تُشكّل نظرية الحصان الميت، تلك الاستعارة القوية المستوحاة من حكمة الهنود الداكوتيين، تحديًا جوهريًا يواجه العديد من المؤسسات والشركات في عالم الأعمال المتسارع. ففي إطار التنافس الشديد والتغيرات المتسارعة تجد هذه المؤسسات نفسها أحيانًا عالقًة في مشاريع أو إستراتيجيات عفا عليها الزمن، لم تعد تحقق الأهداف المنشودة بل أصبحت عبئًا يثقل كاهلها.
أضف إلى ذلك أن التمسك بهذه النظرية يكلف المؤسسات الكثير من الموارد والجهد والوقت، في حين أن تلك الموارد يمكن توظيفها في مشاريع وابتكارات جديدة وواعدة. وعلى الرغم من أن البعض قد يميل إلى تجاهل هذه الحقيقة المؤلمة إلا أن الخبراء يؤكدون أن الاعتراف بفشل مشروع ما والتحرك نحو بدائل جديدة هو في الواقع دليل على الشجاعة والمرونة.
نظرية الحصان الميت
من ناحية أخرى تكمن خطورة نظرية الحصان الميت في أن المؤسسات قد تلجأ إلى مجموعة من الإستراتيجيات الخاطئة لمحاولة إنعاش المشروع الفاشل. مثل: ضخ المزيد من الأموال فيه، أو إجراء تعديلات طفيفة عليه؛ أو محاولة إعادة تدويره بطرق مختلفة. كذلك قد تتجاهل المؤسسات الإشارات التحذيرية إلى فشل المشروع. وتصر على الاستمرار فيه حتى النهاية.
وبينما يعد التخلص من نظرية الحصان الميت قرارًا صعبًا إلا أنه ضروري لضمان استمرارية المؤسسة ونموها. كما أن هذا القرار يتطلب شجاعة وقدرة على تحمل المخاطر، بالإضافة إلى رؤية واضحة للمستقبل.
ما نظرية الحصان الميت؟
تُعرف نظرية الحصان الميت، التي انتقلت عبر الأجيال في العديد من الثقافات، بأنها استعارة قوية تعكس أهمية اتخاذ القرارات الصعبة والتخلي عن المشاريع الفاشلة في الوقت المناسب. وتنص هذه النظرية، كما وردت في العديد من الحكايات الشعبية، على “عندما تكتشف أنك تركب حصانًا ميتًا فإن أفضل استراتيجية هي النزول”.
علاوة على هذا الأمر فإن هذه الحكمة البسيطة تحمل في طياتها دلالات عميقة تمتد لتشمل العديد من جوانب الحياة، لا سيما في عالم الأعمال والإدارة. ففي سياق البيروقراطية المؤسسية غالبًا ما نجد مشاريع عاجزة عن تحقيق أهدافها، ومع ذلك تستمر في استنزاف الموارد البشرية والمالية. ويرجع ذلك، في كثير من الأحيان، إلى إصرار أصحاب هذه المشاريع على التمسك بها رغم وضوح فشلها، بدافع الحفاظ على ماء الوجه أو خوفًا من تحمل المسؤولية.
وتحذر نظرية الحصان الميت من مغبة التشبث بالأوضاع الراهنة مهما كانت الظروف، وتدعو إلى ضرورة التكيف مع المتغيرات والتطورات المستمرة. فالعالم سريع التغير، والمشاريع الناجحة هي تلك القادرة على التكيف مع متطلبات السوق والعملاء.
لماذا نصرّ على ركوب “الحصان الميت”؟
رغم وضوح فكرة التخلص من المشاريع الفاشلة إلا أن مؤسسات عديدة تفضل اتباع استراتيجيات أخرى، وغالبًا ما تكون غير مجدية، مثل:
1. زيادة الموارد:
واحدة من أكثر الإستراتيجيات شيوعًا للتعامل مع المشاريع الفاشلة هي زيادة الموارد المخصصة لها. فكثيرًا ما نجد مؤسسات تضخ المزيد من الأموال أو الجهد في مشروع عاجز عن تحقيق أهدافه، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين أدائه.
هذه الإستراتيجية تشبه إلى حد كبير محاولة إنعاش حصان ميت بالسوط؛ حيث إن زيادة الموارد لن تغير من حقيقة أن المشروع يعاني من مشاكل جوهرية.
2. تغيير القائمين على المشروع:
استبدال الفريق الحالي بفريق جديد هو استراتيجية أخرى شائعة؛ حيث يُعتقد أن تغيير الأشخاص سيؤدي إلى تغيير النتائج. ولكن هل يكمن الحل في تغيير الأفراد أم الإستراتيجية؟
في كثير من الحالات يكون المشروع نفسه هو المشكلة وليس الأشخاص الذين يعملون فيه. فإذا كانت الأساسات ضعيفة فإن تغيير الفريق لن يؤدي إلى تحسين الأداء بشكلٍ كبير.
3. تشكيل لجان لدراسة المشكلة:
تشكيل لجان لدراسة المشروع وتقديم توصيات لحل المشكلة هو أمر شائع في العديد من المؤسسات. ولكن هل هذه اللجان قادرة حقًا على حل المشكلة؟ في غالبية الحالات تكون هذه اللجان مجرد مضيعة للوقت والموارد. حيث يتم إجراء دراسات وتحليلات مطولة دون الوصول إلى حلول عملية.
4. خفض المعايير:
تعد خفض المعايير والمقاييس لكي يتوافق المشروع معها إستراتيجية أخرى شائعة، ولكنها تؤدي إلى نتائج عكسية. فمن خلال خفض المعايير نتنازل عن الجودة والكفاءة، وهو ما يجعل المشروع أقل جاذبية للعملاء والمستثمرين.
5. توفير التدريب الإضافي:
توفير التدريب الإضافي للموظفين العاملين في المشروع هو إستراتيجية أخرى شائعة، ولكنها قد لا تكون فاعلة إذا كانت المشكلة تكمن في الإستراتيجية نفسها. فالتدريب يمكن أن يساعد على تحسين أداء الموظفين، ولكن إذا كانت الإستراتيجية خاطئة فإن التدريب لن يؤدي إلى تحسين النتائج بشكلٍ كبير.
كيف نتجنب الوقوع في فخ “الحصان الميت”؟
لتجنب الوقوع في فخ التمسك بمشاريع فاشلة يتعين على رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات اتباع الإجراءات التالية:
1. تقييم المشاريع بانتظام:
لا شك أن التقييم المنتظم للمشاريع هو بمثابة الفحص الدوري للصحة؛ فهو يكشف عن نقاط القوة والضعف، ويحدد مدى تقدم المشروع نحو تحقيق أهدافه. ولكن من الضروري أن يكون هذا التقييم شاملًا، ويغطي جميع جوانب المشروع، من الموارد المالية والبشرية إلى الأداء والنتائج.
ومن خلال التقييم المنتظم تستطيع المؤسسات اكتشاف المشاكل في وقت مبكر واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة قبل تفاقم الوضع.
2. التحلي بالمرونة:
العالم يتغير بسرعة والمشاريع الناجحة هي تلك القادرة على التكيف مع هذه التغيرات. لذلك ينبغي على المؤسسات أن تكون مرنة وقادرة على تغيير إستراتيجياتها وأساليب عملها عندما تتطلب الظروف ذلك.
وتذكر أن التمسك بخطط جامدة قد يؤدي إلى الفشل، خاصة في بيئة عمل ديناميكية ومتغيرة.
3. تشجيع ثقافة الابتكار:
بالطبع الابتكار هو المحرك الرئيسي للنمو والتطور. لذا يتعين على المؤسسات أن تشجع موظفيها على تقديم أفكار جديدة وتحسين العمليات القائمة.
ويمكن تحقيق ذلك بسهولة من خلال توفير بيئة عمل محفزة على الإبداع. وتقدير الأفكار الجديدة، وتوفير الموارد اللازمة لتحويل هذه الأفكار إلى واقع.
4. توفير بيئة عمل داعمة:
عادةً ما تؤدي بيئة العمل دورًا حاسمًا في تحفيز الموظفين وتحقيق النجاح. لذلك من الضروري أن تكون بيئة العمل داعمة وتشجع باستمرار على المخاطرة والتعلم من الأخطاء.
علاوة على ذلك يجب أن يشعر الموظفون بالأمان الكافي للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم. ويعرفوا أن جهودهم موضع تقدير.
5. بناء فريق قوي:
يُعد فريق العمل القوي أحد أهم أصول أي مؤسسة. لذا يتعين على المؤسسات أن تستثمر في بناء فريق عمل متكامل ومتعاون، يتمتع بالمهارات والكفاءات اللازمة لتحقيق أهداف المؤسسة.
إضافة إلى ذلك ينبغي أن يكون هناك تواصل فعال بين أعضاء الفريق. ويشعروا بأنهم جزء من فريق واحد يعمل نحو هدف مشترك.
في ختام هذا الطرح نجد أن نظرية الحصان الميت تتجاوز كونها مجرد استعارة لتتحول إلى حقيقة واقعة تعكس تحديات حقيقية تواجه العديد من المؤسسات والشركات. فالتشبث بمشاريع فاشلة ليس مجرد خطأ إداري، بل هو سلوك يؤدي إلى هدر الموارد وتأخير التقدم وتقويض الثقة في المؤسسة.
وتذكر أن التخلص من نظرية الحصان الميت يتطلب شجاعة وقدرة على اتخاذ قرارات صعبة. ولكن هذه الشجاعة هي التي تميز المؤسسات الناجحة عن غيرها. فالمؤسسات التي تستطيع أن تتخلص من الأعباء التي تثقل كاهلها والتركيز على الفرص الجديدة هي التي تحقق النجاح والاستدامة في عالم الأعمال المتغير باستمرار.