يتوقع خبراء الاقتصاد أزمة عالمية قريبًا تُعرف بأزمة سلاسل التوريد العالمية؛ حيث تأتي أخبار غير مطمئنة من الصين التي تُصدِّر20.7 % من صادرات العالم بقيمة 2.6 تريليون دولار، وتعاني حاليًا من زيادة سعر الفحم الذي تعمل به 60 % من محطات الكهرباء بها، من 60 دولارًا للطن في مارس إلى 200 دولار في أكتوبر2021، لتتوقف معظم محطات الكهرباء، ويتوقف معها 44 % من مصانع الصين.
كذلك، زادت تكلفة الشحن البحري بنسبة 85 % لتتكدس موانئ العالم، ويزداد وقت الشحن إلى 70 يومًا، بعد زيادة الطلب وبدء انحسار كورونا في بلدان كبيرة، وعدم مواكبة الإنتاج وسلاسل التوريد مع الطلب المتنامي عالميًا، لتسنح فرص قلما تتكرر للدول التي لديها إرادة نافذة وإدارة واعية بأهمية التصنيع المحلي، وتقليل الاعتماد على الغير.
فهل حان الوقت المناسب لتدشين مشروع وطني بكل دولة عربية لإحلال الواردات؛ فتقوم مصلحة الجمارك ووزارة الصناعة والتجارة واتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية بكل دولة، بإعداد قوائم وتصنيفات دقيقة لما يتم استيراده من المنتجات والخدمات؛ ليضع خبراء الاقتصاد خطة طويلة الأمد لإحلال هذه الواردات بمنتجات وطنية بالتدريج إلى أن يصل الإحلال إلى نسبة 50-70 % مثلًا خلال 10 سنوات.
كم مليار دولار يمكن توفيرها، وكم شابًا يمكن توظيفه؛ فيحدث رخاء اقتصادي واجتماعي، خاصة إذا ما تم تشجيع تكامل المشروعات الصغيرة مع الكبيرة وتزويدها باحتياجاتها من قطع الغيار والخدمات المساندة بديلًا عن الاستيراد من الخارج؟
ولا يخفى على أحد، أهمية مثل هذه الفرص الاستثمارية في تعزيز الاقتصاد الوطني عامة، والصناعة الوطنية وتطويرها خاصة، إضافة إلى فوائد عدة؛ كتوليد الوظائف، والاستغناء عن أجور الشحن الدولي، وتخفيض مستوى المخزون، وتخفيض أجور المعاملات البنكية، وزيادة شبكة الموردين المحليين، ودعم الميزان التجاري.
بالطبع سيعارض هذه السياسة ثلاثة أصناف:
- المحتكرون من حيتان وهوامير الاستيراد الذين يربحون المليارات مقابل استيراد كل شيء تقريبًا.
- المؤمنون بأن التصنيع المحلي قد أثبت قصوره وتدهورت جودته فلم يقدر على المنافسة في أي سياق اقتصادي حر.
- المتخوفون من إجبار المستهلك على شراء سلع منخفضة الجودة بزعم أنها محلية، وهي تخوفات يمكن التغلب عليها برفع الكفاءة والجودة من خلال الخدمات غير المالية التي تقدمها الأجهزة الوطنية إليها في كل دولة.
نتمنى أن نرى مشروعًا وطنيًا لإحلال الواردات؛ لتقليل الاستيراد من الخارج وتوفير النقد الأجنبي، وتشجيع إنتاج مواد وسيطة تكون مدخلات إنتاج لصناعات مكملة، واستثمار طاقة رواد الأعمال بمنحهم النصيب الأوفر من الفرص الاستثمارية في وطنهم.
أذكر عندما توليت مهمة إدارة أول مركز لريادة الأعمال وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية، تمكنت من توصيل سؤالي لأكبر أربع شركات كبرى؛ وهي أرامكو وسابك والمؤسسة العامة لتحلية المياه وشركة الكهرباء ومجموعة الزامل.
كان السؤال بسيطًا في مضمونه، عميقًا ومُهمًا في مردوده: ما هي المنتجات والخدمات التي تستوردونها من الخارج وترغبون في توريدها وتصنيعها محليًا؟، فكانت الإجابة من هذه الشركات بفرص استثمارية لرواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في عام 2007 حينها، بقيمة تجاوزت 200 مليون دولار، ذكرتها تفصيلًا هنا في مقال سابق بعنوان “كعكات الاستثمار الخمس”، واقترحت فيه أيضًا آلية تهدف إلى ضمان استفادة صغار المستثمرين والمنشآت الصغيرة والمتوسطة عامة، والشباب خاصة من هذه الفرص، ومنحهم الأولوية على حساب الشركات الكبيرة، وبما لا يتعارض مع قوانين وتشريعات كل دولة عربية.
إنَّ نجاح الدول وتقدمها يأتي بامتلاك الإرادة وحُسن الإدارة والتخطيط والتركيز؛ وهذا ما حققته الصين والهند والبرازيل، وهي بلاد ذات تعداد سكاني كبير، فكيف كانت السيارات الكورية في الثمانينيات، وكيف كانت جودتها، وكيف صارت الآن؟
يجب علينا أن نثابر ونخطط ونركز ولا نركن فقط للاستيراد كما هو حاصل الآن.
اقرأ أيضًا:
- أهمية المعرفة في نجاح المؤسسة
- سِرك ليسَ في بِئر
- الإذاعة.. وتعطل فيس بوك
- رائد الأعمال.. وإعمار الكون
- رحلة للعام 2050