول هيلين: “لا أتذكر متى صنعتُ فطيرة التفاح الأولى، لكنني أعلم أنني كنت أخبز وأحضر المعجنات مع عائلتي لاستقبال الضيوف، لقد أحببت طاقة المطعم، خاصة في الصباح الباكر عندما كان المزارعون والصيادون يحضرون مكوناتهم الطازجة”.
العودة إلى جذور الطهي
على الرغم من نشأتها في بيئة متقدة بنار الطهي، شجعها جميع أفراد العائلة على اتباع مسار أكاديمي بعيدًا عن المطبخ تمامًا؛ حيث تقول هيلين: “كنت طالبة مجتهدة، درست إدارة الأعمال ثم التحقت بالجامعة، لأن هذا ما كان متوقعًا مني، لم أفكر أبدًا في أن أكون شيفًا، بل كان أخي هو المرشح لذلك، ولكن بعد التخرج، حصلت على وظيفة كمساعدة لألان دوكاس في مطعمه لو لو XV في موناكو”.
مصادفة أم قدر؟
وقاد القدر هيلين إلى عالم الطهي المتقد بنجوم ميشلان، على الرغم من رغبتها بالعمل في المكتب، وعندما اكتشف ألان دوكاس خلفيتها العائلية، شجعها على الانضمام إلى فريقه في المطبخ، قضت هيلين ثلاث سنوات تقريبًا تتقاسم وقتها بين المكتب والمطبخ، فتعلمت ليس فقط فنون إدارة المطعم، بل أتقنت أيضًا فنون الطهي على أعلى مستوى ممكن.
دروس من نجم ميشلان
وتشير هيلين إلى أن تجربتها مع ألان دوكاس كانت حاسمة في تطوير مهاراتها: “كان كل شيء يدور حول الدقة، لقد تعلمت الكثير خلال تلك الفترة؛ حيث كنت أُشكك في كل شيء حتى في الأطباق المقدمة، ينتمي دوكاس إلى نفس منطقتي، وكان لديه نفس أفكار والدي عندما يتعلق الأمر باحترام المكونات والتركيز على الأصالة، لقد شاركنا جذورًا متشابهة للغاية في عالم الطهي”.
نجمة ساطعة في عالم الطهي
وتواصل هيلين داروز تألقها كشيف استثنائية، مبدعة بأطباقها المبتكرة التي تجسد شغفها بفنون الطهي الموروثة من أجيال عائلتها، وتثبت أن النجوم لا تضاء فقط في السماء، بل يمكن أن تولد أيضًا من بين أيدي شغوفة تبدع في مطابخ العالم.
عودة إلى الجذور
لم تقاوم هيلين نداء عائلتها، فعادت إلى موطنها لتساهم في إدارة مطعم العائلة، حاملة معها إرثًا من الذوق الرفيع وخبرة راكمتها من عملها مع ألان دوكاس. وبينما لم تكن تحس بالاستعداد التام للعمل كشيف بدوام كامل، إلا أن مواهبها المتميزة أكدت نفسها حينما حافظت على نجمة ميشلان المشرفة للمطعم.
باريس تفتح أبوابها ولندن ترحب
ولم تقتصر إبداعات هيلين على موطنها، ففي عام 1999 قررت خوض تحد جديد بانتقالها إلى باريس وافتتاح مطعمها الخاص “هيلين داروز”، وسرعان ما حقق المطعم نجاحًا باهرًا، فحصل على نجمته الأولى عام 2001، تلتها الثانية بعد عامين فقط، لم تلبث هيلين أن أصبحت نجمة ساطعة في سماء الطهي الباريسي، إلا أن شهرتها لم تصل إلى المملكة المتحدة إلا بعد تواصل فندق كونوت معها عام 2008.
لندن تغري هيلين
شعرت هيلين بالقلق في البداية عندما عرض عليها فندق كونوت افتتاح مطعم في لندن، إلا أن نظرة واحدة على غرفة الطعام الفخمة قلبت رأيها، أعجبت هيلين بالطاقة الفريدة التي تميز لندن، وقررت خوض تحد جديد بعيدًا عن موطنها.
افتتح مطعم “هيلين داروز” في فندق كونوت وسط احتفالات مُذهلة، وحصل خلال ثلاث سنوات فقط على نجمتي ميشلان، ثم نال النجمة الثالثة في مطلع الربع الثاني من عام 2021.
رحلة بين نكهات فرنسا وجذور لندن
لم يكن النجاح سهلًا، فقد وزعت هيلين وقتها بين مطعميها في باريس ولندن، معايشة حياة مزدوجة بين عائلتها ومهنتها، ومع مرور الوقت، استقرت هيلين في لندن، ولم تعد اضطر إلى السفر جيئة وذهابًا عبر القناة.
تحافظ هيلين على تركيزها على الطهي الدقيق والمعبر، وتسعى جاهدة للبحث عن منتجات بريطانية صغيرة تضفي نكهة فريدة على أطباقها، تؤكد هيلين على أهمية جودة المنتجات والنكهات، وتلفت إلى أنها تركز كثيرًا على تحسين التقنيات المستخدمة في طهيها.
أسلوب فريد يتحدى التوقعات
يتوقع من مطعم فرنسي فاخر تقديم أطباق تقليدية فرنسية، إلا أن هيلين تفاجئ العالم بأسلوبها الفريد الذي يدمج بين النكهات الفرنسية الجنوبية الغربية والتأثيرات العالمية؛ إذ تبرز هيلين شغفها بمنتجات جنوب غرب فرنسا، وتقدمها مع لمسة عصرية تضفي نكهة فريدة على كل طبق.
تأثيرات عالمية تثري نكهات هيلين
لا تقتصر إبداعات هيلين على نكهات فرنسية فقط، بل تضفي تأثيرات عالمية على أطباقها؛ إذ تأثرت خلال عملها مع ألان دوكاس بالطبخ الإيطالي. كما أن شغفها بسفرها قادها إلى اكتشاف نكهات جديدة من مختلف أنحاء العالم.
وتؤكد هيلين على شغفها بالمنتجات البريطانية، وتشير إلى أنها تكثف جهودها للبحث عن منتجين محليين يقدمون مكونات عالية الجودة، تثني هيلين على التطور الذي شهدته المملكة المتحدة في مجال الطهي خلال العقد الماضي، وتؤكد على ضرورة دعم المنتجين المحليين.
إنجازات تسطر تاريخًا
تلقي هيلين داروز بظلالها على عالم الطهي، حاملة في جعبتها إنجازات تخلد اسمها في صفحات التاريخ؛ فقد حصدت ست نجوم ميشلان عبر ثلاثة مطاعم تعكس إبداعها ومهاراتها الاستثنائية.
-
تاج أفضلية من “أفضل 50”:
في مطلع الربع الثالث من عام 2015، توجت مجلة “أفضل 50” السنوية هيلين داروز بلقب “أفضل شيف في العالم”، لتصبح بذلك رمزًا للتميز والإبداع في عالم الطهي.
-
إمبراطورية من النجوم:
تدير هيلين داروز إمبراطورية من النكهات؛ حيث يضيء مطعمها “هيلين داروز” في فندق كونوت بثلاث نجوم ميشلان، بينما يزهر مطعم “مارسان بار هيلين داروز” في باريس بنجمتين ميشلان، ويضفي مطعم “جوا” في باريس نجمة أخرى على إنجازاتها.
-
فلسفة تنعش الحواس:
- تؤمن هيلين داروز ببساطة مبهرة، تجسد فلسفتها في الطهي من خلال احترام المكونات واختيارها بعناية فائقة، وتركز على الأطعمة المحلية والموسمية، لتحافظ على نكهاتها الطبيعية وتبرز جمالها.
-
نكهة تلامس القلوب:
- لا تسعى هيلين داروز فقط لإرضاء الأذواق، بل تلامس القلوب من خلال أطباقها المتقنة، تركز على إبراز النكهات المتناسقة وتُضفي لمستها الخاصة التي تضفي على كل طبق عاطفة مميزة.
-
تأثيرات تثري إبداعها:
- تلهم هيلين داروز إبداعها من ينابيع متعددة، فمن جنوب غرب فرنسا، موطنها الأصلي، تستمد نكهات تقليدية عريقة، ومن إيطاليا؛ حيث عملت مع ألان دوكاس، تكتسب لمسات إيطالية مُبهرة، ومن رحلاتها إلى الهند، تضفي لمسات عالمية فريدة تثري أطباقها.
-
شغف يضيء الدرب:
- يعد الطهي شغفًا متقدًا في قلب هيلين، يحرك خطواتها ويلهِم إبداعها، فهي تكرس نفسها لاكتشاف مكونات جديدة وتطور تقنيات الطهي باستمرار، سعيًا منها لتقديم تجارب طعام مميزة لا تنسى.
تمثل هيلين داروز رمزًا للتميز والإبداع في عالم الطهي، فبِفضل مهاراتها الاستثنائية وشغفها المتقد، تقدم لنا أطباقًا تبهر الحواس وتلامس القلوب، وتثبت هيلين أنه لا حدود لإبداع المرأة، وأنها قادرة على الوصول إلى قمم النجاح في أي مجال تختاره.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
موموفوكو آندو.. العبقري الذي غير العالم بـ “الإندومي”
سهيل بهوان.. من رحلة صيد إلى إمبراطورية اقتصادية ضخمة
لي بيونج تشول.. حكاية حلم وكفاح حولت كوريا إلى قوة تكنولوجية