ألقى التطور التكنولوجي الهائل في قطاع الإعلام والاتصال بمسؤوليات جديدة على عاتق أجهزة الإعلام، تتناسب مع نوعية الوسائل المستخدمة من حيث قدرتها على الاستجابة السريعة لشغف المتلقين، وإعلامهم بآخر المستجدات؛ لضمان مواكبة وقوع الأحداث ومتابعة تطوراتها؛ ما يؤكد أهمية اتصال الأزمات.
تشتد الحاجة إلى متابعة الأخبار في وقت الأزمات؛ حيث تتوق النفوس إلى ما يرضي فضولها، ويعزز ثقتها، ويشعرها بالاطمئنان؛ كمتابعة الخلافات السياسية الدولية، ووقائع المعارك والحروب ونتائجها، وما آلت إليه الكوارث الطبيعية، وكلها مجالات خصبة لإثارة الفتن والفرقة، وتغذية العقول بالضلالات، واتباع أساليب التآمر في شحن النفوس بالريبة والشك في مصداقية ما يجري.
إنها حرب إعلامية خطيرة تجري بالتوازي مع مراقبة فصول الأحداث وتحليلها؛ ما يتضمن توجيه رسائل محددة للرأي العام الداخلي والخارجي؛ بهدف تشكيل موقف بالقبول أو الرفض، وتوجيه السلوك بالتأييد أو بالمعارضة.
احتاجت بعض الدول في فترات من تاريخها السياسي إلى من يكون وسيلة اتصال سريعة وأداة تبليغ فصيحة بين السلطة السياسية والشعب خاصة خلال الأزمات، يطمئن المتلقون إلى مصداقيتها؛ لكشف ما تكتنفه الجوانب المظلمة في المسائل المتعلقة بمستقبل الشعب.
المتحدث الرسمي
لقد وقفت عواصم ذات تاريخ مجيد في لحظات تاريخية فارقة عاجزة عن مواجهة سيناريو مؤامرات عدائية وتدخل عسكري خارجي كاسح، كان للمتحدث الرسمي العسكري حينها دور مميز؛ للحفاظ على الروح المعنوية للشعب والتهوين من وقع الأخبار السيئة على النفوس بتعمده بث كلمة مباشر يوميًا على التلفزيون الحكومي وهو يتوسط الشباب المتحمس بأحد الشوارع الجانبية ليبرهن على سلامة الوضع الأمني الذي لم يكن كذلك في الواقع.
لقد انتهى كل شيء وطوت البلاد صفحة من تاريخها، ولكن بقيت في الذاكرة الجماعية صورة ذلك المتحدث وكلماته؛ إذ استدعت طبيعة الظروف الحرجة التراجع قليلًا عن الالتزام الحرفي بالمصارحة بالحقيقة الكاملة؛ عبر ما يسمى ” الكذب بالحذف ” والذي لا يعني مخالفة الحقيقة في ظاهر القول، بل أن يكون صادقًا دائمًا، وليس بالضرورة أن يكون صريحًا.
التواصل الفعال
يحتاج نشاط الاتصال خلال الأزمات إلى ديمومة التواصل الفعال بشكل منتظم من المتحدث الرسمي- سواء باسم السلطة الحاكمة أو باسم مؤسسة كبرى- فظهوره الإعلامي الرسمي مؤشر على حضور الجهة التي ينتمي إليها، ودليل على حيويتها وصمودها، وشهادة بقدرتها على المواجهة والاعتراف بكفاءة أجهزتها.
ولكي يؤدي المتحدث الرسمي دوره، عليه الاطلاع الواسع على ما يتكلم بشأنه، وطبيعة الموقف الرسمي منها ومحدداته، والالتزام بالتوجه العام للدولة أو المؤسسة والانتصار لموقفها؛ بثباته الانفعالي، وثقته بنفسه وسرعة بديهته، ولغته السليمة، وعباراته الدقيقة، وغزارة معلوماته، وقدرته على المشاركة في موضوعات شتى، وإجادة المهارات الأساسية لكتابة المعلومات بصيغة سهلة الفهم ومقنعة.
العقل الإعلامي
إذًا، للمتحدث الرسمي أهمية كبيرة للجهة التي ينتمي إليها؛ فهو الممثل لها والمعبر عنها، وهو العقل الإعلامي الذي يخدم مصالحها؛ لذلك تراه يحتفظ دومًا بالمسافة التي تسمح له بالتغطية الإعلامية والنقدية اللازمة للرواية الرسمية للأحداث، وأن تكون له في ظل ثورة المعلومات ثقافة شخصية مستمدة من عدة مصادر، قادر على التعامل معها؛ مثل استخدام الكمبيوتر والإنترنت والتطبيقات المختلفة للهاتف النقال.
اتصال الأزمات
ويُعد اتصال الأزمات نشاطًا إعلاميًا حيويًا؛ لاستناده إلى قواعد علمية مضبوطة؛ فهو الذي يمهد للخروج الآمن من الأزمة، أو التجاوز السريع لحالة الضيق، ويعكس مقدار ما تحقق عمليًا من قيم الديمقراطية كمكسب وثقافة وفكر وسلوك، وحجم ما يتمتع به المجتمع من الحق في المعلومة وفي المعرفة.
وهو كذلك نشاط إعلامي واعٍ؛ لأنه إذا قيل إن معظم الناس يتحركون بفعل مشاعرهم، فإنه عندما تصادفهم عقبات، يعدلون خططهم، ولكنَّ التعديل لن يجلب سوى أزمة أخرى؛ لأن تخطيطهم لم يكن بعقولهم.
من هنا يأتي دور نشاط الاتصال، وأهميته خاصة في وقت الأزمات؛ من خلال تقديم التفسير التقييمي الذي يعطي التبرير العقلاني للمتغيرات من الأحداث، ويوفر الإفادات الكافية من التوضيح التقويمي لمعالجة خلل ما؛ حتى تتقارب التقديرات الرسمية مع اجتهادات المحللين من الحقيقة، وهذه مهمة المتحدث الرسمي الذي لابد أن يتمتع بسمات أساسية منها السمات الشخصية كالمظهر والاتزان الانفعالي والقدرة على التعبير الحركي والموضوعية والحضور الذهني، والسمات الصوتية كالنطق بطريقة صحيحة ووضوح الصوت وتنويع سرعة الحديث، والسمات الإقناعية؛ كالقدرة على التحليل والابتكار والعرض الجيد والتعبير الفصيح وتقبل النقد والقدرة على الضبط الانفعالي.
ويجب الإشارة إلى عدم اعتبار كل ما يكتب في الصحافة نقدًا؛ للأسباب التالية:
- أنه عبارة عن مقالات خبرية لا ترقى لميزان النقد.
- عندما لا يجد الإعلام المعلومة، فإنه يكتب ما يريد أو ما يُملى عليه.
- بروز الحاجة إلى الواقعية في التعامل مع متغيرات المشهد السياسي.
- ربما صار الإعلام موجهًا أكثر منه شارحًا وموضحًا.
كل ما سبق مظاهر واقعية، تتطلب وجود متحدث رسمي لتقديم إحاطات لوسائل الإعلام؛ للتعامل مع أي انحراف سببه سوء فهم أو سوء تقدير؛ ما يؤكد أهمية توظيف الاتصال وإكسابه فاعلية للحفاظ على الصورة الإيجابية للمؤسسة لدى وسائل الإعلام، وإزالة أي انطباع سلبي؛ وذلك باتباع سياسة اتصال تستند إلى وعي عميق، ونضوج فكرى، وثقافة واسعة، ودراية كبيرة بتطورات الأحداث وطبيعة المتغيرات، وموقف الجهة التي ينتمي إليها من هذه القضايا.
منصات التواصل الاجتماعي
وتتطلب وظيفة المتحدث الرسمي مواصفات معينة؛ لأن كل كلمة تكون محسوبة، خاصةً في عصرنا الحديث الذي انتشرت فيه منصات التواصل الاجتماعي- وعلى رأسها تويتر- حيث يتجاوب المتحدثون، ويتعاملون مع مختلف الأحداث، وينقلون أخبار جهاتهم التي وثقت حسابها وجعلته المتحدث باسمها.
وإذا كانت الاستجابة السريعة من الأهمية بمكان، فإنها أيضًا يجب ألا تكون انفعالية، وأن تكون على قدر كبير من الصدق والوضوح، مع ملاحظة سهولة اختراق منصات التواصل ونشر تصريحات غير حقيقية منسوبة كذبًا للجهة صاحبة الحساب؛ ما يتطلب جهدًا ووقتًا ومالًا لإبطاله، ولتأمين المواقع من القرصنة.
إنَّ اتصال الأزمة، مرادف لمفهوم إدارة الأزمة خلال فترة الكوارث والاضطرابات؛ لذا أصبحت علمًا قائمًا بذاته، يعنى بإدارة المخاطر، وزاد الاهتمام به مع التطور التكنولوجي في مجال الاتصال والتواصل الذي سمح بأسلوب توظيف الاتصال عند التخطيط لإدارة أزمة؛ لتسهيل عملية اتخاذ القرار؛ الأمر الذي يزيد من ترسيخ مبادئ المسؤولية المجتمعية في مواجهة الأزمات، والتغلب عليها بالأدوات العلمية والإدارية والإعلامية.
إنَّ إدارة الأزمة تعني فن إدارة التوازنات المتضمن: مهارات التكيف المناسب، والتأقلم السريع مع المتغيرات؛ لتجنب سلبياتها؛ وهو ما يمثل وظيفة المتحدث الرسمي.
اقرأ أيضًا:
الأمان الوظيفي.. وإنتاجية الشركات