لقد مارست العديد من الشركات لمدة طويلة، شكلًا من أشكال المسؤولية الاجتماعية والبيئية بأهداف ذات نطاق واسع للمساهمة ببساطة في رفاهية المجتمع الذين يؤثرون به ويعتمدون عليه. لكن هناك ضغط متزايد باعتبار المسؤولية الاجتماعية للشركات كنوع من تخصص الأعمال والمطالبة بأن تسلّم النتائج لكل مبادرة أعمال.
ويتطلب ذلك مغالاة في المسؤولية الاجتماعية للشركات، ويغفل عما يجب أن يكون عليه هدفها الرئيس؛ وهو: مواءمة نشاطات الشركة الاجتماعية والبيئة مع غرض أعمالها وقيمها. فإذا كان في القيام بتلك النشاطات المسؤولية الاجتماعية تقليلًا من حدة المخاطر، وتعزيزًا لوجود السمعة والمساهمة في نتائج الأعمال، فإنها أمور جيدة. لكن بالنسبة لبعض برامج المسؤولية الاجتماعية للشركة، فينبغي أن يكون لتلك النتائج انعكاسات، وليست سببًا في وجودهم.
ولكي تفهم كيف تم ابتكار لشركات المسؤولية الاجتماعية للشركات وتنفيذها على مدى العقد الماضي، فقد أجرينا مقابلات معمّقة مع العشرات من المديرين والمديرين التنفيذين عن استراتجية المسؤولية الاجتماعية للشركات لصالح شركاتهم، واستخدمنا العشرات من دراسات الحالات بشأن هذا الموضوع، واستطلعنا آراء 142 مديرًا ممن حضروا البرنامج التعليمي التنفيذي للمسؤولية الاجتماعية للشركات في مدرسة هارفارد للأعمال خلال السنوات الأربع الماضية، فكانت النتائج التي توصلنا إليها مرضية بشكل ملحوظ.
وعلى الرغم من نموذج المتابعة المقبول على نطاق واسع “لقيمة المشاركة” – بخلق قيمة اقتصادية بطرق تخلق أيضًا القيمة لأجل المجتمع – إلا أنّ بحثنا يشير إلى أنّ هذا ليس هو القاعدة. وبدلًا من ذلك، تمارس معظم الشركات جانبًا متعدد الأوجه للمسؤولية الاجتماعية للشركات التي تدير سلسلة أعمال خيرية وإنسانية، إلى الاستدامة البيئية، إلى السعي الحثيث للقيمة المشاركة.
وعلاوة على ذلك، تبدو الشركات التي تدار إدارة جيدة أقل اهتمامًا بدمج كامل المسؤولية الاجتماعية مع استراتيجيات أعمالها، بدلًا من أن تضع برنامجًا قويًا للمسؤولية الاجتماعية للشركات يتماشى مع غرض الشركة وقيمها.
وبالرغم من أن العديد من الشركات تتبنى هذه الرؤية الواسعة للمسؤولية الاجتماعية ، لكن يتم عرقلتها لضعف التنسيق، والافتقار إلى الاتصال المنطقي لبرامجهم المتنوعة، كما وجدنا أن برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات تبدأ وتدار في الغالب بطريقة غير منسقة بواسطة مجموعة متنوعة من المديرين التنفيذين ، وفي كثير من الأحيان تدار من دون مشاركة فعّالة من المديرين التنفيذين.
ولتعظيم تأثيرها الإيجابي على الأنظمة الاجتماعية والبيئية التي يتم تشغيلها، ينبغي على الشركات تطوير استراتيجيات متماسكة للمسؤولية الاجتماعية للشركات. وهذا ينبغي أن يكون جزءًا أساسيًا من وظيفة كل مدير تنفيذي ومجلس الإدارة. وتماشيًا مع برنامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، يجب أن تبدأ بعملية جرد ومراجعة للمبادرات القائمة. ويوضح عملنا مع الشركات -عبر النطاق الجغرافي ونطاق الأعمال- أن نشاطات الشركات للمسؤولية الاجتماعية تقسّم نموذجيًا بين ثلاث مراحل من الممارسة:
التركيز على العمل الخيري:
لا تعتبر البرامج في هذه المرحلة مصمّمة لتحقيق أرباح أو تحسين أداء الأعمال بصورة مباشرة. ومن الأمثلة على هذه المرحلة: تقديم هبات من المال أو المعدات إلى منظمات المجتمع المدني، والانخراط مع مبادرات المجتمع، ودعم العمل التطوعي للموظف.
تحسين الكفاءة والفعّالية:
تعمل البرامج في هذه المرحلة داخل نموذج عمل موجود لتحقيق فوائد اجتماعية أو بيئية بوسائل تدعم عمليًا تشغيل الشركة عبر سلسلة القيمة، والتي غالبًا ما تحسّن من الكفاءة والفعالية؛ وبالتالي زيادة العائد، وتخفيض التكلفة أو كليهما. وتشمل أمثلة هذه المرحلة مبادرات الاستدامة التي تقلل من استخدام المصادر، أو النفايات، أو الانبعاثات؛ ما قد يقلل بدوره من التكاليف والاستثمارات في ظروف عمل الموظفين، أوالرعاية الصحية، أوالتعليم والتي تعزز بدورها من القدرة الإنتاجية، وسمعة الشركة.
التحوّل إلى نموذج الأعمال:
تنتج البرامج في هذه المرحلة أشكالًا جديدة لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية. فأداء الأعمال المعزز – وهو أحد مطالب المبادرات في هذه المرحلة- يقوم على تحقيق نتائج على الصعيد الاجتماعي والبيئي . ويعتبر مشروع شاكاتي لشركة يونليفر هيندوستون في الهند ( ” تمكين”) نموذجًا جيدًا لهذا الأداء. وبدلًا من استخدام نموذجها العرفي للتوزيع من تجار الجملة إلى تجار التجزئة للوصول إلى القرى القريبة، تستأجر الشركة نساء القرية لتساعدهن على الحصول على قروض متناهية الصغر، وتقوم بتدريبهن على بيع الصابون، والمنظفات، و منتجات أخرى تباع على أساس من الباب إلى الباب. حاليًا هناك أكثر من 65 ألف رائدة أعمال يشاركن بهذا المشروع. ومع زيادة حصول المناطق الريفية على المنتجات الصحية والنظافة، تزداد معها المساهمة في تعزيز الصحة العامة.
إنّ هذه المكاسب الاجتماعية قد قوبلت بالمكاسب التجارية للشركة، باعتبار أن مشروع شاكاتي لعام 2012 قد حقق إيرادات تزيد عن 100 مليون دولار. وقد أدى نجاحه، إلى دفع شركة يونليفر إلى طرح برامج أصغر في أطراف أخرى من العالم.
ويشير مشروع شاكاتي إلى عدم حاجة البرامج في المراحل الثلاث لأن تكون شاملة، فغالبيتها مبادرات خجولة وضيقة النطاق تقوم مع الشريحة المركزة على السوق أو خط الإنتاج الموضوعين في الاعتبار، لكن مع احتمالية كبيرة لتغير التأثير الاجتماعي والبيئي للشركة والأداء المالي أيضًا. وتدعو مبادرات المراحل الثلاث دائمًا إلى نماذج أعمال جديدة، عوضًا عن الملحقات الإضافية.
وبالرغم من أنّ كل نشاط من أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات يمكن أن يستند أساسًا على مرحلة واحدة، إلا أن الحدود مليئة بالثغرات، فالبرا مج الموجودة في المرحلة الواحدة يمكن أن تؤثر على مثيلتها في المراحل الأخرى. فعلى سبيل المثال، قد تحسن مبادرة المرحلة الأولى من سمعة الشركة؛ وبالتالي زيادة حجم المبيعات. وهكذا، بينما هي لم تكن مصمّمة لإدارة نتائج العمل، لكن قد ينتهي بها المطاف إلى القيام بذلك وإنهاء النتيجة للمرحلة الثانية.
وبالمثل ، قد تؤدي الأنشطة في المرحلة الثانية إلى ظهور نماذج عمل جديدة؛ وبالتالي إنهاؤها للمرحلة الثالثة.