عشقها للأزياء التراثية، قادها للغوص في تاريخ وحضارة المملكة؛ لتجلى الغبار عن الكنوز التراثية المطمورة، وتنشيء مؤسسة ” التراث المعاصر” لتصميم وصناعة الأزياء التقليدية، ومزجها بلمسات عصرية، طامحة للرقي بمؤسستها لتنافس العلامات التجارية الشهيرة في عالم الموضة والأزياء..
إنها أميمة كنداسة؛ مصممة الأزياء التراثية التي نتعرف على تجربتها وكثيرعن هذا العالم المدهش من خلال هذا الحوار…
حاورها / حسين الناظر
ــ كيف كانت بدايتك مع الأزياء التراثية ؟
بداية أنا حرفية حاصلة على عدد من الجوائز من الغرفة التجارية وجامعة الملك عبدالعزيز وغيرهما في العمل الحرفي؛ أما صناعة الأزياء فهي موهبة ورثتها من والدتي ـ رحمها الله ـ التي كانت محبة للتراث وماهرة في صناعة الأزياء التراثية لنا؛ ما حببني في هذا العمل.
كنت أحتفظ بجميع القطع التراثية القديمة، وأقوم بتجديدها وترميمها، كما كنت دائمًا ما أحيك لأولادي الملابس، وأصمم لبنات العائلة. وفي ليلة “الغمرة / الحنة” الخاصة بابنتي، ألبستُها خمس قطع من الأزياء التراثية التي صنعتها بيدي، فنالت استحسان جميع الحضور، ثم طلبوا مني أن أصمم لهم أزياء المناسبات، واستثمار موهبتي، فبدأت تدريجيًا، ثم توسعت، بفضل تشجيع الناس، فحققت شهرة واسعة بحمد الله، وأسست علامتي التجارية «التراث المعاصر» التي تجمع الأصالة بالمعاصرة.
إتقان الصناعة اليدوية
ــ ما المهارات التي تحتاجها الأزياء التراثية ؟
كما تعلم هي صناعة يدوية، ولكي تتقنها لا بد أن تحبها وأن تتحلى بالصبر، وتعمل بمهارة وإتقان، فعلاقتي بالأزياء التراثية عشق لا ينتهي؛ إذ أقوم بالبحث والدراسة المتأنية، مع الاطلاع على تاريخ وثقافة المدينة والمنطقة؛ ليخرج الفستان مكتمل العناصر. وقد أستمر في العمل لمدة 12 ساعة متواصلة دون ملل، وقد استمر في العمل على قطعة واحدة لمدة 3 شهور.
ولأنني أتقبل النقد بصدر رحب، أقوم بتطوير الموديل مرة واثنتين وثلاث، بل قد أضيف لونًا أو أكثر؛ ليخرج بصورة مرضية ومناسبة لأذواق الناس.
موروث ثقافي متنوع
ــ المملكة مختلفة الثقافات طبقًا لتنوع البيئة ما بين الحضرية والبدوية؛ فهل لهذا التنوع أثر على الأزياء التراثية ؟
بالطبع فالجزيرة العربية تُعد شبه قارة واسعة ومترامية الأطراف وغنية بالموروث الثقافي المتنوع، الذي تُعد الأزياء التراثية أحد مفرداته، وتتنوع بتنوعه. وبكل منطقة في المملكة ما يميزها، فهناك البيئة الحجازية والبدوية والساحلية؛ حيث يتميز كل منها في تصميماته وخطوطه وزخارفه وألوانه طبقًا للبيئة المحيطة والعادات والتقاليد؛ إذ تعكس الزخارف والرسوم الموضوعة على الملابس، نمط الحياة والبيئة التي يعيش فيها الشخص.
الشماغ والبرقع
ــ ما أهم أنواع ومسميات الأزياء التراثية ؟
الملابس في الجزيرة العربية واحدة باختلاف المسمى من مكان لآخر، تتمثل في الثوب والشماغ والغترة والسديري عند الرجال، ونجد البرقع والشيلة والعباءة عند النساء، غير أن أكثر التنوع نجده في ملابس النساء.
ولكل قبيلة زي؛ إذ تشتهر منطقة الطائف بالعمق والروعة والتنوع أيضًا؛ حيث صممت وعرضت الثوب الأسود بقبعة التخرج وهي من وادي بني ثقيف، وهناك الثوب «المجل» المطرز بالفضة، فيما تشتهر المنطقة الشرقية بـ« العباية» المطرزة بالخيوط الذهبية والخاصة بالعروس، و«الطرحة» التي تغطي الرأس وتُسدل على الأرض.
وتشتهر صحراء الباحة– جنوب المملكة- بجمال وتنوع الألوان المبهجة الأسود والأخضر والبرتقالي، وتشتهر بالثوب «البيشي»، فيما نجد في الشمال «المشلح»، و«المنسف»، و«المكمم» وغيرها.
ثراء كبير
ــ تشهد منطقة الحجاز تنوعًا وثراءً كبيرًا، فكيف انعكس هذا على الأزياء التراثية؟
تعد منطقة الحجاز منذ القدم، ملتقى للثقافات العالمية؛ حيث يفد الحجاج إلى مكة والمدينة لزيارة بيت الله الحرام والمسجد النبوي؛ ما أحدث تأثيرًا وتطورًا كبيرين على أوجه الحياة المختلفة ومن ضمنها الأزياء والملابس؛ حيث نجد أن تشتهر الحجاز بالتنوع والعمق ففيها نحو 11 نوعًا من الثوب النسائي التراثي منه : «المديني»، و«ضرفة باب»، «الزبون» و«المصكك»، و«الكرتة»، و«المسدح»، و«الدرعية»، و«المرتبة»، و«العربي» و«البرنسيه».
ــ ما مدى اهتمام الفتيات السعوديات وإقبالهن على الأزياء التراثية ؟
قبل ثلاثين سنة كانت الأزياء التراثية أساسًا عند المرأة السعودية ، وبعدها مررنا بفترة انصراف عنها؛ إذ حلَّت العباءة ومن تحتها الأزياء الحديثة الوافدة بدلًا منها، و لكن خلال السنوات الأخيرة، عاد الاهتمام بالأزياء التراثية من جديد، وبدأت الفتيات في العشرينيات من العمر تحرص على اقتناء الملابس التراثية، في المناسبات المختلفة، وخاصةً في الأعراس وليلة الغمرة أو الحنة ، وعندما أعرض عليهن إضافة إكسسوارات عصرية، يرفضن ويقلن: “نريد ارتداء قديم في قديم “.
ثقافات متعددة
ــ هل يقتصر اهتمامك بالتراث على التراث السعودي فقط؟
بحكم زواجي من دبلوماسي، فقد سافرت لكثير من دول العالم، وعشت فترات طويلة في العديد من العواصم؛ ما منحني فرصة للاطلاع والتعرف على حياة الشعوب المختلفة من عادات وتقاليد وأكلات وأزياء أيضًا، كما كنت حريصة- عندما أحضر حفلات الأيام الوطنية لتلك الدول- على الاطلاع على أزيائهم التراثية، فكان فرصة لاختزان كل هذه الثقافات لأستفيد منها في تصميماتي.
وتعد السعودية ملتقى كبيرًا لكثير من الجنسيات العربية والأجنبية ممن يعملون ويعيشون بيننا، أو يفدون للحج ؛ ما كان له تأثير كبير؛ إذ تأثرت مثلًا بالأزياء التراثية الهندية التي تتسم بشدة الثراء وكثرة المفردات من ألوان وإكسسوارات وسحر لا يُقاوَم.
اهتمام القيادة بالمرأة
ــ كيف ترين الاهتمام بالمرأة في رؤية 2030 ؟ وما دورها في تحقيق الرؤية؟
كل تقديري لخادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – لاهتمامهما الكبير بالمرأة، واتخاذهما قرارات جريئة لتمكين المرأة ومنحها الفرصة للمشاركة بفاعلية في التنمية والنهوض بالوطن.
وقد استفدت- كمصممة أزياء- وزميلاتي كثيرًا، بإنشاء هيئة الترفيه التي تتيح لنا لأول مرة تنظيم عروض أزياء بالمملكة، لعرض إبداعاتنا على الجمهور السعودي.
ــ ما رأيك في إلغاء موافقة ولي الأمر كشرط لمزاولة المرأة للأعمال التجارية ؟
قرار يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، ثم المرأة السعودية وتمكينها اقتصاديًا، ويُسهل الإجراءات الإدارية، ويتيح استقلالية فتح السجل التجاري وتأسيس الشركات والتصرف بحرية في شؤونها الخاصة.
وبالنسبة لي فلم أتعرض لمضايقات في هذا الإطار نظرًا لتفهم زوجي ودعمه وتشجيعه، لكنني أحس بمشكلات كثير من النساء، ولاسيما المطلقات و الأرامل اللواتي يصعب عليهن اتخاذ القرارات بحرية إلا بموافقة ولي الأمر. والقرار الأخير سيحل العديد من المشكلات، ويسهم في تحريك كثير من الأموال الراكدة واستثمارها في تأسيس شركات ومشروعات كبيرة تدعم الاقتصاد.
أتفق مع السعودة
ــ هناك من يرى أن للسعودة تأثيرًا سلبيًا على صناعة الأزياء؟ ما رأيك؟
أتفق مع السعودة؛ لأنها تصب في صالح المجتمع. قد نعاني في البداية من قلة الأيدي العاملة الماهرة من السعوديات العانلات في هذا المجال، لكن بالتأكيد سيتغير ذلك مع الوقت، فالسعودة ستجبر الجميع على العمل، فهناك مدارس مهنية تخرج متخصصات في أعمال الخياطة والتطريز والتصميم؛ إذ بدأت كثير من المصممات السعوديات في عمل دورات مهنية متخصصة تشهد إقبالًا من الفتيات، وبالأخص صغيرات السن. وأقوم بنفسي أيضًا بالتدريب وعقد دورات متخصصة، وأمنح شهادات احترافية متخصصة للكثيرات؛ إذ أرى أن الفتاة السعودية تمتلك حسًا فنيًا وذوقًا رفيعًا ورغبة في إثبات الذات وتحقيق النجاح.
لا أخشى المنافسة
ــ ألا تخشين من المنافسة في ظل كثرة المصممات؟
أبدًا ، فكلنا نتعاون ونتكامل، وكل واحدة حباها الله بملكة تميزها عن غيرها، فكما هناك تنوع في المصممات ولمساتهن، هناك تنوع في أذواق ومشارب العميلات. والرزق أولًا وأخيرًا بيد الله.
وتأكيدًا لكلامي أنا موجودة في مجموعة تضم 450 مصممة أزياء سعودية وعربية، نتحاور ونتبادل الآراء والأفكار وننتقد بعض للوصول لأفضل أداء.
ــ من يعجبك من المصممات السعوديات ؟
لدينا كثير من المصممات المميزات، فهناك سوزان بغدادي وأمل قشلان وأميمة عزوز وأميمة فلاتة وسمر راضي وغيرهن.
لكن تعجبني كثيرًا سميرة حلواني لتميزها بالتصميمات المبتكرة والرائعة، وتمتلك “علامة تجارية عالمية” مبهرة، لا تفرق أي قطعة من يديها عن أي علامة تجارية فرنسية أو أوروبية في الخامة والألوان والتكنيك.
ــ وما خططك المستقبلية ؟
على المدى القصير، أخطط للمشاركة في مهرجان الجنادرية القادم لأول مرة في المملكة؛ لعرض الأزياء التراثية، وأفكر في المشاركة في أكثر من مكان، خاصة أنني لا أهتم بمنطقة الحجاز فقط كوني حجازية، ولكن سأغطي جنوب المملكة وشمال المملك.
كذلك، سأشارك في معرض ” قفطانوس” بالمغرب يوم 16 أبريل ، وسأشارك في معرض عالمي بفرنسا 21 سبتمبر القادم.