العمل الخيري معضلة هذه الأيام، خاصة في ظل تنامي النزعة الفردانية، وتخلي كل شخص عن أدواره المنوطة به تجاه غيره من بني جنسه، كما أن المنظمات غير الهادفة للربح _وهنا تكون المشكلة انتقلت من الفردي إلى العام_ تعاني على شتى الأصعدة؛ من نقص الموارد إلى عدم ضمان استدامة الأعمال، ناهيك عن حجم المشكلات التي عليها مواجهتها واجتراح حلول لها.
لكن الصورة ليست قاتمة السواد كما قد يتطرق إلى الأذهان، فثمة طوق نجاة لاح في الأفق منذ عدة عقود وهو التقنية؛ فمن خلال الاستفادة القصوى من التكنولوجيا يمكن للمنظمات غير الربحية أن تعمل بشكل أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة.
ويمكن أن تساعد التكنولوجيا كذلك في تحسين الشفافية، وهو أمر مهم للمنظمات غير الربحية والعمل الخيري بشكل عام؛ لأن هذه المنظمات موجودة لغرض مساعدة المجتمعات، ومن ثم يجب أن يتم الأمر بنزاهة وشفافية.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن تحويل العطاء والعمل الخيري إلى روتين؟
مشكلة الاستدامة وشح الموارد
ومن المعروف أن العمل الخيري ومنظماته وهيئاته يعاني من مشكلة جد خطيرة وهي شح الموارد ومن ثم عدم القدرة على استدامة الأعمال والأنشطة الخيرية والخدمية، ومن نافل القول إن أحد المساعي الكبرى التي يسعى إليها العمل الخيري هو أن يكون مستدامًا.
بيد أن استخدام التقنية في العمل الخيري يمكن أن يسهم في حل معضل الاستدامة تلك؛ حيث تعمل التكنولوجيا على تعزيز الكفاءة، ويمكن أن يكون لذلك تأثير مباشر في مقدار العمل الذي تستطيع المنظمة غير الربحية تحقيقه بالنظر إلى الموارد المحدودة التي تمتلكها عادةً.
وباستخدام التكنولوجيا للعمل بشكل أكثر ذكاءً؛ يمكن لفرق العمل الخيري التخطيط بحكمة للاحتياجات الحالية والمستقبلية؛ ما يساعدهم في تحديد أولويات وقتهم وميزانيتهم وقوى عملهم وبرامجهم.
وإذا كانت مشكلة عدم القدرة على ضمان استدامة الأعمال هي التجلي الأبرز لمشكلة شح الموارد، فإن التقنية يمكن أن تقدم الحل أيضًا؛ حيث يمكن أن تساعد في الوصول إلى متبرعين جدد، والحفاظ على التواصل مع المتبرعين الحاليين، وتسهيل مساهمة الناس في قضيتك.
اقرأ أيضًا: رواد الأعمال والعمل الخيري.. فن تغيير العالم
استخدام التقنية في العمل الخيري
لكن السؤال الذي يخلق بنا طرحه هنا هو: ما هي طرق استخدام التقنية في العمل الخيري؟ أو كيف يمكن أن يتم ذلك أصلًا؟ ذلك ما يجهد «رواد الأعمال» في تقديم إجابة عنه وذلك على النحو التالي..
-
بناء التطبيقات
أول استخدام من استخدامات التقنية في العمل الخيري هو بناء التطبيقات، لاسيما ونحن في عصر متجه للرقمنة بشكل كلي، وهو الأمر الذي سيغير من شكل وطريقة أداء كل مؤسسات العمل الخيري.
ففي صيف عام 2017 أصدرت MoneyMailMe نتائج دراسة اقترحت أن 72% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا سيتبرعون للجمعيات الخيرية عبر تطبيق جوال إذا كان لديهم خيار القيام بذلك.
ووفقًا لمسح تم إجراؤه كجزء من تقرير العطاء العالمي لعام 2017، يعتقد 94 % من الأشخاص الذين يقدمون تبرعات خيرية أن المؤسسات الخيرية بحاجة إلى الاستثمار في التطبيقات لتظل قادرة على القيام بمهامها.
وأفادت شركة Virgin Money Giving بأن استخدام تطبيق لجمع التبرعات من قِبل بعض المؤسسات الخيرية أدى إلى زيادة متوسط التبرعات بنسبة تصل إلى 19%.
اقرأ أيضًا: استراتيجية العمل الخيري والإسهام في الرفاه الاجتماعي
-
التوعية والتثقيف الاجتماعي
العمل الخيري هو، قبل كل شيء، نزوع أخلاقي وشعور بالمسؤولية نحو الغير، لكن هذا التحول من الأنا للآخر، فضلًا عن الاهتمام ببعض القضايا، لن يتم إلا عبر توعية وتثقيف مستمرين، وإتمامهما بشكل حديث وفعال.
هنا يأتي دور التكنولوجيا، تلك التي يمكن استخدامها من أجل التوعية والثقيف، وهناك العديد من المؤسسات الخيرية التي تستخدم التطبيقات الإلكترونية لتثقيف المستخدمين حول القضية التي يعملون عليها؛ فعلى سبيل المثال: يستخدم NSPCC تطبيق Net Aware لتعليم الآباء حول أمان مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتالي فإن التقنية حاضرة حتى في الكيفية التي نغير بها وعي الناس ونحفزهم على التوجه صوب فكرة أو قضية بعينها.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية.. تحقيق حول نظرية الواجب
-
جمع التبرعات
إن الطريقة التقليدية لجمع التبرعات واحدة من أعقد المشكلات التي تواجه مؤسسات العمل الخيري والمؤسسات غير الهادفة للربح؛ فقد يصادف وجود شخص يجمع تبرعات في الشارع أشخاصًا كثيرين يرغبون في التبرع لكنهم لا يحملون الأموال؛ خاصة أن كل شيء الآن صار يتم بطريقة إلكترونية، فلماذا يحمل الناس أموالًا طالما يمكنهم استخدام بطاقاتهم الخاصة بالدفوعات؟!
وأشارت دراسة إلى أن ربع البريطانيين يتبرعون أقل لجامعي الشوارع؛ لأنهم لا يحملون نفس القدر من النقود؛ الأمر الذي كلف الجمعيات الخيرية أكثر من 160 مليون جنيه استرليني خلال عام واحد.
إذًا استخدام التقنية في جمع التبرعات سوف يسهل هذه العملية من جهة، ويجعل العائد الذي تحصل عليه مؤسسات العمل الخيري من الأرباح كبيرًا جدًا من جهة أخرى.
اقرأ أيضًا:
المسؤولية الطوعية للشركات.. أي دور للخيارات العقلانية؟
المسؤولية الاجتماعية في البنوك.. بناء ثقة المستهلكين
كيف تجعل مشروعك صديقًا للبيئة؟