تستمد نظريات المسؤولية الاجتماعية جذورها من عِلمين أساسيين هما الاقتصاد والاجتماع، وثمة جمهرة كثيرة من النظريات والرؤى حول هذه القضية بالتحديد؛ أي هل يجب على رأس المال أن يلعب دورًا إيجابيًا في المجتمع المحيط أم لا؟!
ورغم بساطة ومباشرة هذا السؤال إلا أن الجواب عنه هو جوهر نظريات المسؤولية الاجتماعية، وكل فريق أجاب عن هذا السؤال حسب خلفيته الفكرية، وبينما نجد تطورًا كبيرًا للدراسات الأكاديمية في هذا الصدد لكن لم نجد اتفاقًا بين هذه التيارات المختلفة.
جذور الفكرة
قبل أن نتحدث عن نظريات المسؤولية الاجتماعية أولى بنا أن نفهم جذورها، صحيح أن هذا المصطلح قد يبدو حديثًا نسبيًا إلا أن فكرة المسؤولية الاجتماعية كانت موجودة منذ أزمان بعيدة.
فمع نمو التجارة في العصور الوسطى بدأ الناس يشعرون بالقلق من سوء استخدام الموارد. كما شوهدت ظلال من المسؤولية الاجتماعية من خلال القوانين الرومانية القديمة، التي تفصّل إنشاء برامج للفقراء وكبار السن، فضلًا عن إنشاء دور الأيتام والمستشفيات.
في السنوات الأولى للولايات المتحدة بدأت المنظمات وأصحاب الأعمال في ممارسة المسؤولية الاجتماعية من خلال العمل الخيري. وفي القرن التاسع عشر اكتسب العمل الخيري شعبية عن طريق رواد الأعمال الأثرياء في ذلك الوقت، والذين تبرعوا بوقتهم وأموالهم لصالح غيرهم.
وقد بدأ المجمتع خلال القرن العشرين في وضع نظرية مفادها أن الشركات يجب أن تكون مسؤولة اجتماعيًا. يعود سبب هذا التحول في المقام الأول إلى انخفاض الإنتاجية؛ حيث زادت ظروف العمل السيئة للعمال وتدهورت صحتهم.
أدى هذا إلى إنشاء مبدأ «الخدمة» والذي كان يقضي بإنشاء أعمال تجارية مربحة على أن ينهض أصحابها بخدمة المجتمع المحيط بأعمالهم. وقد كان “روبرت وود” من أوائل الذين طبقوا هذه الممارسة في عشرينيات القرن الماضي.
وهكذا نلحظ من خلال هذا الجرد التاريخي السريع أن نظريات المسؤولية الاجتماعية ضاربة بجذورها في أزمنة مضت، وأن الفكرة نفسها ليست بالجديدة، وإن انطوت على تنويعات جمة خلال العقود القليلة الماضية.
اقرأ أيضًا: 6 أمور أساسية عن الحوكمة البيئية
نظريات المسؤولية الاجتماعية
ونوضح في «رواد الأعمال» نظريات المسؤولية الاجتماعية وذلك على النحو التالي..
-
نظرية أصحاب المصلحة
أصبحت نظرية أصحاب المصلحة مشهورة منذ التسعينيات كبديل مباشر وتحدٍ لنظرية قيمة المساهمين؛ إذ تجادل هذه النظرية من نظريات المسؤولية الاجتماعية بأن عدد مجموعات الضغط من أصحاب المصلحة تطور على نطاق واسع منذ الستينيات ولا يجب الاستهانة بتأثير قوى هؤلاء في الأعمال.
واللافت أن هذه النظرية ترى المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها مسؤولية أصحاب المصلحة في الشركة؛ فعلى هذه الفئة وحدها يقع عبء الدور الاجتماعي الواجب أداؤه لصالح المجتمع.
اقرأ أيضًا: المؤسسة العامة للحبوب.. جهود حثيثة لتحقيق الأمن الغذائي بالمملكة
-
نظرية أخلاقيات العمل
تستند نظرية أخلاقيات العمل على الالتزام الاجتماعي الأوسع والواجب الأخلاقي الذي يقع على عاتق الأعمال تجاه المجتمع. تُبرر هذه النظرية من نظريات المسؤولية الاجتماعية الفكرة وفقًا لأسس أخلاقية متنوعة ولكنها مترابطة في الوقت ذاته.
وتشتمل تبريرات هذه النظرية على ما يلي: حتمية الاستجابة الاجتماعية المتغيرة والناشئة والتوقعات الاجتماعية لمشاكل اجتماعية معينة، وتنص أيضًا على القيم الأخلاقية الأبدية أو الجوهرية مستوحاة دائمًا من الأخلاق الكانطية -تشير إلى نطرية الواجب الأخلاقية التي وضعها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط”- وترتكز على بعض المبادئ المعيارية والعالمية مثل: العدالة الاجتماعية والإنصاف وحقوق الإنسان.
ترى هذه النظرية من نظريات المسؤولية الاجتماعية الشركات باعتبارها ذات مسؤوليات خيرية وأخلاقية أكثر من كونها صاحبة مسؤوليات قانونية واقتصادية.
اقرأ أيضًا: المسؤولية المجتمعية والأندية الرياضية
-
نظرية قيمة المساهمين
نظرية قيمة المساهمين منظور يشير إليه الحائز على جائزة نوبل ميلتون فريدمان؛ وهو يجادل بأن المسؤولية الاجتماعية للأعمال التجارية هي فقط تطوير أرباحها مع اتباع المعايير القانونية.
يؤكد الاقتصاديون الكلاسيكيون الجدد مثل Hayek أن وظيفة الأعمال التجارية هي المساهمة في المجتمع والاقتصاد ويجب عدم الخلط بين وظيفتها والوظائف الاجتماعية الأخرى التي تؤديها المنظمات والحكومات غير الربحية.
ويعتقد الاقتصاديون المؤيدون لهذه النظرية من نظريات المسؤولية الاجتماعية بأن مالكي الشركات هم مديروها وأصحاب المصلحة باعتبارهم وكلاء لديهم واجب ائتماني لخدمة مصالح المساهمين بدلًا من أي شخص آخر.
وعلى الرغم من أن تعظيم أرباح المساهمين له ما يبرره بأنه مسؤولية الشركة الوحيدة، إلا أن الالتزامات الاجتماعية للشركات غالبًا ما تُعتبر أداة استراتيجية لتحقيق مزايا تنافسية وأرباح أكبر.
اقرأ أيضًا:
برنامج حساب المواطن.. جهود المملكة في دعم مواطنيها
تأثير المسؤولية الاجتماعية في نجاح الشركات.. كيف يكون؟
استدامة الشركات.. من المناخ إلى الاقتصاد
مسك الخيرية.. اهتمامات تحقق تطوير المجتمع
العمل التطوعي.. مسيرة عطاء وتمكين في المملكة العربية السعودية