- في عالم الأعمال المُتسارع، حيث تتبدل الاستراتيجيات وتتزايد المنافسة، تُعد إدارة التدفق النقدي بفعالية حجر الزاوية لضمان استدامة وازدهار أي مشروع تجاري.
ومع ذلك تواجه شركات صغيرة ومتوسطة عديدة صعوبات جمة في تطبيق تقنيات الإدارة المالية المُثلى؛ ما يُهدد استقرارها المالي ويعوق إمكانيات نموها.
ما إدارة التدفق النقدي؟
أوضحت كلية هارفار للأعمال مفهوم إدارة التدفق النقدي، مشيرة إلى أنها عملية تتضمن تتبع وتحكم حركة الأموال الداخلة والخارجة من المنشأة التجارية، وتهدف إلى التنبؤ الدقيق باحتياجات التدفق النقدي لضمان استقرار واستدامة العمل.
وتتطلب إدارة التدفق النقدي رصد وتحليل وتحسين صافي التدفق النقدي؛ أي الفرق بين المبالغ النقدية الواردة والنفقات، ويُمثل هذا الأمر جوهر إدارة الشؤون المالية للشركة بمسؤولية؛ إذ يضمن توفر السيولة المالية اللازمة للنمو والتطور.
وبالتأكيد تُساعد استراتيجيات إدارة النقد الفعّالة في التنبؤ بحجم الأموال المتاحة لتغطية مختلف الالتزامات في الشركة أو المؤسسة، مثل: الديون، وكشوف الرواتب، وفواتير الموردين؛ ما يُعزز قدرة المنشأة على الوفاء بالتزاماتها المالية ويُقلل من مخاطر التعثر.
مثال على إدارة التدفق النقدي
يُوضح المثال التالي كيفية تطبيق مبادئ إدارة التدفقات النقدية في مواقف واقعية:
معالجة نقص السيولة
لنفترض أن هناك شركة صغيرة تواجه مشكلة تتمثل في تراكم مخزونها لمدة 90 يومًا، بينما تُستحق ديون العملاء خلال 60 يومًا فقط، وعلى الجانب الآخر تبلغ آجال الدفع للموردين 30 يومًا، ينتج عن ذلك توقعات نقدية ضعيفة.
لتحسين إدارة التدفق النقدي في هذه الحالة تتبع الشركة أحد المسارين:
- إعادة التفاوض على شروط الدفع مع الدائنين: تسعى الشركة إلى تمديد آجال الدفع من 30 إلى 60 يومًا؛ ما يمنحها فسحة زمنية أطول لتحصيل مستحقاتها من العملاء وتوفير السيولة اللازمة لتسديد التزاماتها.
- تسريع تحصيل المستحقات وبيع المخزون: تُكثف الشركة جهودها لتحصيل مستحقاتها من العملاء في أقرب وقت ممكن، وتعمل على بيع مخزونها بوتيرة أسرع، يُساعد ذلك في تحرير الأموال العالقة وتحسين التدفق النقدي.
وإن لم تتمكن الشركة من اتباع أي من الحلول المذكورة قد تواجه عجزًا في السيولة، في هذه الحالة قد تضطر إلى أخذ قرض تجاري لتغطية التزاماتها المالية والحفاظ على استقرارها.
الخطوات الأربع لإدارة التدفق النقدي
تتنوع أساليب إدارة التدفقات النقدية في الشركات؛ من أهمها:
1- توقع النفقات
تبدأ عملية إدارة التدفقات النقدية بتحديد جميع التزامات الشركة المالية المستمرة، وتشمل هذه الالتزامات التالي:
- الإيجار: مدفوعات العقارات التي تشغلها الشركة.
- الرواتب: رواتب ومزايا الموظفين.
- الإعلانات: تكاليف التسويق والترويج للمنتجات أو الخدمات.
- رسوم البرامج: رسوم الاشتراك في البرامج والخدمات الضرورية للعمليات التجارية.
- أقساط القروض: مدفوعات الديون المستحقة على الشركة.
ودائمًا ما يُنصح بإنشاء قائمة شاملة بجميع هذه النفقات، مع مراعاة تفاصيل كل بند مثل: سبب المصروف، ومقداره، وتاريخ استحقاقه.
وللحصول على صورة أكثر دقة يُنصح بمراجعة بيانات البنك وبطاقات الائتمان لمعرفة أي نفقات أخرى قد يكون تم تجاهلها.
2- توقع الإيرادات
بعد تحديد النفقات تأتي مرحلة توقع الإيرادات، والتي تختلف باختلاف طبيعة كل عمل؛ حيث تواجه بعض الشركات تقلبات موسمية في المبيعات، بينما تتمتع شركات أخرى بإيرادات أكثر استقرارًا.
لذلك يُنصح باتباع الخطوات التالية لتوقع الإيرادات بدقة:
- تحديد الإيرادات المضمونة: تشمل هذه الإيرادات مصادر الدخل الثابتة مثل الاشتراكات والعقود طويلة الأجل.
- تحليل اتجاهات المبيعات: دراسة بيانات المبيعات التاريخية لفهم أنماط الطلب الموسمية وتأثير العوامل الخارجية مثل العطلات والعروض الترويجية.
- توقع نمو الأعمال: تقدير الزيادة المتوقعة في المبيعات بناءً على خطط التوسع والتسويق.
ومن المهم التحلي بالواقعية عند توقع الإيرادات، وتجنب التفاؤل المفرط الذي قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة.
3- أدخل بياناتك في قالب عرض
بعد الانتهاء من مرحلة تحديد النفقات وتوقع الإيرادات تحين مرحلة أخرى أكثر أهمية وهي إدخال هذه البيانات في قالب عرض التدفق النقدي، بالطبع يتوفر العديد من قوالب عرض التدفق النقدي المجانية على الإنترنت، والتي يمكن تخصيصها لتناسب احتياجات كل عمل.
وهنا يُنصح بإنشاء صف لكل بند من بنود النفقات والإيرادات، مع مراعاة الدقة في تواريخ الاستحقاق والمبالغ، كذلك يجب إضافة رصيد الافتتاح النقدي للأسبوع الأول، والذي يُمثل مبلغًا نقديًا موجودًا داخل حساب الشركة في البداية.
4- تحديث ورقة عمل العرض التقديمي
لا تُعدّ ورقة عمل عرض التدفق النقدي وثيقة ثابتة، بل هي أداة ديناميكية لا بد من تحديثها بشكل دوري لتعكس التغييرات في النفقات والإيرادات.
ويُنصح بتحديث رصيد الإغلاق النقدي أسبوعيًا، ومقارنته مع الحسابات الفعلية لضمان دقة التوقعات، ويجب أيضًا إضافة أسبوع جديد من التوقعات بشكل منتظم، مع التركيز على توقع الأحداث المستقبلية مثل: العطلات والعروض الترويجية.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي مراجعة ورقة العمل بشكل دوري للكشف عن أي عجز متوقع في التدفق النقدي، واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
أدوات إدارة التدفقات النقدية
تتنوع أدوات إدارة التدفقات النقدية لتناسب احتياجات مختلف الشركات، بدءًا من البرامج المجانية مثل جداول بيانات Google وصولًا إلى المنصات المتخصصة، وهذه بعض أبرز الأدوات:
Google Sheets
- خيار مجاني وسهل الاستخدام: تعد جداول بيانات Google مثالية للشركات الصغيرة أو تلك التي تبدأ رحلتها؛ حيث لا تتطلب أي خبرة تقنية سابقة.
- مُخصص بالكامل: تُتيح لك إمكانية تكييف قوائم التدفق النقدي لتناسب احتياجاتك وظروفك الخاصة بدقة.
- رؤى ثاقبة: تساعدك في تتبع مسار أموالك وفهم حركة التدفقات النقدية داخل وخارج شركتك؛ ما يُتيح لك توقع احتياجاتك المالية المستقبلية بفعالية.
Tesorio
- حل متقدم: توفر منصة Tesorio لوحة معلومات شاملة تُتيح لك مراقبة تدفقاتك النقدية في الوقت الفعلي، وهذا يسمح لك باتخاذ قرارات مالية سريعة وفعالة.
- ذكاء اصطناعي: تحلل بياناتك تلقائيًا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقدم لك توصيات وتوقعات مُستقبلية مدعومة بالبيانات.
- دمج سلس: تتكامل مع منصات الخدمات المصرفية والمحاسبة الخاصة بك؛ ما يُسهّل عليك جمع البيانات وتحليلها.
Kolleno
- إدارة شاملة: تقدم شركة Kolleno مجموعة واسعة من الميزات التي تُساهم في إدارة تدفقاتك النقدية بكفاءة، بما في ذلك حسابات المدينين، والمقارنات، وتحليل السيولة.
- تحسين الكفاءة: تتيح وظائف أتمتة توفر لك الوقت والجهد، وتُسهل عليك متابعة المهام المالية المُتكررة.
- توقعات ذكية: تساعدك في التنبؤ بالتدفقات النقدية المستقبلية بدقة؛ وهذا يُتيح لك التخطيط المالي بشكل أفضل.
Jirav
- أتمتة وتكاملات: تقدم شركة Jirav ميزات أتمتة توفر الوقت والجهد، وتتيح لك التكامل مع العديد من المنصات الرئيسية، مثل منصات إدارة علاقات العملاء (CRM) ومنصات إدارة المشاريع.
- تسهيل الفهم: توفر عروضًا بصرية للبيانات حتي يسهل عليك وفريقك مشاركتها وفهمها.
Causal
- نمذجة مالية متقدمة: تعد Causal أداة متقدمة مُخصصة للشركات التي تبحث عن حلول تحليلية شاملة تتجاوز مجرد إدارة التدفقات النقدية.
- ميزات واسعة: تقدم مجموعة واسعة من الميزات المُتقدمة، مثل تحليل السيناريوهات، وتقييم المخاطر، وتخطيط الأعمال.
- تواصل فعال: تتيحl عرض البيانات بشكل مُبسط لتسهيل التواصل ومشاركة الرؤى مع أصحاب المصلحة.
في نهاية المطاف يُمكن القول إن إدارة التدفقات النقدية هي رحلة مستمرة تتطلب التزامًا ووعيًا من جميع أفراد المنظمة، والاستثمار في أدوات فعالة، وتطوير مهارات الموظفين، واتباع نهج استباقي، كلها عوامل تساهم في تحويل إدارة التدفقات النقدية من عبء إلى أداة قوية تساهم في تحقيق النمو المستدام والازدهار على المدى الطويل.
ولكن لا تتوقف الرحلة عند هذا الحد بل يجب على الشركات مواكبة التطورات المتسارعة في عالم إدارة المال، وتبني أفضل الممارسات لضمان استمرارها وازدهارها في ظل أي تحديات قد تواجهها.
فالمستقبل ينتمي للشركات التي تُدرك أهمية إدارة التدفقات النقدية، وتُوظفها بذكاء لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وضمان استقرارها المالي على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا:
الربح في الشركات.. كيف يتحقق ذلك؟
توعية المستثمرين.. خطوات أساسية لجذب التمويل
مهارات مالية يحتاجها رواد الأعمال.. استراتيجة النجاح الكُبرى