يمكن النظر إلى المأمول من المسؤولية الاجتماعية من زاويتين، الأولى خاصة ضيقة؛ والثانية عامة عولمية؛ حيث تطمح المسؤولية الاجتماعية على هذا الصعيد (وفق الزاوية الضيقة) إلى تحقيق أهداف اقتصادية وتجارية للشركة أو لأصحاب المصلحة، ولكن بالطبع دون إلحاق الضرر بالمجتمع.
ويلتحق أيضًا بهذه الزاوية الخاصة التي ننظر بها إلى المأمول من المسؤولية الاجتماعية قيام الشركة ببعض الأنشطة الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع المحلي الذي تعمل فيه.
ويمكن القول إنه حتى لو اعتمدت الشركة هذه الزاوية الخاصة فإن مسؤوليتها الاجتماعية ستزداد وتتعاظم كلما زاد عدد فروع الشركة؛ إذ إن كل فرع جديد في أي مجتمع جديد يجب أن يكون مسؤولًا من الناحية الاجتماعية عن هذا المجتمع وتنميته وتطويره.
لكن، والحق يقال، لا يبدو هذا المنظور الضيق إلى المأمول من المسؤولية الاجتماعية حصيفًا ولا ملمًا بالهدف والغاية من المسؤولية الاجتماعية؛ إذ إنها (المسؤولية الاجتماعية) ما نشأت في الأساس إلا كرد فعل على أزمات عالمية يعاني منها الكوكب برمته ويرزح تحت نيرها؛ ومن ثم فإن الانخراط في محيط ضيق والعمل على تنميته وتطويره لا ينم إلا عن قصر فهم وضيق أفق.
اقرأ أيضًا: ريادة الأعمال الإنسانية.. استراتيجية خروج من محنة الكوكب
استراتيجية المناطق المضيئة
وقد يقول قائل: لا ضير إن نظرنا إلى المأمول من المسؤولية الاجتماعية من هذه الزاوية الضيقة، ألا ترى أن استراتيجية المناطق المضيئة قد أتت أُكلها في الهند؛ حيث عمدت الإدارة العليا هناك إلى تطوير وتنمية قرية واحدة بعيدة على أكمل وجه، ثم ترك هذه النقطة المضيئة لتضيء وتطور بقية المناطق والقرى المحيطة.
والحق أن الهند حين عمدت إلى اتباع هذه الاستراتيجية كان هدفها الانطلاق من الخاص إلى العام؛ إذ لم يكن الهدف الانزواء إلى الداخل ولا صنع جيتوهات لا علاقة لها بالعالم ولا ما يحدث فيه.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية والتسويق.. وجهان لعملة واحدة
المأمول من المسؤولية الاجتماعية (زاوية عولمية)
لقد أسهبنا لتونا في بسط المأمول من المسؤولية الاجتماعية على صعيد الأهداف الخاصة ضيقة الأفق، وعلى الرغم من كل ما قلناه إلا أنه يمكن القبول بهذا التوجه إن كان الهدف النهائي هو الانطلاق إلى الخارج، والانخراط في الشأن العالمي، وسنزيد هذه المسألة إيضاحًا بعد قليل.
لكن من زاوية عولمية يمكن القول إن المأمول من المسؤولية الاجتماعية قد يتمثل في صوغ عالم أفضل، ومحاولة حل المشكلات المركبة التي يرزح الكوكب تحت نيرها.
هذا التوجه يدرك حقًا ما هو المأمول من المسؤولية الاجتماعية وما هو هدفها النهائي؛ إذ هي، بعد كل شيء، نظرية طموحة، لا تبغي الانحصار ضمن حدود جغرافية محددة، وإنما تعتبر الأرض كلها بيتًا لها، وهي المسؤولة عن تطوير هذا البيت وإصلاح ما به من عيوب.
وعلى ذلك يمكن القول إن المسؤولية الاجتماعية هي بمثابة رد عولمي على أخطاء عولمية؛ فطالما أن الكارثي/ والأزمات تطال الجميع فليس منطقيًا أن ننحصر داخل حدودنا، وأن نقول لا دخل لنا بالآخرين طالما أن الأزمة لم تصل إلينا، فالأزمة التي لم تصل إليك اليوم ستصلك في الغد أو بعد غد على الأكثر، وستجد نفسك مرغمًا على الانخراط فيما هو كلي وعالمي.
اقرأ أيضًا: السياحة المستدامة والمسؤولية الاجتماعية
عولمة الكوارث
يمكن القول، اتصالًا بما فات ومن دون كبير مجازفة، إن أهم ما يميز عصرنا السائل (حسب توصيفات زيجمونت باومان)، أو عصر الحداثة الفائقة هذا، أن الكارثة أمست عامة وشائعة، وأنه لا أحد من سكان أقصى شمال الأرض في مأمن ولا هو بعيد عما يحدث في أقصى جنوبها.
صحيح أن العولمة قد أتت بانفتاحات جمة ولا يمكن إلا لجاحد أن ينكرها، ولكن بما أن الأرض أمست مسطحة_حسب وصف توماس فريدمان؛ حين كان منتشيًا بالانفتاحات العولمية ومبشرًا بالمزيد منها_ فإن الكوارث أمست عامة هي الأخرى، وتطال الجميع، أزمة كورونا على سبيل المثال.
لكن بعيدًا عن كل هذه التحليلات فإن ما يعنينا هنا أنه طالما الحال كذلك، وطالما أن الأزمات أمست شائعة وما من أحد في مأمن منها، فلا بد أن يكون المأمول من المسؤولية الاجتماعية عولميًا، عالميًا، كونيًا هو الآخر.
فما جدوى أن تنحصر داخل حدودك وتنكفئ على ذاتك، في حين أنك لن تتمكن، بالغًا ما بلغت، من حماية نفسك؟! الحل المنطقي هنا أن تعمل على معالجة المشكلات الكونية والعالمية التي يعاني منها الكوكب كله؛ فهذه هي المصدر الذي ينبع منه كل ما يؤرقك ويؤرق مجتمعك الصغير، ويجب أن يكون هذا هو المأمول من المسؤولية الاجتماعية.
اقرأ أيضًا:
المسؤولية الاجتماعية.. تحقيق حول نظرية الواجب
المسؤولية الطوعية للشركات.. أي دور للخيارات العقلانية؟
المسؤولية الاجتماعية في البنوك.. بناء ثقة المستهلكين