قديمًا كان بإمكاننا التفرقة بين المسؤولية الاجتماعية والتسويق من جهة الغايات، لكن ذلك بات الآن متعذرًا. ولكي نكون أكثر دقة نقول إنه من العسير أن ينجح أحد طرفي المعادلة هذين من دون الآخر.
فلا نجاح في التسويق من دون الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، لاسيما أن الأزمات التي يعاني منها الكوكب على الصعيدين البيئي والاجتماعي جعلت جيل الألفية أكثر وعيًا بمثل هذه القضايا، وأكثر تشجيعًا للمؤسسات التي تلعب دورًا اجتماعيًا وتعمل على حماية البيئة.
أما المسؤولية الاجتماعية فلكي تنجح في مساعيها فلا بد من الترويج والدعاية لها، ولنلاحظ أن كثيرًا من الجهود الاجتماعية التي تقوم بها الشركات تتطلب أو تنادي بالأحرى بتغيير في سلوك المستهلكين، وهو الأمر الذي لن يكون إلا بمعونة التسويق.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية.. تحقيق حول نظرية الواجب
المسؤولية الاجتماعية والتسويق
ينص مفهوم المسؤولية الاجتماعية على أن الشركات يجب أن تضم مواطنين صالحين، وأن توازن بين عمليات كسب الأموال والأنشطة التي تعود بالنفع على المجتمع، سواءً كان ذلك على المستوى المحلي أو الوطني أو العالمي.
وتتضمن المسؤولية الاجتماعية كذلك _من الناحية التسويقية _ تركيز الجهود على جذب المستهلكين الذين يرغبون في إحداث فرق إيجابي بمشترياتهم.
وتبنت العديد من الشركات عناصر مسؤولة اجتماعيًا في استراتيجياتها التسويقية كوسيلة لمساعدة المجتمع عبر الخدمات والمنتجات المفيدة.
أما التسويق فمجال القول فيه مهيع متسع، ليس من جهة التعريف فحسب، وإنما من جهة علاقته بالمسؤولية الاجتماعية، لكنا دعنا نسوق، في هذا الصدد، تعريف الخبير التسويقي الشهير فيليب كوتلر؛ الذي يعرّف التسويق بأنه «تدشين علاقة مربحة طويلة الأمد مع العملاء».
إذًا الرجل يضع في اعتباره أمرين: الربح _وهذا أمر ضروري حتى للمسؤولية الاجتماعية ذاتها_ والعلاقة طويلة الأمد مع العملاء، غير أنه استنادًا إلى الدراسات التي تعج بها الأدبيات التسويقية والاجتماعية عن جيل الألفية يمكن التجاسر على القول إنه ما من سبيل لتأسيس علاقة طويلة الأمد مع هذه الأجيال المعاصرة _التي هي أكثر وعيًا على المستويين البيئي والاجتماعي_ من دون المسؤولية الاجتماعية.
ومن هنا يمكن القول إن الحديث عن المسؤولية الاجتماعية يجب أن يكون مرتهنًا بالتسويق والعكس، فما المسؤولية الاجتماعية والتسويق سوى وجهين لعملة واحدة.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الطوعية للشركات.. أي دور للخيارات العقلانية؟
التسويق بالمسؤولية الاجتماعية
قلنا إن المعطيات والإحصاءات عن المستهكلين، وبالأخص جيل الألفية، تجعل من المحتم الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية؛ فمجرد التزام الشركة بمسؤوليتها تجاه البيئة والمجتمع يعينها في التسويق لنفسها.
ووجدت دراسة أجرتها Forrester Research، وهي شركة أبحاث تسويقية رائدة، أن حوالي 52% من المستهلكين الأمريكيين يضعون القيم التي تنتهجها الشركة في اعتبارهم عند اتخاذ خيارات الشراء الخاصة بهم؛ وذلك في محاولة منهم للبحث عن علامات تجارية تروج بشكل استباقي للأفكار التي يؤمنون بها وتتماشى مع قيمهم الخاصة.
وأشار تقرير صادر عن شركة Nielsen، شمل 30 ألف مستهلك في 60 دولة، إلى أن 66% من المستهلكين كانوا على استعداد لدفع المزيد مقابل سلع من علامات تجارية أظهرت التزامًا اجتماعيًا.
وفي السياق ذاته أشارت دراسة أجرتها شركة Cone Communications إلى أن 87% من الأمريكيين سيشترون منتجًا لأن شركته دافعت عن قضية يهتمون بها.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية في البنوك.. بناء ثقة المستهلكين
المسؤولية الاجتماعية كقضية
من المؤكد أن الأدبيات التسويقية تعرف ما يسمى «التسويق بالقضية Cause Marketing»؛ حيث تسعى الشركات التي تتبع هذا النهج إلى تحقيق ثلاثة أهداف مترابطة ومتصلة ببعضها: (معالجة القضايا المرتبطة بالمجتمع، إشباع حاجات الزبائن ورغباتهم، وزيادة المنظمة لأرباحها).
لكن ألا يجدر بنا الإشارة ونحن بصدد الحديث عن العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والتسويق إلى أن المسؤولية الاجتماعية نفسها قضية.
صحيح أن هناك العديد من الأطروحات والقضايا التي تندرج تحت هذه المظلة الكبرى التي تسمى «مسوؤلية اجتماعية»، لكن هذه المسؤولية الاجتماعية ذاتها قضية بحاجة إلى تسويق، ومن هنا كانت حاجة المسوؤلية الاجتماعية للتسويق.
والتسويق لن يعرف النجاح ما لم يتبن قضية تشغل المجتمع وتؤرق أفراده، ومن هنا كانت العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والتسويق أشبه بعلاقة دائرية، يودي كل واحد من طرفيها إلى الآخر، دون أن نعرف أيهما كان البداية.
اقرأ أيضًا:
كيف تجعل مشروعك صديقًا للبيئة؟
تطبيق المسؤولية الاجتماعية وتحدياته