تتخطى العلامات التجارية الناجحة مُجرد تصميم شعار، ووضعه على موقع إلكتروني أو شاحنة، بل تُمثل الصورة التي يرسمها المستهلك في ذهنه عن الشركة أو المؤسسة.
وما من شكٍ في أن هذه الصورة تؤثر بشكل مباشر على سلوكه وقراراته، فالتصور الإيجابي يُعزز شعور العميل بالثقة في جودة منتجات الشركة وقيمتها، في حين يُؤدي التصور السلبي إلى العكس.
ولذلك، تتطلب بناء علامة تجارية ناجحة، التواصل بشكلٍ عاطفي مع الجمهور المستهدف، ما يتطلب التفاني والالتزام بمعايير رصينة واتباع استراتيجية مدروسة بشكل دائم.
ولتحقيق هذا الهدف الجلي، ينبغي على رواد الأعمال وأصحاب الشركات فهم عملية تطوير العلامة التجارية بشكلٍ واضح ومفهوم وتطبيق الممارسات الصحيحة لضمان نجاحها.
ما هو تطوير العلامات التجارية؟
يمثل تطوير العلامة التجارية رحلة مستمرة لتحسين الصورة العامة للمؤسسة؛ حيث تُشكل العلامة التجارية انطباع المستهلكين عن منتجات الشركة وخدماتها وقيمها.
وتتضمن هذه العملية الحرص على الثبات في القيمة والجودة التي يُقدمها المنتج أو الخدمة، ما يساهم في تمييز الشركة عن منافسيها ويُعزز مكانة علامتها التجارية في السوق.
وفي الغالب، يُوكل قسم التسويق مهمة تطوير استراتيجيات العلامة التجارية؛ حيث يُوظف استراتيجيات تسويقية مُتعددة مثل: الإعلانات والعلاقات العامة والحملات التسويقية لنشر الوعي بالعلامة التجارية وتعزيز ثقة المستهلكين بها.
أهمية تطوير العلامات التجارية
يُؤكد جاريد روزين؛ كبير مديري العلامات التجارية في Wayfair، على أهمية تطوير العلامة التجارية، فيقول: “العلامة التجارية ليست مجرد شعار أو رمز، بل هي وعدٌ تتخذه مع عملائك”، فما هي العوامل الجوهرية التي تجعل تطوير العلامة التجارية رحلة ضرورية لبناء ثقة عميقة مع العملاء؟
-
الثقة والمصداقية
في عالم يضج بالإعلانات والإغراءات، يصبح العثور على علامات تجارية موثوقة أشبه بكنز ثمين، فمن خلال سنوات من الجودة المتسقة وبناء العلامة التجارية، تثبت الشركات مثل: “آبل” و”تويوتا” جدارتها وتُصبح خيارًا مفضلًا لدى المستهلكين، فما الدافع للمخاطرة بشراء منتج من شركة غير معروفة؟
-
التعرف والاستدعاء
في سوق مزدحم بالمنتجات، تصبح العلامة التجارية القوية، بمثابة منارة تُرشد المستهلكين، فعندما ترى رمز “علامة الجرار” تتذكرُ على الفور شركة “نايك”، أليس كذلك؟ هذه هي قوة العلامة التجارية المُطورة، فهي تضمن تذكر المستهلكين لك وسط بحر من المنافسين.
-
قيمة تتجاوز المنتج
لا تُقاس قيمة العلامة التجارية بجودة المنتج فحسب، بل بما تُمثله للعملاء، فما الدافع لشراء ساعة “رولكس” بسعر باهظ، في حين توجد ساعات أخرى تُخبر الوقت بكفاءة لا تقل عنها؟
لا شك أن “رولكس” تُقدم أكثر من مجرد ساعة، فهي رمز للمكانة الاجتماعية والحرفية، وذلك ما يُؤكد على أهمية تطوير العلامة التجارية لتعزيز القيمة غير الملموسة لمنتجاتها.
-
الولاء والمناصرة
هل لاحظت كيف يُدافع مستخدمو بعض أجهزة “آيفون” بشغف عن اختيارهم ويوصون بها للآخرين؟ هذا النوع من الولاء لا ينبع فقط من ميزات المنتج، بل من ارتباط عميق بالعلامة التجارية وما تمثله.
وتساهم عملية تطوير العلامة التجارية الصحيحة في تعزيز هذا الولاء، وتحول العملاء إلى سفراء يُروجون للعلامة التجارية.
-
جذب المواهب المناسبة
تُفضل القوى العاملة اليوم، وخصوصًا الجيل الأصغر، العمل لدى علامات تجارية تحترم قيمها، فعناصر مثل: السجل البيئي القوي، والعمل المرن، والأسلوب الأخلاقي للعمل تُساعد الموظفين على الشعور بالفخر تجاه صاحب العمل.
-
اتخاذ قرارات توجيهية
سواء كان التزام “آبل” بتصميم سهل الاستخدام ، أو تفاني “باتاغونيا” في القضايا البيئية، فإن ركائز العلامة التجارية هذه تُوجه تطوير المنتجات واستراتيجيات التسويق والشراكات.
-
الارتباط العاطفي
تتمتع العلامة التجارية التي تتقن فن الارتباط العاطفي بمكانة خاصة في قلوب مستهلكيها، فما يثيره “ديزني” من دفء وحنين لا يمكن مقارنته بأي شركة ترفيهية أخرى.
استراتيجية النمو والتطوير
تُعد رحلة تطوير العلامة التجارية رحلة استراتيجية تستلزم التخطيط الدقيق والتنفيذ المتقن، ولكن مع وجود استراتيجية قوية، تصبح هذه الرحلة أسهل وأكثر فاعلية، وهذه بعض أبرز الخطوات التي يُمكن الاعتماد عليها:
-
فهم جمهورك المستهدف
لا تُشرع في رحلة دون وجهة محددة، وهذا بالضبط ينطبق على تطوير العلامة التجارية كذلك، فأساس النجاح يكمن في فهم جمهورك المستهدف بعمق، لذلك، استخدم أدوات مثل: الاستطلاعات والبحث الديموغرافي وتقسيم السوق لتُكون صورة واضحة عن احتياجاتهم وتفضيلاتهم.
-
حدد عرض القيمة
ما الذي يميز علامتك التجارية عن غيرها؟ هذا هو السؤال الذي يُجيب عليه عرض القيمة الفريد، فهو بمثابة الشراع الذي يُحرك علامتك التجارية نحو الأمام، لذلك، حدد بوضوح ما تقدمه من قيمة مضافة لا يقدمها منافسوك.
مثال على ذلك: لم تقدم Dropbox نفسها فقط كحل لتخزين الملفات، بل ركزت على كونها أداة سلسة للحياة والعمل، مع التأكيد على بساطة الاستخدام في بيئة تكنولوجية مزدحمة. اقض بعض الوقت في إنشاء استراتيجية لتحديد موقع منتجك؛ لزيادة فرص نجاح إطلاقه، ولا تُهمل تحديد موقعك بالنسبة إلى منافسيك.
-
حدد شخصية علامتك التجارية
تمتلك العلامة التجارية، مثلها مثل الأشخاص، شخصيات مميزة، هل تود أن تكون علامتك التجارية مرحة ونابضة بالحياة مثل Lush؟ أم أنيقة وراقية مثل Rolex؟ يجب أن تتجلى هذه الشخصية في كل نقطة تواصل، بدءًا من تغليف المنتج وصولًا إلى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. وتُساهم هذه الشخصية في تشكيل صورة مُتماسكة في ذهن المستهلك.
-
اصنع شعارًا لا يُنسى
تؤدي الإشارات المرئية دورًا محوريًا في استدعاء العلامة التجارية، فالشعار ليس مجرد رمز، بل هو وجه علامتك التجارية، ويصبح أداة قوية لاستدعاء العلامة التجارية عند اقترانه بلوحة ألوان مميزة وخط خاص. فكر في شعار “علامة الجرار” المميز عالميًا لشركة Nike، فهو أكثر من مجرد علامة صح؛ بل يرمز إلى الإنجاز والديناميكية والسرعة.
-
طور صوت علامة تجارية متسق
تُعبر الطريقة التي تتواصل بها عن هويتك، سواء كنت خياليًا أو رسميًا أو في مكان ما بينهما. يجب أن يظل هذا الصوت متسقًا في جميع قنوات التواصل، فانظر إلى Mailchimp، فالنغمة المرحة والغريبة في بعض الأحيان تضفي متعة على موضوع التسويق عبر البريد الإلكتروني المألوف، ما يميزهم في مجال يركز على التكنولوجيا.
-
اروِ قصة علامتك التجارية
يحب الناس القصص؛ فهم مُبرمجون على تذكرها، ما هي روايتك؟ لا تبيع TOMS الأحذية فقط، بل تُشارك قصصًا حول كيفية مساعدة كل عملية شراء لشخص محتاج، تُساهم استراتيجية سرد القصص هذه في نسج علاقة قوية مع العملاء، وتجعل من كل عملية شراء تجربة ذات مغزى.
-
انخرط على المنصات المناسبة
لا توزع جهودك على نطاق واسع دون تركيز، فذلك قد يضعف من جوهر علامتك التجارية، حدد بدلًا من ذلك المنصات التي يقضي فيها جمهورك المستهدف معظم وقته. وأنشئ حضورًا قويًا هناك، ففي حين قد تحقق علامة تجارية B2B راقية نجاحًا على LinkedIn، يمكن أن تكتسب علامة تجارية للأزياء تركز على الشباب زخمًا على منصات مثل: TikTok أو Instagram.
-
عزز مشاركة المجتمع
لا تقتصر العلامة التجارية الناجحة على البيع فقط، بل تنمي أيضًا مجتمعات ملتزمة، تفاعل مع جمهورك، وشاركه، واستمع إليه، تُعد Lego Ideas مثالًا رائعًا على هذه المقاربة، فمن خلال السماح للمعجبين بتقديم تصاميمهم الخاصة وإمكانية تحويلها إلى مجموعات رسمية، تحول Lego عملاءها إلى أعضاء أساسيين في مجتمعها.
وختامًا، تذكر أن تطوير العلامة التجارية ليس رحلة قصيرة أو سهلة، بل هي رحلة مستمرة تتطلب الصبر والمثابرة والاستثمار المستمر، ولكن مع التصميم والالتزام بالمبادئِ الصحيحة، يمكنك تحويل علامتك التجارية إلى قصة نجاح تلهم المستهلكين وتحدث ثورة في مجال عملك.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
تحديات الشركات الناشئة.. مخاطر تواجه رواد الأعمال
تأسيس شركة ناشئة في 2024.. تحويل الأفكار إلى واقع