ربما أمكننا القول، من دون مجازفة، إن السؤال الأساسي الذي يدور حوله عمل جيمس كولينز كمؤلف وليس كتاب «Good to Great» هو لماذا؟ أي لماذا نجح الناجحون؟ ولماذا فشل الفاشلون أيضًا؟ ولعله ليس من المصادفة أن تكون بعض الشركات التي درس جيمس كولينز حالتها، أثناء تأليف هذا الكتاب في عام 2001، انحدرت من مستوى عظيم إلى مستوى جيد.
وفي هذا دلالة على أن النجاح أو الفشل ليس أمرًا أبديًا، وإنما هناك دائمًا إحلال وإبدال بشكل دائم ومطرد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عدم التطبيق الصحيح للقواعد والإرشادات التي قدمها مؤلف كتاب «Good to Great» قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة.
وهو وإن كان يسأل لماذا؟ فلا يغفل أيضًا السؤال: كيف؟ حول هذين السؤالين الكبيرين يدور الكتاب الذي نحاول تقديمه وقراءتنا له حاليًا، وكل عمل المؤلف الشهير جيمس كولين.
اقرأ أيضًا: قراءة في «Money master the game».. الطريق إلى الحرية المالية
مراحل ثلاث:
يبني المؤلف مسارًا من ثلاث مراحل لكي تتحول الشركة من جيد إلى عظيم، وذلك على النحو التالي:
-
قادة المستوى الخامس
ثمة مجموعة من السمات المشتركة بين المدراء والقادة الذين تمكنوا بالفعل من تحويل شركاتهم من مجرد شركات ناجحة إلى عظيمة، ومن بين هذه السمات أنهم متواضعون، منفتحون على كل الآراء والتصورات بما فيها تلك التي تخالف تصوراتهم ووجهات نظرهم.
وهم يركزون كذلك على تنشئة قادة جدد، وكل تركيزهم موجه إلى الشركة وليس إلى أنفسهم. وعلى الرغم من تواضع هذا النوع من القادة إلا أن عزيمتهم لا تتزعزع، ولا تلين قناتهم أبدًا، فهم موجهون نحو النجاح والعظمة، ولا يبغون عن هذا تبديلًا.
والشيء اللافت هنا أن كولينز يركز على فكرة الأشخاص المناسبين، لدرجة أنه يرى أن توافر المهارات المناسبة ليس في المقام الأول، وإنما الأشخاص المناسبون المستعدون للنجاح، والمصرون على بذل قصارى جهدهم من أجله هم أولئك الذين يمكن من خلالهم تحويل الشركات من النجاح إلى العظمة، أما عن المهارات فمن الممكن تعليمها لأي أحد.
اقرأ أيضًا: قراءة في «مبادئ ريادة الأعمال».. من النظرية إلى التطبيق
-
مواجهة الحقائق القاسية
في المواقف الصعبة، أول ما عليك فعله هو أن تتقبلها، أن تقر بوجودها؛ فمن شأن هذا القبول بالوقائع والحقائق الصعبة والقاسية أن يعينك في العثور على الحل المناسب، أما مجرد الهروب، ودفن الرأس في الرمل، فلن يؤدي إلا إلى الفشل، والانسحاق أمام مثل هذه التحديات التي لا بد واقعة من آن لآخر.
وخداع نفسك أو موظفيك أو شركائك بالآمال الكاذبة والوعود الفارغة لن يقودك أيضًا إلى شيء، وهنا تأتي أهمية اختيار الأشخاص المناسبين التي ما فتأ كولينز يشدد عليها، فهؤلاء القوم متحفزون ذاتيًا، ولست بحاجة إلى بذل كبير وقت معهم؛ فهم مهيأون لكي يصلوا إلى مرحلة النجاح/ العظمة، وهم، كذلك، مقتنعون أنه كلما عز المطلوب قل المساعد، وأن التحديات ضرورية للنجاح.
اقرأ أيضًا: 5 خطوات لمحاربة مخاوفك.. قراءة في كتاب The Bravest You
-
ثقافة الانضباط
يؤكد مؤلف كتاب «Good to Great» أن الشركات التي وصلت إلى مرحلة العظمة عبورًا بمرحلة النجاح هي تلك التي يتمتع موظفوها بثقافة الانضباط؛ فهي شركات تمكنت من ضبط طرفي معادلة الحرية/ المسؤولية؛ فالأشخاص الذين يعملون لصالحها يدركون هامش الحرية الذي يعملون فيه، لكن دون أن يحيفوا بحريتهم على أهداف الشركة.
ويمكن القول إن ثقافة الانضباط التي تتبعها هذه الشركات تأتي في المقابل وعلى النقيض من ثقافة الخوف؛ فلا أحد في هذه الشركات العظيمة يخاف من المدراء أو من العقوبة؛ إذ إن أحدًا لن يقصر في عمله؛ حيث تم اختيارهم بعناية ودقة فائقتين، ومن ثم فإن جهودهم كلها موجهة صوب تحقيق أهداف الشركة، وعدم تحقيقها والوفاء بها هو ما يخيف الجميع حقًا وليس غيره.
اقرأ أيضًا: الأفكار كرأس مال.. قراءة في كتاب «تحويل الفكرة إلى فرصة»
مفهوم القنفذ
لم يُهزم قنفذ في مواجهة ثعلب؛ ذلك لأن الثعلب، بكل بساطة، مشتت، يركز على أكثر من هدف، أما القنفذ، فهو على العكس من ذلك، يركز على شيء واحد، لكنه الشيء الأكثر أهمية وضرورة، ثم يتجاهل الباقي، ومن خلال هذا التركيز على شيء واحد يحقق كل شيء تباعًا وبشكل متدرج.
تتعلق الاستراتيجية الأساسية في التبسيط، والهرب من كل تعقيد، والتركيز على شيء واحد ثم العمل على تحقيقه، هكذا يمكن للشركات أن تركز جهودها على أهداف محددة، وألا تبعثر عزمها واهتمامها، وفي النهاية، أن تتحول من ناجح/ جيد إلى عظيم.
إن الهدف الذي تضعه هذه الشركات العظيمة لنفسها، كما يقول كتاب «Good to Great» هو أن تكون الأفضل في مجالك، ذاك هدف بسيط ومعقد في الآن ذاته، لكن الوصول إليه ليس مستحيلًا طالما أن الشركة مسلحة بالأشخاص المناسبين وبالعزيمة التي لا تلين.
اقرأ أيضًا:
رواد الأعمال المبتكرون.. كيف يُغيّرون العالم؟
ريادة الأعمال والأمان الوظيفي.. العمل الحر كسيناريو بديل
ثورة ريادة الأعمال.. فن مخالفة المألوف