“الأمة التي لا تنتج تموت، ولو كانت جبالها من فضة وسهولها من ذهب”، مقولة للأديب اللبناني أمين الريحاني، تنذر الأمم الكسولة والمتخاذلة عن استثمار ثرواتها البشرية والطبيعية، فمهما عظمت هذه الثروات والخيرات والموارد في أي بلد، ولم يخطط أو يعمل أبناؤها للاستفادة منها؛ فيكون مصيرها إلى زوال أو تقبع في ذيل الأمم.
لقد حبا الله بلادنا بكثير من الموارد؛ أهمها المورد البشري، ومنه شريحة رواد الأعمال من الشباب الواجب الاستماع لهم، واستثمار أفكارهم الخلاقة؛ فهناك أفكار استثمارية يمكن للشباب أن ينخرطوا بها بعد تأهيلهم التأهيل المناسب، ومنحهم نصيبهم من هذه الخيرات التي تزخر بها بلادهم.
رائد الأعمال هو من يعمِّر الأرض، ويُحدث التغيير الإيجابي في أي مجتمع؛ فالشباب – إذا حَسُنَ إعدادهم وتوجيههم والاستفادة منهم- هم الطاقة التي تصل بأمتهم إلى أعلى سُلم الحضارات، فرائد الأعمال مثل رائد الفضاء، مُغامر وينشُد التغيير الإيجابي، وغالبًا ما تأتي ثمرته لخدمة شرائح عديدة من البشر.
والعمارة نقيض الخراب، فيُقال: عَمَر أرضه: يعمُرها عِمارة، فإعمار الأرض من ضرورات الحياة، وتكليف للإنسان من خالقه، فلا يحق للإنسان الإساءة إليها وتخريبها.
وقد شاهدنا مؤخرًا كوارث وحرائق أصابت مناطق عديدة من المعمورة جرَّاء ارتفاع درجة الحرارة الناتجة في معظمها عن انبعاثات الغازات الدفيئة؛ ما قد ينذر ببدء العد التنازلي لنهاية عصري الفحم والنفط.
قال تعالى: “صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ” (النمل:88)، وهذا استدعاء لأهل العلم؛ بتوجيه أنظارهم إلى ما في الكون من إبداع البديع سبحانه، فعمارة الأرض ليست فقط ببناء المساكن وتدشين المشروعات، وحفر الأنهار، وغرس الأشجار، بل أيضًا باكتشاف الفضاء الخارجي، والكواكب البعيدة؛ لخدمة مختلف العلوم، وتحسين القدرات البشرية.
أرى أن مقولة: “الأرض أصبحت قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصالات والإنترنت” أصبحت قديمة، فقريبًا سنقول: “الكون صار قرية صغيرة، بعد أن كشفت وكالة الفضاء ناسا عن الصور الأكثر وضوحًا ودقة لسطح كوكب بلوتو، التي التقطتها مركبة فضاء “نيو هورايزون”.
وبعد نجاح المسبار الفضائي “كيوريوزيتي” في استكشاف ودراسة كثبان نشطة على كوكب المريخ، يدرس العلماء حاليًا إرسال بعثات متعددة إلى هذا الكوكب مستقبلًا.
وكشفت البيانات التي أرسلتها المركبة الفضائية “داون”، النقاب عن بعض الأسرار الدفينة للكوكب القزم سيريس، كما نجح المسبار “ماسنجر” في الدوران حول عطارد أكثر الكواكب قربًا من الشمس؛ حيث ينجم عن اصطدامه بسطح عطارد حفرة كبيرة، سوف تستخدم كنقطة ارتكاز مرجعية لمركبة فضائية تسمى “بيبيكولومبو”، ستصل الى هذا الكوكب عام 2024.
وقال علماء مؤخرًا، أنهم تلقوا إشارات غامضة رصدها التلسكوب اللاسلكي “باركس” في أستراليا، أكدوا أنها آتية من مصدر مجهول واقع خارج المنظومة الشمسية، وقد تكون مُرسَلة من سكان كوكب آخر!
لقد أثمر اكتشاف الفضاء، الهواتف الذكية، والإنترنت، وأجهزة الملاحة في السيارات والطائرات والسفن، وصولًا إلى شاشات الليد، والنظّارات التي يتغير لونها حين تتعرض للشمس، وأجهزة كشف الدخان وأجهزة الميكروويف، وغيرها من الأجهزة الحديثة، التي اُخترعت نتيجة البحث في كيفية الصعود إلى الفضاء باستخدام أجهزة قوية عالية الدقة وخفيفة الوزن في نفس الوقت.
كذلك، تحسن كثيرٌ من الأجهزة الطبية وأجهزة التصوير، بعد عصر الفضاء؛ كون الفضاء يمثل بيئة جيدة للإبداع، وفرصة لاستثمار العقل البشري بمزيد من التحدي والابتكار.
وإذا كانت الأرض تمر بظروف حالكة وأوقات صعبة، فلا خيار أمامنا إلا تحقيق رسالة الإنسان بالعمل والإعمار فيها؛ إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا يقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا”؛ إنه درس نبوي في إعمار الأرض والكون؛ حتى في أحلك الأوقات.
وقال صلى الله عليه وسلم: ” ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ”
ولرواد ورائدات الأعمال، لا أقول اعملوا فقط، بل عمِّروا أرضكم، وأتقنوا عملكم، وجَوِّدوه، وحَسِّنوه، واحتسبوه لوجه الله تعالى.
اقرأ أيضًا:
- الجامع والجامعة.. وريادة الأعمال
- ثلاث مدارس للنجاح المالي
- الحاجة أُم الاختراع
- سُخْريَّا
- رؤية الرياض 2030