يشير مصطلح الاقتصاد المتدرج “Trickle-Down Economics” إلى السياسات الاقتصادية التي تفضل بشكل غير متناسب الطبقة العليا من الطيف الاقتصادي. والتي تضم الأفراد الأثرياء والشركات الكبرى.
كما تستند هذه السياسات إلى فكرة مفادها أن الإنفاق من جانب هذه المجموعة سوف “يتسرب إلى الأسفل” إلى أولئك الأقل حظًا في شكل نمو اقتصادي أقوى. وفقًا لدراسة “لـوكوود، بنجامين 2023 “. بمجلة أعمال من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا.
ويستعرض فريق رواد الأعمال أبرز تفاصيل الاقتصاد المتدرج خلال هذه المقالة. وفقًا لدراسة جديدة أجراها لوكوود وزملاؤه عام 2023 جدلية “الاقتصاد المتدرج”. وتتساءل حول مدى فعالية السياسات التي تركز على دعم الطبقة العليا في تحفيز النمو الاقتصادي.
كما تشير نتائج الدراسة إلى أن الآثار الإيجابية لهذه السياسات على الاقتصاد الكلي قد تكون أقل مما هو متوقع؛ ما يضع علامة استفهام كبيرة حول صحة النظرة التقليدية التي تربط بين زيادة ثروة الأثرياء ونمو الاقتصاد بشكل عام.
وقد استخدم لوكوود هذا المصطلح “الاقتصاد المتدرج” على نطاق واسع من قبل منتقدي اقتصاد جانب العرض للإشارة إلى سياسات الضرائب والإنفاق من قبل الحكومات والتي تؤدي. عن قصد أو بغير قصد. إلى توسيع فجوة التفاوت في الدخل؛ كما تم استخدامه أيضًا في الإشارات النقدية إلى الليبرالية الجديدة.
الاقتصاد المتدرج يمثل جدل عريق وتأثيرات متباينة
لطالما حظيت نظرية “الاقتصاد المتدرج” باهتمام واسع في الأوساط الاقتصادية والسياسية. إذ تعود جذور هذه النظرية إلى القرن التاسع عشر. حيث انتشرت فكرة أن تخفيضات الضرائب على الأثرياء ستؤدي إلى نمو اقتصادي شامل يعود بالنفع على الجميع.
ومع ذلك، اكتسب المصطلح زخمً جديدًا في الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، حيث ارتبط بـ “اقتصاد جانب العرض” والسياسات الاقتصادية التي تبناها.
كما تعدّ التخفيضات الضريبية التي نفذها ريغان وبوش أمثلة بارزة على ما يعتبره النقاد تطبيقًا عمليًا لـ”اقتصاد التسرب” في الولايات المتحدة.
وفي المملكة المتحدة، مثلت التخفيضات الضريبية التي اقترحتها ليز تروس في عام 2022 تطبيقًا حديثًا لهذه النظرية. ورغم أن أنصار هذه السياسات يرون فيها محفزاً للنمو الاقتصادي، إلا أن النقاد يشككون في فعالية هذه السياسات في تحقيق هذا الهدف.
كما أنه من الجدير بالذكر أن خبراء الاقتصاد الذين يؤيدون “اقتصاد جانب العرض” يتجنبون عادة استخدام مصطلح “التسرب” ويفضلون التركيز على فكرة أن التخفيضات الضريبية تشجع الاستثمار وزيادة الإنتاجية.
ومع ذلك، فقد استخدم مؤيدو هذه السياسات أحيانًا مصطلح “التسرب” للتعبير عن فكرتهم بأن الثروة ستنتشر تدريجيًا من الأثرياء إلى الطبقات الأقل دخلاً.
كما أنه على الرغم من الجدل الدائر حول هذه النظرية، فإن الدراسات الاقتصادية لم تتوصل حتى الآن إلى دليل قاطع على وجود علاقة سببية بين تخفيضات الضرائب على الأثرياء والنمو الاقتصادي.
وهذا يثير تساؤلات حول فعالية هذه السياسات في تحقيق الأهداف المنشودة، ويؤكد الحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتقييم آثارها الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل.
تسلسل تاريخي لمصطلح الاقتصاد المتدرج
على الرغم من أن مصطلح “اقتصاد التسرب” قد لا يبدو مألوفًا للكثيرين، إلا أن جذوره تمتد إلى عقود طويلة. فبحسب بيانات Google Ngram، لم يشهد المصطلح انتشارًا واسعًا في الأعمال المنشورة إلا منذ الثمانينيات.
ومع ذلك، فإن الفكرة الكامنة وراء هذا المصطلح، وهي توزيع الثروة من الأغنياء إلى الفقراء، تعود إلى ما قبل ذلك بكثير. ويُرجع البعض أصول هذا المصطلح إلى خطاب ألقاه المرشح الرئاسي الأمريكي ويليام جينينجز برايان عام 1896. حيث استخدم استعارة “التسرب” لوصف تدفق الثروة من الطبقات العليا إلى الطبقات الدنيا.
كما يعود الفضل في صياغة مصطلح “اقتصاد التسرب” أو “اقتصاد التدرج” إلى الكاتب الساخر ويل روجرز. الذي استخدمه في انتقاد سياسات الرئيس هوفر خلال فترة الكساد الكبير.
فقد وصف روجرز في عمود له عام 1932 كيف أن السياسات الاقتصادية التي تركز على دعم الأثرياء تفشل في الوصول إلى الفقراء، مشبهاً ذلك بمحاولة سقي الأرض من الأعلى بدلاً من الأسفل.
وأيضًا، يرجع استخدام مصطلح “اقتصاد التسرب” إلى أوائل القرن العشرين، فقد استخدم القومي الهندي جواهرلال نهرو هذا المصطلح لانتقاد الاستعمار البريطاني للهند. وأشار إلى أن الثروة المستولى عليها من المستعمرات قد “تسربت” إلى الطبقات العاملة في بريطانيا.
كما استخدم الرئيس الأمريكي ليندون جونسون هذا المصطلح لانتقاد سياسات الجمهوريين الاقتصادية. واصفًا إياها بأنها تركز على الأثرياء على حساب الفقراء. ووفقًا لكاتب الخطابات الرئاسية صمويل روزنمان؛ فإن هذه السياسات كانت سائدة في الولايات المتحدة منذ عشرينيات القرن الماضي.
هل “التسرب إلى الأسفل” الحل السحري للنمو الاقتصادي؟
تعد نظرية “التسرب إلى الأسفل” أو اقتصاد التدرج إحدى النظريات الاقتصادية التي حظيت باهتمام واسع على مر السنين. وذلك خاصة في الأوساط السياسية والاقتصادية الليبرالية.
كما تقترح هذه النظرية أن تخفيض الضرائب على الأثرياء والشركات، وتخفيف القيود التنظيمية على القطاع المالي، هو الطريق الأمثل لتحفيز النمو الاقتصادي.
كيف تعمل هذه النظرية؟
الفكرة الأساسية وراء هذه النظرية بسيطة: إذا زودنا الأثرياء والشركات بأموال إضافية من خلال تخفيض الضرائب، فسوف يستثمرون وينفقون هذه الأموال؛ ما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.
كما أن هذه الزيادة في الطلب سيحفز الشركات على التوسع وزيادة إنتاجها؛ ما يؤدي بدوره إلى خلق المزيد من فرص العمل وزيادة الأجور. وبالتالي، ستنتشر الثروة تدريجياً من الطبقات العليا إلى الطبقات الدنيا، مما يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل.
الانتقادات الموجهة للنظرية
على الرغم من بساطة نظرية الاقتصاد المسرب أو المتدرج، إلا أنها تواجه العديد من الانتقادات. ويجادل منتقدو هذه النظرية بأن:
لا يوجد دليل قاطع على صحتها؛ إذ تشير العديد من الدراسات الاقتصادية إلى أن هناك علاقة ضعيفة أو معدومة بين تخفيض الضرائب على الأثرياء وزيادة النمو الاقتصادي.
كما ينتقد عليها أنها تركز على الأثرياء. إذ أن هذه النظرية تركز بشكل كبير على تحفيز الاستثمار والاستهلاك لدى الأثرياء. وتغفل عن أهمية الدخل المتاح للطبقات الدنيا في تحفيز الطلب.
تزيد التفاوت؛ إذ قد تؤدي هذه السياسات إلى زيادة التفاوت في الدخل والثروة. كما أنها تؤدي إلى تآكل الطبقة الوسطى وتقويض الاستقرار الاجتماعي.
وختامًا، تظل نظرية “التسرب إلى الأسفل” موضوعًا للجدل والنقاش بين الاقتصاديين والسياسيين. وعلى الرغم من أنها تتمتع بشعبية كبيرة في بعض الأوساط. إلا أنها تواجه العديد من الانتقادات والتحديات.
كما تشير الأدلة المتاحة إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة لتقييم فعالية هذه النظرية في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل.