يساور الشركات التي تتهيّأ للتغيرات المتلاحقة القلق حول نجاحها في تعيين المواهب المناسبة والاحتفاظ بهم؛ ويتوقع نحو 75% من المسؤولين التنفيذيين، الذين استطلعت شركة “بين آند كومباني” آراءهم، أن تتغير المهارات والقدرات التي تحتاجها الشركات للنجاح خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، وفي الوقت نفسه يقدّر المشاركون عدد الموظفين الذين يمتلكون القدرات اللازمة للاضطلاع بأهم المناصب والأدوار الوظيفية في المستقبل بأقل من النصف.
أما أبحاثنا فتظهر أن معظم الشركات لا تحتاج إلى عدد كبير من المواهب الجديدة المتميزة للنجاح، وأن أفضل الشركات من حيث الأداء لا تتفوق على منافسيها بعدد موظفي “النخبة”، بل ما يميزها هو كيفية الاستفادة من تلك المواهب؛ فهي على الأرجح توظف أصحاب المواهب المتميزة في المناصب ذات الدور الحيوي لنجاح الأعمال.
ويصف مصطلح “الدور الحيوي لنجاح الأعمال” الأدوار والمناصب التي تكتسب أهمية بالغة في تنفيذ استراتيجية الشركة وبرنامج أعمالها لتحقيق القيمة. وبالمتوسط يصنّف التنفيذيون نحو 40% من أدوارهم على أنها حيوية ومهمة لنجاح الأعمال، ولكن أبحاثنا تبيّن أن 5% فقط من الأدوار في المؤسسات العادية تؤدي دورًا حيويًا حقيقًا في نجاح الشركة.
ورغم عددها المحدود يمكن لتلك الأدوار أن توجد في كل مستوى من مستويات الهيكل التنظيمي للمؤسسة؛ أي ضمن المناصب التنفيذية وفي كل مستوى إداري وضمن الفرق على كل المستويات.
لنأخذ مثالًا على ذلك: شركة عالمية متعددة الجنسيات لإنتاج السلع الاستهلاكية بدأت مؤخرًا التخطيط للتوسع عالميًا، سنجد هنا أن التنفيذيين في الشركة أدركوا في هذه المرحلة حاجتهم إلى التركيز على مستويات مختلفة وعديدة ضمن الهيكل التنظيمي، فتم تحديد مجموعة من الأدوار التي تُعتبر ذات دور حيوي في إنجاح التوسع؛ ومنها: مدير التسويق العالمي، وأحد المناصب التنفيذية والعديد من المديرين العامين على المستوى المحلي في الدولة، والذين يتواجدون في مستويات إدارية أدنى في الهيكل التنظيمي، بالإضافة إلى فرق المبيعات في الهيكل التنظيمي.
مكافآت محفزة للموظفين.. رفع الإنتاجية والحفاظ على المواهب
وبعد أن حددت الشركة تلك الأدوار المهمة يمكن لقادة الأعمال الذين يعملون مع شركاء الموارد البشرية التركيز على الجانب المهم؛ بحيث يتأكدوا من أن الشخص الذي يشغل كل منصب منها هو الأمثل الذي يتمتع بالموهبة المناسبة.
ورغم إدراك التنفيذيين للحاجة إلى تعيين المواهب في الأدوار الحيوية التي تدعم نجاح الأعمال، كثيرًا ما نراهم يواجهون ثلاث عقبات أساسية تعيق ذلك. فهم أولًا: لا يعرفون أي الأدوار هي الأكثر أهمية لنجاح الأعمال، أو ربما يعتقدون –كما ذكرنا أعلاه– بأن هناك الكثير من تلك الأدوار المهمة، أكثر مما تحتاجه المؤسسة بالفعل؛ ثانيًا: نجدهم يفتقرون إلى الفهم الواضح لما يتطلبه النجاح في تلك الأدوار؛ وثالثًا: لا تمتلك المؤسسة عمليات ومناهج متسقة لتربط الموهبة المناسبة بتلك الأدوار.
وللتغلب على تلك التحديات تقوم أفضل الشركات أداءً بالتصرف بالشكل الصحيح في 4 أمور:
- اتباع نهج قائم على الاستراتيجية عند تحديد الأدوار الحيوية لنجاح الأعمال؛ فبدلًا من اختيار منصب محدد بناء على نصيبه من الأرباح والخسائر أو عدد الموظفين المرؤوسين؛ أو أي مقياس كمي آخر، تهتم تلك الشركات بالعناصر الفردية في استراتيجيتها وتبحث عمّا هو مطلوب لتحقيقها.
- تحديد سمات النجاح ومفهومه في ذلك المنصب، وهذه التفاصيل هي وصف للتجربة المثالية لأي مرشح، وبيان للدوافع والقدرات والمهارات والإمكانات التي يتمتعون بها وما إن كانت مناسبة تمامًا لثقافة الشركة.
- التقييم الدقيق للمواهب العاملة حاليًا في تلك الأدوار ومقارنتها بالسمات المطلوبة للدور؛ وذلك لتحديد حجم وطبيعة أي ثغرات، ثم القيام بالأمر ذاته لأي مرشح داخلي محتمل.
- معالجة فجوات المواهب؛ من خلال مزيج مدروس من تطوير المواهب وتوزيعها وإعادة توزيعها، مع تعيين المواهب الجديدة في الوقت المناسب وبشكل مركّز.
الموظف الروتيني.. من الملل إلى تحديد وجهة الشركات
ويؤدي تعيين المواهب دورًا بالغ الأهمية في كل مؤسسة، وتهتم شركات الملكية الخاصة التي تستثمر في قطاعات عديدة ومتنوعة بشكل خاص بالدور المهم لإدارة المواهب لنجاح الصفقات، وحتى في هذه الحالات تفتقر العديد من تلك الشركات إلى وجود عملية متسقة وقابلة للتكرار لاتخاذ القرارات السريعة بشأن الموظفين.
أما الشركات التي تفوقت على منافسيها في القطاع فهي الشركات التي تربط استراتيجية التوظيف لديها بشكل مدروس بخطط تحقيق القيمة لكل شركة، ويتضمن ذلك استخدام عوامل محددة ومبادرات تحقيق القيمة لتحديد الأدوار الحيوية لنجاح الأعمال، ومن ثم تحديد سمات النجاح لكل منها. ويرتبط ذلك ارتباطًا واضحًا بمخرجات الاستثمار المرغوبة لدى الشركة.
ويمكن تقييم الموظفين الحاليين والمرشحين للعمل في كل منصب عبر مجموعة واسعة من الأساليب، كإجراء المقابلات والتقييمات وغير ذلك لتقييم الخبرة والإنجازات والسياق، فضلًا عن القدرات والدوافع. ومن أبرز الأسئلة في هذا الإطار: كيف يؤدون مهامهم؟ وكيف يقودون أعمالهم؟ وما هي دوافعهم؟ وهل سيتناسبون مع ثقافة المؤسسة؟ ويمكن تطبيق هذا التقييم على أدوات موسعة للتوظيف في الشركات الكبيرة التي تعمل من خلال نموذج موزّع.
أخطاء إدارة الموارد البشرية.. المبادئ لا تتجزأ
بالملخص فإن تعيين المواهب المتميزة في الأدوار المهمة مسؤولية كبيرة ومستمرة، ومع تغير الاستراتيجية وتطور الموظفين ومواهبهم ستتمكن الشركات من التفوق على منافسيها واكتساب الأفضلية المستدامة؛ بفضل اتباع نهج مدروس وصارم في هذا السياق.
اقرأ أيضًا:
الموارد البشرية وإدارة الأداء.. الفجوات والمغالطات
إدارة الموارد البشرية وتجنب الهجوم الرقمي
كيف يعيد الموظفون الأكبر سنًا اكتشاف أنفسهم في العمل؟