في زمن الطفولة، كنت مُغرمًا بمشاهدة أبراج شاهقة رفيعة جدًا، يزيد ارتفاعها عن 600 متر، بالقرب من الطريق الزراعي في دلتا مصر، علمت لاحقًا أنها تُسمى صواري masts (جمع صاري)، وهي التي تبث الإذاعة (الراديو، نسبة للكلمة اللاتينية راديوس) التي تعني نصف قطر؛ أي صواري الإذاعة التي تبث الموجات الكهرومغناطيسية للإرسال الإذاعي، مع تضمين الموجات الصوتية عبر الغلاف الجوي على هيئة دوائر.
وتمثل أمواج الإذاعة جزءًا من الطيف الكهرومغناطيسي، الذي ينتشر في الفراغ بسرعة الضوء البلاغة 300 ألف كم في الثانية، ولها ترددات مختلفة تبدأ من 3 هيرتز وتصل إلى 300 جيجا هيرتز.
وتنقسم ترددات الإذاعة إلى FM (Frequency Modulated) التي تقع تردداتها بين 88 ميجا هيرتز و108 ميجا هيرتز؛ وهو نطاق من الترددات مُخصص لاستخدام البث الإذاعي لمحطات FM المختلفة؛ حيث بدأ البث باستخدام أمواج هذا النوع (FM) عام 1939 على يد إديسون أرمسترونج.
أما ترددات AM (Amplitude Modulation) فيتراوح نطاقها بين 535 كيلو هيرتز و1700 كيلو هيرتز، وقد استخدمت أول مرة في بداية العام 1920، علاوة على الترددات القصيرة SW (Short Wave) التي يتراوح نطاقها بين 5.9 ميجا هيرتز و26.1 ميجا هيرتز.
كنا في الماضي، نستمتع ببرامج “أبلة فضيلة”، و”كلمتين وبس”، و”على الناصية”، وغيرها من البرامج الإذاعية الهادفة، ولكن أعتقد أنه لا يستمع إلى الإذاعة أحد الآن، في ظل هذا الزخم من القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت التي صارت أشبه بالغبار الكوني الذي في الوقت الذي يُغرق فيه المتلقي بالعلوم والمعارف، فإنه أيضًا قد يحجب عنه الكثير من الفكر الصحيح؛ لكثرة المصادر، وضعف المصداقية؛ ما يشتت المرء في عالم من التلوث البصري والسمعي.
وحتى فترة قريبة، كنت أتعجب من استمرار وجود تقنيات البث الإذاعي القديمة في عصر البث عبر الفضائيات والإنترنت والأقمار الصناعية، إلى أن فوجئ العالم أجمع بتعطل الفيس بوك والواتس آب وإنستجرام مؤخرًا؛ فاضطربت حياة المليارات حول العالم ممن اعتادوا على التواصل عبر هذه المنصات الاجتماعية!
وأذكر أنه منذ أعوام، حدث أمر مشابه، عندما ساوم قراصنة فيروس الفدية Ransomware نحو 200 ألف ضحية في 150 دولة حول العالم، وهو فيروس يصيب أجهزة الكمبيوتر العاملة بنظام التشغيل ويندوز، ويمنع المستخدم من الوصول إلى نظام التشغيل، ويُشَفِّر جميع البيانات المخزنة على الكمبيوتر؛ حيث يطلب القراصنة فدية مالية مقابل فك التشفير، وإلا يجري التخلص من كل الملفات والبيانات المُخزنة على الكمبيوتر، والتي تزداد أهميتها حسب الجهة المُخَزِّنة لها.
قلت لنفسي: ماذا لو تعطل البث الفضائي، أو تقطعت شبكات الإنترنت بفعل فاعل؟ كيف يتواصل الناس مع بعضهم البعض، وكيف يصل صوت الجهات الرسمية من خلال وسيلة إعلام رسمية في حالات الطوارئ والكوارث، لإبلاغ المواطنين بالتعليمات وبمراكز الإسعاف وبنقاط التجمع؟
في هذه الحالة سيكون دور الإذاعة التقليدية- بالتأكيد- مؤثرًا وحاسمًا؛ لذلك تُبقي عليها الدول، على الرغم من تحقيقها نتائج اقتصادية سلبية؛ لندرة المستمعين في الوقت الراهن.
جميل أن نمتلك التقنية الفائقةHigh Technology، لكن الأجمل أن نظل محتفظين بالتقنية الملائمة Appropriate Technology، التي نمتلك أسرارها، وكيفية إدارتها وتشغيلها وصيانتها، في عالم يمكن أن يُبدل التقنيات الفائقة من نِعَم إلى نِقَم.
اقرأ أيضًا:
- رائد الأعمال.. وإعمار الكون
- اليوم الوطني 91.. قيادة وسيادة
- الأمير محمد بن سلمان.. نظرية قيادية جديدة
- للوطن يوم
- الجامع والجامعة.. وريادة الأعمال