في زمن الطفولة كنت أحلم بآلة الزمن؛ الآلة الخيالية التي تسافر للمستقبل عبر الزمن، وربما تسافر بي إلى الماضي أيضًا، ففي ظل التسارع التقني الذي يشهده العالم، أشعر أنني أسافر بالفعل عبر الزمن، وأن المستقبل صار يأتي بوتيرة أسرع مما كان يأتي للآباء والأجداد.
أصحبكم الآن عبر آلة الزمن في رحلة خيالية للمستقبل؛ حيث استيقظت من نومي صباح ذلك اليوم في العام 2050، بواسطة الروبوت الذي بُرمِج ليحدد موعد استيقاظي المناسب بعد قياس وظائف الجسم الحيوية، من خلال المعلومات التي تأتيه بانتظام عبر الكاميرات والمستشعرات الدقيقة التي تسبح داخل جسدي، وتزوده بتقارير منتظمة عن حالتي الصحية، بخلاف مساعدته في أعمال ترتيب ونظافة المنزل.
تناولت فطوري المكون من ثلاثة أطباق صغيرة لطعام أَعَدَه جهاز خاص، بعدد دقيق من السُعرات الحرارية المطلوبة، وقيمة غذائية متكاملة ومحسوبة أيضًا تبعًا للحالة الصحية. أشرت على الحائط المقابل أمامي لتنفتح شاشة ضخمة أكبر من مائة بوصة؛ لأتصفح من خلالها الصحف والمجلات المفضلة لدي؛ إذ لم يعد هناك مطبوعات ورقية منذ عشرين عامًا تقريبًا.
وعلى الرغم من أن مكتبي الخاص يبعد خمسين مترًا عن منزلي، إلا أن رغبتي في المشي والتريُض والسيْر مسافة أطول، جعلتني أقوم بتشغيل الجهاز الخاص المثبت في حذائي المخصص لمضاعفة مسافة السير أو تقليلها حسب الحاجة، لأصل المكتب بعد ساعة رياضة وليس في دقيقة بسرعة المشي العادية؛ فينفتح باب مكتبي تلقائيًا ببصمة إصبعي؛ حيث لم يعد هناك مفاتيح معدنية منذ سنوات.
بدأت عملي كالعادة بقراءة القرآن الكريم من خلال شاشة مماثلة للمنزل، ثم بدأت بالتواصل مع الموظفين والعملاء، المتواجدين في أماكن متفرقة بالعالم؛ عبر نفس الشاشة؛ فأنجزت أعمالًا بقيمة توازي عشرين ضعفًا مما كان يُنجز في الماضي لنفس الفترة الزمنية. ضغطت على زر معين؛ فأتاني روبوت المكتب بمشروبي المفضل، ثم ضغطت على زر آخر لأحصل على تقرير مُفصَّل عما أُنجز أمس من أعمال، وتقرير آخر عن المخطط إنجازه اليوم.
انتهيت من عملي وخرجت للشارع؛ لأجد عدة سيارات أمامي بدون سائق؛ فركبت إحداها للالتقاء ببعض الأبناء والأحفاد الذين دعوتهم للغداء بمطعم غاطس تحت البحر؛ لنستمتع بالمشهد الجميل أثناء تناول الطعام. أخبرني ابني الصغير عُمر أنه اشترى أمس سيارة تطير بضعف سرعة سيارتي التي استخدمها عادة للذهاب من المنصورة إلى القاهرة في سبعة عشرة دقيقة تقريبًا؛ لتختصر الزمن إلى النصف.
في المساء، ذهبت لشراء حُلَّة جديدة بصحبة زوجتي وابنتي، وكانت مثل أنواع الملابس المنتشرة منذ زمن؛ فلا تحتاج إلى تنظيف؛ بسبب الطبقة النانوية التي تغطيها؛ مثل كل الأثاث الخشبي والستائر والمفروشات بالمنزل والعمل.
أخبرتني ابنتي مريم- الباحثة بمركز دولي طبي- عن نجاح المركز في إنتاج تقنيات تُمكن الضرير من الرؤية بوضوح، والأصم من الاستماع أيضًا، والمشلول من الحركة بسهولة. عدنا إلى المنزل، ونمنا جميعًا كعادتنا عقب صلاة العشاء مباشرة، لأعُد نفسي لمحاضرة في السادسة من صباح اليوم التالي لطلاب الجامعة.
كان ذلك جزءًا يسيرًا من يومي في العام 2050، والذي لن أصل إليه غالبًا؛ حيث سيكون عمري حينها سبعة وثمانين عامًا، لكنه رسالة لأطفال وشباب اليوم الذي سيعيشون هذا العصر، بأن يستعدوا من الآن، ويتسلحوا بالعلم والمعرفة، في عهد سيكون فيه البقاء للأصلح معرفيًا وتقنيًا، وقبل ذلك دينيًا وأخلاقيًا.
اقرأ أيضًا:
لماذا تقدمت دول الخليج العربي في مؤشر السعادة؟