في إطار التطورات المتلاحقة التي يشهدها عالم الأعمال يومًا تلو الآخر تتجلى أهمية تبني “إستراتيجيات نجاح المشاريع” كضرورة قصوى لتحقيق التميز والبقاء في صدارة المنافسة.
فالمشاريع لم تعد مجرد نشاطات جانبية تمارسها الشركات بل أصبحت تمثل القلب النابض الذي يحدد مدى قدرة المؤسسة على حجز موقعها الريادي. وسط سوق يتسارع إيقاعها يومًا بعد يوم.
إستراتيجيات نجاح المشاريع
وانطلاقًا من هذه الحقيقة تتضح العلاقة الوثيقة بين إستراتيجيات نجاح المشاريع وبين تحقيق ميزة تنافسية مستدامة. إذ إن الشركات التي تتقن فن إدارة المشاريع عبر خطط مدروسة وأساليب تنفيذ فاعلة تتمكن من تحسين أرباحها وتعزيز مكانتها بين المنافسين. في حين تظل الشركات التي تفتقر لهذه الإستراتيجيات عالقة في دوامة المحاولات غير المجدية.
علاوة على ذلك تبرز التجارب العملية أن إستراتيجيات نجاح المشاريع لا تقتصر على حسن التخطيط فحسب، بل تشمل أيضًا قدرة الشركة على التكيف مع المتغيرات. وتوظيف الموارد بذكاء، وتطوير فرق عمل متماسكة تتمتع بروح المبادرة والابتكار. ومن منطلق ذلك تصبح الخطوات العشر التي ينصح بها الخبراء بمثابة دليل إرشادي يضيء الطريق نحو تحقيق النتائج المرجوة.
خطوات رئيسية نحو نجاح المشاريع
ثمة خطوات حاسمة تمثل الركائز الأساسية لنجاح أي مشروع يسعى إلى تحقيق أهدافه بكفاءة وفاعلية. هذه الخطوات، التي تتكامل فيما بينها لتشكل خارطة طريق واضحة. تبدأ بتقييم شامل لفكرة المشروع وصولًا إلى تحديد دقيق لحدوده ونطاقه.
1. المرحلة الاستكشافية:
في مستهل أي مسعى طموح تبرز أهمية إجراء فحص استكشافي معمق لتقييم جدوى المشروع وإمكانية تحقيقه للعوائد المرجوة. تتضمن هذه المرحلة الأولية: إعداد دراسة جدوى شاملة تتناول كل جوانب المشروع، بالإضافة إلى تحليل دقيق للعائد المتوقع على الاستثمار.
ويعرّف المشروع في هذه المرحلة من خلال تحديد مجموعة “القدرات” الضرورية لضمان نجاح الأعمال.
2. بناء المتطلبات وتحديد الأطراف المعنية:
بمجرد اجتياز المشروع للمرحلة الاستكشافية بنجاح يحين الدور على بناء المتطلبات عالية المستوى وتحليل الجدوى بشكلٍ مفصل. بالإضافة إلى إعداد حالة العمل التي تبرر المضي قدمًا في تنفيذه. وفي هذا السياق يصبح تحديد الأطراف المعنية بالمشروع أمرًا بالغ الأهمية، بدءًا بفريق العمل وصولًا إلى ممثلي جميع الجهات التي قد تتأثر بنتائج المشروع.
ويتم تحديد هؤلاء الأعضاء بناءً على أدوارهم ومسؤولياتهم داخل المشروع. مع استخدام مصفوفة الأدوار والمسؤوليات (R&R) لتشكيل مصفوفة RACI (مسؤول – وخاضع للمساءلة – ومستشار – ومطلع). مع التركيز في البداية على تحديد المسؤوليات بوضوح.
3. تبادل الأفكار حول القدرات:
في هذه المرحلة المحورية يتم تشجيع تبادل الأفكار بشكلٍ مفتوح لجمع كل الميزات والإمكانيات التي يجب تضمينها في المشروع. مع التركيز على “روابط” المشروع أو الخدمة بدلًا من الخوض في التفاصيل التقنية الدقيقة في المراحل المبكرة.
وتستخدم أدوات متنوعة، مثل: Mindjet MindManager، لالتقاط هذه القدرات بشكل هرمي ومنظم. ما يساهم في بناء قائمة شاملة بالقدرات المطلوبة لتحقيق أهداف المشروع.
4. صياغة بيان المهمة:
تعد صياغة بيان المهمة في ميثاق المشروع خطوة حاسمة لضمان فهم جميع أعضاء الفريق والأطراف المعنية للغرض الأساسي من المشروع. وكيفية ارتباطه بالأهداف التجارية العامة والعائد المتوقع على الاستثمار.
ويجب تحديد المهمة بوضوح من حيث التغييرات الملموسة التي ستطرأ على نتائج العمليات التجارية بعد إتمام المشروع. مع إمكانية قياس قيمة التكاليف بوحدات ذات مغزى لجميع الأطراف المعنية.
5. تحديد حدود بيان المهمة:
يهدف تحديد حدود بيان المهمة إلى توجيه فريق العمل نحو الخطوة التالية المتمثلة في وضع حدود واضحة ونطاق محدد للمشروع. ويتم تعريف المهمة بناءً على التغييرات القابلة للملاحظة في نتائج العمليات التجارية. مع ربط هذه الحدود أولًا بالقدرات التجارية المطلوبة، ثم تحديد المتطلبات التقنية رفيعة المستوى. وتجنب الخوض في التفاصيل التقنية قبل فهم واضح للقدرات التجارية ومعايير التوافق الخاصة بها.
6. آليات التحكم في التغيير:
لا يمكن لأي مخطط مشروع، مهما بلغت دقته، أن يكون بمنأى عن التغييرات الطارئة. لذا يستوجب تضمين ميثاق المشروع قسمًا مخصصًا لآليات التحكم في التغيير، يحدد بوضوح الإجراءات اللازمة لبدء ومراجعة التعديلات المقترحة.
فالتحكم في التغييرات يجب أن يرتكز على مبدأ أساسي وهو القيمة المضافة؛ فإذا كان التغيير المطلوب يعزز من قيمة المنتج أو الخدمة النهائية، يتم دمجه في المشروع. أما إذا لم يكن كذلك فيُوثق الطلب ضمن نظام التحكم في التغيير لإعادة النظر فيه لاحقًا.
7. القياس المرحلي:
لا شك أن إنشاء معالم واضحة وقابلة للقياس بناءً على إنجازات ملموسة يمثل أمرًا بالغ الأهمية لتتبع تقدم المشروع بكفاءة. لذلك ينبغي أن تحدد هذه المعالم مقاييس توضح تحقيق أهداف المشروع الجزئية. وتشكل الأساس لنقاط التحقق الحاسمة.
كما يجب أن يبين ميثاق المشروع بوضوح المعايير التي يستند إليها لتقييم ما إذا كان المشروع يسير في الاتجاه الصحيح وما إذا كانت المعالم لا تزال قابلة للتحقيق. والأفضل من ذلك إنشاء خطة تعتمد على التسليمات المحددة مسبقًا. مع تعريف واضح للقيمة التجارية لكل تسليمة.
8. تحديد حدود تحمّل المخاطر:
يعد تحديد المخاطر المحتملة ومستوى تحملها خطوة استباقية ضرورية لضمان سلامة المشروع. ويجب أن يوفر ميثاق المشروع إرشادات واضحة لمديري المشاريع بشأن الظروف التي تستدعي إنهاء المشروع بسبب ارتفاع مستوى المخاطر بشكلٍ غير مقبول.
فكل تقدير زمني أو مالي في المشروع يحمل في طياته درجة من عدم اليقين. ومن الضروري فهم التوزيع الاحتمالي لهذه المتغيرات لنمذجة المخاطر المتأصلة في الجدول الزمني وأداء المشروع. وينطبق الأمر ذاته على معايير الأداء الفني.
9. تحديد المسؤولية بوضوح:
لتجنب تعثر المشروع بسبب تشتت المسؤولية أو ما يعرف بـ “الإدارة باللجان”. لا بد من تحديد شخص واحد يكون مسؤولًا بشكل كامل عن نجاح المشروع. وباستخدام مخطط RACI الذي تم إنشاؤه سابقًا يصبح تحديد هذه المسؤولية أمرًا يسيرًا.
ويتطلب الأمر إضافة التسليمات الرئيسية للمشروع ومقاييس النضج عند كل نقطة تقييم زمني. والنتيجة النهائية هي خطة رئيسية شاملة، لا تعد مجرد وثيقة، بل إستراتيجية ديناميكية لتحقيق نتائج المشروع بنجاح من خلال توقع أداء الأفراد (المسؤوليات) مع تطور التسليمات وزيادة نسبة الإنجاز الفعلي بمرور الوقت، مع الأخذ في الاعتبار التوقعات المعدلة بالمخاطر.
10. الاحتفال والتعلم من التجربة:
في نهاية المطاف وبعد تجاوز جميع التحديات وتحقيق أهداف المشروع من الأهمية بمكان الاحتفاء بالنجاح الذي تحقق وتقدير جهود فريق العمل والأطراف المعنية. ولا يقتصر الأمر على التعبير عن الامتنان، بل يمتد ليشمل توثيق الدروس المستفادة من التجربة بأكملها.
في نهاية المطاف يتضح أن تبني إستراتيجيات نجاح المشاريع ليس ضربًا من ضروب الترف الفكري. بل هو حجر الزاوية الذي ترتكز عليه المؤسسات الطامحة إلى الريادة والاستدامة في عالم الأعمال المعاصر. فمن خلال التخطيط الدقيق، والتنفيذ الفاعل، والقدرة على التكيف مع المتغيرات. وتحديد المسؤوليات بوضوح، والتعلم المستمر من التجارب. تستطيع الشركات تحويل أفكارها الطموحة إلى واقع ملموس يحقق لها ميزة تنافسية راسخة ويضمن لها مكانًا مرموقًا في خضمّ هذا التنافس المحتدم.