استطاعت الطباعة ثلاثية الأبعاد أن تتصدر المشهد العالمي بعدما صار اللجوء إليها كبيرًا، وباتت نتائجها ملموسة على الصعيد العالمي؛ لكن يظل مفهوم هذه الطباعة عصيًا على الفهم بالنسبة للعديد من الفئات، رغم عودتها إلى القرن الماضي؛ ورغم أهميتها الكبرى في وقت الأزمات على وجه الخصوص، بينما تفتح آفاقًا جديدة نحو المستقبل.
وبخصوص الطباعة ثلاثية الأبعاد، كشف الدكتور أحمد علي باصلاح؛ رئيس مكتب تقنيات الطباعة والبناء 3D للاستشارات وأستاذ الهندسة الميكانيكية المساعد بجامعة أم القرى، في تصريحات خاصة لموقع “رواد الأعمال“، عن تأثيرها في مستقبل قطاع ريادة الأعمال، موضحًا مفهومها، وكيف يمكن أن تساهم في دعم القطاع الصحي؛ خاصة في ظل أزمة وجائحة “كورونا”.
ما هي الطباعة ثلاثية الابعاد؟
قال الدكتور أحمد باصلاح إن الطباعة ثلاثية الأبعاد تنقسم إلى عدة تقنيات للتصنيع؛ حيث ابتكر أولى هذه التقنيات “شارلز هل” عام 1986 في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد أنها تعمل على مبدأ التصنيع الطبقى للقطعة من خلال التشريح للملف الرقمي، ومن ثم طباعة هذه الشرائح بشكل طبقي فوق بعضها البعض حتى اكتمال كامل النموذج المراد تصنيعه.
دعم القطاع الصحي
وعن مساهمتها في دعم القطاع الصحي، أوضح الدكتور أحمد باصلاح أنه: “قبل عام 2020، كان الاعتماد في التصنيع الكمي للمستهلكات الطبية يتمركز في عدة دول بجنوب شرق آسيا ذات التكلفة الإنتاجية المنخفضة، وبشكل كبير في الصين. وعند بداية الأزمة ودخول الصين في الحجر الصحي؛ ما نتج عنه توقف العجلة الصناعية بشكل شبه كامل تلتها بعد ذلك العديد من البلدان، إضافة الى الحظر الذي أصدرته العديد من البلدان بشأن تصدير المنتجات الطبية اللازمة لمكافحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»؛ والذي أدى إلى انهيار سلاسل الإمداد العالمية، وبالتالي نتج عن ذلك نقص كبير في المنتجات المتعلقة بمكافحة الوباء، مثل المستهلكات الطبية من معدات الحماية الشخصية (PPE)، والمطهرات، ومسحات الاختبار التشخيصية، إلى جانب أجهزة التنفس الصناعي بأرجاء العالم كافة”.
وأضاف: “أجبر هذا العجز كل المبتكرين والمطورين على البحث عن حلول ولفت الأنظار لتقنيات التصنيع الحديثة والرشيقة في نفس الوقت ومنها الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ والتي تفوقت وتغلبت على مشكلة سلاسل الامداد التقليدية لسهولة الإنتاج بها؛ حيث يمكن بدء الإنتاج بها محليًا، بدون استخدام أجهزة التشغيل الثقيلة”.
وأوضح رئيس مكتب تقنيات الطباعة والبناء 3D للاستشارات: “أنه يتم الإنتاج من ملف تصميم يتم تطويره في أي مكان في العالم ومشاركته على الإنترنت، علمًا بأن هذه الملفات يمكن تصميمها بطريقة الهندسة العكسية باستخدام ماسحات ضوئية ثلاثية الابعاد؛ والتي تعتبر من أهم المميزات التي يمكن إضافتها إلى جانب استقلالية الطابعات ثلاثية الأبعاد كأداة إنتاج، والتي تقصر بشكل كبير دورة حياة المنتج إلى السوق من عدة أسابيع إلى أيام قليلة”.
اقرأ أيضًا: طبيب سعودي يستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لإحداث ثورة عالمية
تأثير الطابعات ثلاثية الأبعاد في رواد الأعمال
قال الدكتور باصلاح: “إن انتشار الطابعات ثلاثية الأبعاد وتوافرها يجعل منها تقنية تصنيعية عملية للإنتاج في كل الأوقات، وطبعًا منها أوقات الأزمات؛ حيث يمكن لأي رائد أعمال لديه معرفة بالتصميم الثلاثي الأبعاد تصميم ومشاركة ملفات التصميم بشكل مدفوع أو مجاني في المنصات الإلكترونية للتصاميم مفتوحة المصدر، مثل Thingiverse أو غيرها المدفوعة؛ ما يمكّن المستخدمين من الوصول إلى التصميم في أي مكان بالعالم، وطباعة هذه التصاميم باستخدام طابعاتهم الثلاثية الأبعاد الشخصية”.
وأضاف: “هذه الطريقة للتصنيع قد تتعارض مع الطريقة التقليدية والمعتمدة على التصنيع المركزي في مصانع محددة، ومن ثم المرور عبر التعقيدات اللوجستية التقليدية؛ لكنها توفر فرصة لتجاوز الخطوات البيروقراطية والمستهلكة للكثير من الوقت”.
اقرأ أيضًا: الغدير لـ “رواد الأعمال”: هاكاثون المنشآت الصغيرة والمتوسطة يقدم الحلول في ظل أزمة كورونا
التقنيات الحديثة والتغلب على الأزمات
اختتم رئيس مكتب تقنيات الطباعة والبناء 3D للاستشارات تصريحاته مؤكدًا تأثير التقنيات الحديثة في التغلب على الأزمات، والتخلص من آثارها السلبية، قائلًا: “على سبيل المثال، من أوائل الدول الغربية التي ضربها الوباء بعنف كانت إيطاليا؛ حيث كانت البلاد في حالة إغلاق تام عن بقية العالم، وكان هناك نقص في الصمامات التي تربط أجهزة التنفس بالمرضى. هذه الصمامات يجب استبدالها من مريض لآخر، وفي ذلك الوقت، تواصل العديد من المسؤولين في أحد المستشفيات الإيطالية بشركة ناشئة محلية تعمل في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ بحثًا عن حل لهذه المشكلة”.
واستطرد الدكتور أحمد باصلاح : “عرضت الشركة هندسة عكسية لهذه الصمامات وبدأوا العمل على الفور، ثم استخدموا الطباعة ثلاثية الأبعاد لتوفير 95 صمامًا في غضون يومين. هذا بالإضافة إلى ما فعلته شركات، مثل Craftbot ،BigRep، من تسخير مواردها وطابعاتها لإنتاج الآلاف من واقيات الوجه التي يستخدمها الممارسون الصحيون في مواجهة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»؛ والتي تعتبر من الضروريات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، ومركز مكافحة العدوى الأمريكي CDC”، مشيرًا إلى وجود العديد من الأمثلة حول العالم التي تثبت أهمية الطابعات ثلاثية الأبعاد وتأثيرها في التغلب على الأزمات.
اقرأ أيضًا:
هاني رجب لـ”رواد الأعمال”: هاكاثون SMEs يصنع الفرص في وقت الأزمات
معتز السليم لـ”رواد الأعمال”: الأزمات تصنع حلولًا مبتكرة وفرصًا ريادية
«فواز نشار»: الاقتصاد الرقمي سرّع دورة العمل وادخر الكثير من الوقت والجهد