قد يبدو مثيرًا للدهشة أن نتحدث عن الدروس المستفادة من عام 2020، خاصة أن هناك شبه إجماع على أن هذا العام كان ثقيلًا وقاسيًا، وعانينا فيه جميعًا الويلات، لكنه، ومن هذه الزاوية بالذات، ينطوي على الكثير من الدروس التي من الممكن أن نتعلمها من خلاله، وتكون زادًا لنا في رحلة حياتنا.
لكن قبل أن ننخرط في محاولة استخلاص الدروس المستفادة من 2020 علينا أن نشير إلى أمرين تأسيسيين؛ يتمثل الأول في أن الأوقات الصعبة والظروف القاسية هي وحدها التي تعلّمنا شيئًا عن أنفسنا وعن الناس، وهي التي تنطوي على فكرة حقيقية ودرس كامن يجب استخلاصه منها.
أما الأمر الثاني فمفاده أن المعنى أو الدرس المستفاد من حدث أو من واقعة ليس مُلقى في العالم الخارجي بانتظار أن تعثر عليه مصادفة، بل إن المسألة على العكس من ذلك تمامًا؛ فلكي تظفر بمعنى أو تفك شفرة علامة (لو كنت مؤمنًا بالعلامات) فلزامًا عليك أن تبذل قصارى جهدك وتنفق حُشاشة نفسك كي تصل في النهاية إلى المراد.
كل هذه التفصيلات تقول لنا شيئًا واحدًا: استخلاص الدروس المستفادة من 2020 أو غيره من الأعوام أو الوقائع ليست بالمهمة السهلة، سوى أن صعوبة المسألة هي ما تحفّز على خوض غمارها.
اقرأ أيضًا: الصراحة في العمل.. متى وكيف؟
أهم الدروس المستفادة من 2020
ينهج الناس طرقًا ومنهجيات مختلفة عند التصدى لمثل هذا النوع من القضايا، وأشهر هذه الطرق أن يخرج شخص ما إلى الناس متحدثًا عما تعلّمه هو نفسه من العام، وكيف أثر فيه، لكن تلك الطريقة _وإن كانت مهمة_ فلن يكون عليها معتمدنا هنا.
وسنذهب في المسار المغاير؛ حيث سنفعّل أدوات ومنهجيات عالم الاجتماع، وبالتحديد منهج الملاحظة بالمشاركة (على اعتبار أن كاتب هذه الكلمات هو أحد الأشخاص الذين كُتب لهم أن يشهدوا على تحولات عام 2020 وتأثير جائحة كورونا في مجريات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء).
باختصار سنحاول _خلال استقرائنا لأهم الدروس المستفادة من 2020_ الوقوف على أهم الظواهر التي اتخذتها حياتنا وقت الجائحة، والكيفية التي يمكن أن يؤثر بها ذلك في طريقة عيشنا فيما بعد، لا سيما أن هناك من يدّعي أننا لن نعيش حياتنا بعد انقضاء أزمة كورونا كما كنا نعيشها من قبل.
والآن إليك أهم الدروس المستفادة من 2020 وفقًا لمنظور «رواد الأعمال» وذلك على النحو التالي..
اقرأ أيضًا: كيف تكون الأفضل في عملك؟
-
الإبطاء مفيد
كثيرون يمجّدون السرعة، وآلتها الجهنمية ودوران عجلتها المحموم، لكن أحد أهم الدروس المستفادة من 2020 هو أن «الإبطاء مفيد»، البطء أصلًا فرح، والعجلة حيلولة بين الأمور وأخذ مسارها الصحيح.
بهذا المعنى فإن البطء يسمح لنا بأن نتشرب الوجود، بكل حوادثه وتفاصيله، قطرة قطرة وعلى مهل. كل شيء كامن ومطمور لكن بالبطء يمكن العثور عليه.
وتحدث كارل أونريه في كتابه «في مديح البطء» عما أسماه «عبادة السرعة»؛ إذ الجميع مهووس بالانتهاء، بالوصول إلى النهاية؛ رغبة في الانتقال إلى الأمر الذي يليه، دون أن يتمكن من فهم شيء أو الاستفادة من شيء.
فالإبطاء وكبح جماح عجلة حياتنا يساعدنا، وكل حادث معقد أو بسيط يتوفر على معنى ما كامن فيه، سوى أنك لن تعثر عليه إلا بعد أن تمنحه حقه من التدبر والنظر.
إن واحدًا من الدروس المستفادة من 2020 أنه أجبرنا على الإبطاء، وبعدها فقهنا عن حق ما لدينا من نعم وفضائل؛ إذ عثرنا في وجودنا الصغير، خاصة أثناء الحجر التام، على ما يتوفر لدينا ولم نكن نعيره التفاتًا.
وكان ميلان كونديرا ثاقب النظر حين أشار في رواية «البطء» إلى أحد معالم ما يسميه «الرياضيات الوجودية» حين خَلُص إلى الاستنتاج التالي:
«في الرياضيات الوجودية تأخذ هذه التجربة شكل معادلتين أوليتين؛ تقوم الأولى على تناسب درجة البطء مع حدة الذاكرة، والثانية على تناسب درجة السرعة مع حدة النسيان». (البطء، ص 34).
اقرأ أيضًا: مهارات ريادة الأعمال.. الشغف والعزيمة أبرز السمات
-
طلب المساعدة محتم
أحد الدروس المستفادة من 2020 أن أحدًا لا يمكنه أن يعيش بمفرده. أعلم أنك ربما تكون منعزلًا لكني أعلم أيضًا أن لديك، بلا شك، دائرة صغيرة تعتمد عليها وتلجأ إليها كلما حَزَبك أمر أو أصابك مكروه.
سوى أن فضيلة 2020 أنه ساق الذين يأبون طلب المساعدة إلى طلب العون من الآخرين؛ فمهما كنا شجعانًا أو أقوياء فإننا أضعف من أن نخوض معركة الحياة منفردين، تأمل مثلًا: روبنسون كروزو، فيلم Cast a way، وفيلم Life of Pie.. إلخ، وستجد أن أحدًا لم يحتمل الحياة بمفرده، وإنما كان لا بد من وجود معين له على ذلك، بغض النظر عن ماهية الوسيلة التي التجأ إليها.
وعلى ذلك فإن أحد الدروس المستفادة من 2020 أن طلب المساعدة أمر محتم، بل شرط رئيسي من شروط العيش والوجود؛ فكوني أطلب منك مساعدة ما معناه أني أخرج من ذاتي وأرتحل إليك، أعترف بنقصي وأريد منك إكمالي، وأنت سوف تفعل الأمر ذاته في الوقت المناسب.
اقرأ أيضًا: التعامل مع الأخطاء في العمل.. كيف تحمي سمعتك المهنية؟
-
السعادة ممكنة
لعلي أنا وأنت متفقان على أن عام 2020 كان عامًا حزينًا، فقدنا فيه أحبة، وسُرح بعضنا من وظائفه.. إلخ، لكن لا يوجد أحد بإمكانه إنكار أنه عاش بعض اللحظات السعيدة خلال هذا العام أيضًا.
السعادة قرار، كلنا يعلم هذا تقريبًا، لكن واحدًا من الدروس المستفادة من 2020 أن «السعادة ممكنة». السعادة موجودة في باحة دارك، في حجرتك الصغيرة، لكن لا أحد يأبه إليها. ومن بين فضائل كورونا أنها قادتنا إلى الداخل أكثر لنتأمل الإمكانات التي تتوفر لدينا، والتي لم نكن نلحظ وجودها أبدًا.
ليس هذا فقط، ولكن أحد أهم الدروس المستفادة من 2020 أن ثمة جانبًا جيدًا في كل شيء، كورونا أزمة كبيرة صحيح لكنها أتاحت لنا الكثير من وقت الفراغ الذي أمكننا فيه متابعة شغفنا وبعض هواياتنا، أتاحت لنا الفرصة لكي نمارس الرياضة، وننتبه إلى أفراد العائلة ونستمع إلى مشكلاتهم.. إلخ.
اقرأ أيضًا: العمل الإجباري.. سبيل ردع الكفاءات
-
توقع اللا متوقع
التخطيط أمر جيد، لكن الأجود منه أن تتوقع ما هو غير متوقع أصلًا، وأن تضع له الخطط والسيناريوهات البديلة. قد يظن البعض أن هذا نوعًا من اليأس أو الاستغراق في السوداوية، لكن الأمر على خلاف ذلك.
فحين نمعن في توقع اللامتوقع فإن هدفنا من ذلك هو محاولة تملك زمام حياتنا، والسيطرة التامة عليها. فعند نهاية 2019، على سبيل المثال، ربما وضعت خططًا وأهدافًا جيدة لكن ظروف عام 2020 أتت على بنيان خططك وأهدافك من القواعد، ترى فيما تمثل خطؤك إذًا؟
أنت أخطأت حين تصورت أن الأمور ستسير كما خططت، كما هي على الورق، في حين أنه كان لزامًا عليك أن تفكر في كل ما هو غير متوقع، وأن تعرف كيف ستتعامل معه إن وقع.
اقرأ أيضًا:
المرأة القوية المستقلة.. وعي ومسؤولية
متلازمة التعب المزمن.. حقيقة أم أوهام؟
قيود النجاح والالتزام به.. كيف تصل إلى هدفك؟