بالنظر إلى الأفكار الشائعة حول انخفاض الإنتاجية خلال شهر رمضان تُظهر الأرقام والإحصاءات حقائق مختلفة تمامًا؛ ففي دراسات عديدة أجريت حول هذا الموضوع تبين أن الإنتاجية في العمل قد تزيد أو تظل مستقرة خلال هذا الشهر الفضيل بالرغم من تقليص ساعات العمل.
تُشير دراسة أجريت في جامعة “أوكسفورد” إلى أن العديد من العاملين يرون أنهم أكثر إنتاجية خلال شهر رمضان؛ حيث يشعرون بأنهم أكثر تركيزًا وفعالية في أداء مهامهم، كما أن التقليص في ساعات العمل قد يؤدي إلى تحفيز الموظفين لزيادة جهدهم وتحسين إنتاجيتهم خلال الساعات المتبقية.
من جانبهم يرى الباحثون أن فترات الصيام قد تزيد من التركيز والوعي الذهني؛ ما يسهم في تحسين الأداء العقلي والإبداعي؛ فتجربة الصيام تُعد تحديًا للجسم والعقل، وذلك قد يعزز قدرة الفرد على التعامل مع ضغوط العمل بشكلٍ أفضل وزيادة إنتاجيته.
بالإضافة إلى ذلك تُظهر البيانات أنه في بعض الحالات يُمكن أن يؤدي تقليص ساعات العمل خلال شهر رمضان إلى زيادة مستويات السعادة والرضا في العمل؛ ما يؤدي في النهاية إلى تحسين الإنتاجية.
زيادة الإنتاجية والتحفيز الذاتي
أظهر استطلاع وظيفي صدر عام 2022 من موقع “بيت دوت كوم” المتخصص في التوظيف، تحت عُنوان “رمضان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، أن 77% من الشريحة التي شملها الاستطلاع أبدوا ارتفاعًا في إنتاجيتهم خلال شهر رمضان، وأبدت النسبة نفسها تقريبًا تحسّنًا ملحوظًا في معنوياتهم خلال هذا الشهر المبارك، وعلى الرغم من توقعات بانخفاض الإنتاجية في هذا الشهر فإن النتائج أظهرت العكس تمامًا.
ويبدو أن شهر رمضان يحفز الموظفين على البحث عن فرص تطوير مهني؛ حيث خصص 86% منهم المزيد من الوقت للبحث عن فرص وظيفية خلال هذا الشهر، وعلى صعيد التوظيف اعتقد 42% من المشاركين بأن عمليات التوظيف في الشركات تزداد أو تبقى على حالها طوال فترة الشهر الفضيل.
وفيما يتعلق ببيئة العمل شعر 59% من الموظفين بأن شركاتهم وفّرت لهم خيارات مرنة وساعات عمل أقصر خلال شهر رمضان، مع اهتمام بالاحتياجات الدينية والروحية التي شعر بها 14% منهم، وبشكل عام أبدى 83% من الموظفين رضاهم عن الدعم الذي تقدمه لهم بيئات العمل فيما يتعلق بالإنتاجية خلال هذا الشهر.
أما فيما يخص ضغط العمل فرأى 36% من الموظفين أن الأعباء العملية تظل ثابتة دون تغيير بين رمضان وباقي أشهر السنة، بينما شعر 34% بأن الأعباء تزيد بشكل ملحوظ خلال الشهر المبارك، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى تقليص ساعات العمل.
جدلٌ مُستمر
يُعدّ الجدل حول عدد ساعات العمل وتأثيرها في الإنتاجية من أكثر القضايا إثارة للنقاش في بيئات العمل. فبينما يميل البعض إلى الاعتقاد بأن زيادة ساعات العمل تُعادل ارتفاعًا في الإنتاجية تُؤكّد الأبحاث والدراسات الحديثة عكس ذلك تمامًا.
إنتاجية أعلى بعدد ساعات أقل
تُشير النتائج إلى أن تقليل ساعات العمل يُؤدّي إلى ارتفاع ملحوظ في كفاءة الموظفين وإنجازهم لمهامهم بجودة عالية. فعلى سبيل المثال: تُظهر دراسة “جامعة ستانفورد” أن معدل إنتاجية الفرد يبدأ في الانحسار بعد تجاوز 50 ساعة عمل أسبوعيًا. بينما تُحدد “هارفارد بزنس ريفيو” 6 ساعات عمل يوميًا كأفضل عدد لساعات العمل من حيث الإنتاجية.
تركيزٌ أفضل.. إنجازٌ أسرع
يُقدّم البروفيسور جون تروجاكوس من “جامعة تورنتو” تفسيرًا علميًا لسبب ارتفاع الإنتاجية مع تقليل ساعات العمل؛ ففي دراسته يُؤكد أن تقليل ساعات العمل يُحفّز الموظف على إنجاز المهام في وقت محدد دون تشتّت.
استغلال الوقت بفعالية
تُؤكّد دراسة “كلية ويسكونسن للأعمال” أن الموظف يقضي نحو ساعتين ونصف الساعة يوميًا أثناء دوام العمل في تصفّح الإنترنت والتسوّق الإلكتروني أو إجراء المُحادثات النصيّة. فتقليل ساعات العمل يُساعد في استغلال الوقت بفعالية أكبر وتوجيهه نحو إنجاز المهام الضرورية.
فرصة لتنظيم الوقت وزيادة الإنتاجية
يؤكد مُعظم الدراسات الأوروبية أن تقليص ساعات العمل خلال شهر رمضان قد يزيد من إنتاجيتك بدلًا من تقليلها؛ حيث يُمكنك توجيه جهودك بفعالية أكبر؛ نتيجة توفر الوقت الذي تكتسبه من صيامك وامتناعك عن الطعام والشراب طوال النهار، ومع ذلك يبقى التحدي الرئيسي هو تأثير الصيام في الإنتاجية؛ إذ يُمكن أن يؤدي انخفاض مستويات الجلوكوز في الدم إلى تشتت الانتباه والإجهاد.
ومن الجدير بالذكر أن تنظيم الوقت والتركيز على المهام الأساسية هما العنصران الأساسيان لزيادة الإنتاجية خلال شهر رمضان؛ فبفضل تقليل الاجتماعات وزيادة مرونة الأعمال يمكن للموظف أن يركز طاقته على إنجاز المهام المطلوبة منه بأقل وقت وتركيز ممكن؛ ما يتيح له الاستمتاع ببقية يومه أو تخصيصه للأعمال الدينية أو الاجتماعية.
اقرأ أيضًا:
الإبداع في رمضان.. كيف يبتكر رواد الأعمال منتجات وخدمات تناسب الشهر الكريم؟
ساعات العمل في رمضان.. رحلةٌ روحيةٌ ومهنيةٌ لرواد الأعمال