ينعم المرضى في هذا العصر بالعلاج والرعاية الصحية بكفاءة أكبر من ذي قبل؛ وذلك بفضل التقدم المستمر الذي نشهده في المجالين الطبي والتقني حول العالم.
ولقد أصبحت صناعة العلاج -المتمثلة في ابتكارات التقنيات الطبية – سلعة وقِبلة لاقتصادات الدول واستثماراتها؛ ما يجعل لدخول هذا السباق الاقتصادي مردوده محليًا؛ بزيادة الأمن الدوائي وتوفير الوظائف، وخارجيًا؛ بزيادة الإيرادات غير النفطية، وزيادة قدرة الدول على منافسة المنتجات المستوردة، وتعاظم قدرتها على التصدير.
ويتباين الابتكار في التقنيات الطبية عن باقي مجالات الابتكار، من مراحل بزوغ الفكرة إلى تجسيدها في الأسواق؛ حيث تتكون مراحل الابتكارات الطبية من خمس مراحل:
الأولى: تبدأ من معرفة الاحتياج الطبي، وحتى الوصول إلى الحل التقني (الابتكار).
الثانية: تبدأ من إعداد النموذج الأولي من الابتكار، إلى الوصول إلى التصميم النهائي والمعد للاختبارات (غير الإكلينيكية) التي تسبق بدء الإنتاج.
الثالثة: تبدأ من التجارب السريرية، إلى الحصول على ترخيص، أو إذن من الهيئات الرقابية بتسويق المنتج.
الرابعة: تبدأ من ترخيص الابتكار، إلى اعتمادها من جهات الشراء؛ كالتأمين أو جهات الشراء الموحّد.
الخامسة: تبدأ من الإنتاج والبيع محليًا، وحتى تصدير الابتكار إلى أسواق جديدة.
استراتيجية محددة
وانطلاقًا من هذه المراحل، يمكن إعداد استراتيجية محددة على مستوى الدولة؛ لتعزيز الابتكار في التقنيات الطبية، ترسم خريطة الطريق بمشاركة جميع القطاعات ذات العلاقة بأبحاث التعليم والرعاية الصحية والاقتصاد والصناعة، وترتكز على المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ انطلاقًا من أن شرارة الابتكار يشعلها ممارسو وتقنيو سلسلة الرعاية الصحية بجميع مراحلها (الوقاية، والفحص، والعلاج، والمتابعة، والتأهيل، والرعاية ما بعد العلاج)، على أن تهدف هذه الاستراتيجية- على غرار الدول المتقدمة في التقنيات الطبية- إلى ثلاث ركائز:
1- تعزيز قدرة المنشآت على المنافسة:
يتأثر دخول مجال الابتكارات الطبية والمنافسة فيه، بعدة عوامل، فإذا أخذنا في الاعتبار أن السوق مفتوح، وأن عجلة الابتكار حول العالم لا تتوقف؛ فلن نستطيع منع دخول منتجات شبيهة أو ابتكارات جديدة ذات جدوى أكبر على الرعاية الصحية، ويرغب الممارس في اقتنائها، وذات فوائد لصحة المريض.
وكما هي طبيعة الحال في أي صناعة، قد يظهر بعد طرح الابتكار في الأسواق، ما يستدعي سحبه منها. لذلك، ولتخفيف وطأة ذلك على المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قدرتها على التنافس، يتحتم مراعاة النقاط السبع التالية:
• توفير بيئة تكافئ الجهود البحثية التطبيقية، والموجهة لسد حاجة منظومة الرعاية الصحية المحلية، وآليات دعم للابتكار.
• ضوابط وإجراءات و\تحفظ حقوق المبتكرين، وتمنع التنافس غير العادل، وتحارب تقليد المنتجات.
• ربط معلومات الجهات- المرتبطة بتقديم خدمات الرعاية الصحية- بعضها ببعض؛ للإسهام في رسم صورة أوضح عن مكامن النقص والاحتياج في المنظومة.
• إعداد برامج تدعم المنشآت ماديًا في عملية الامتثال لمتطلبات الهيئات الرقابية محليًا ودوليًا.
• التغذية المعرفية لمجال التقنيات الطبية بمعارف من المجالات غير الطبية الأخرى ذات الوتيرة السريعة في الابتكار؛ مثل مجال تقنية المعلومات والاتصالات.
• إعداد نموذج عمل لمبتكري التقنيات الطبية، يراعي مقدمي الرعاية الصحية، وجهات الشراء من تأمين شراء موحّد.
• النظر في هيكلة التجارب السريرية، والخروج بآلية تقلل تعقيدها وتكاليفها، وتحافظ على فاعليتها.
2- توجيه الابتكارات لرفع القدرة العلاجية لمنظومة الرعاية الصحية:
تتميز أي منظومة رعاية صحية عن أخرى، بقدرتها على تلبية الاحتياج الصحي لسكان تلك الدولة بحسب ديموجرافيتهم. لذلك، يعد الابتكار في التقنيات الطبية أداة فعالة لرفع القدرة العلاجية للمنظومة؛ من خلال منظومة رعاية صحية تقوم بالآتي:
• تحليل أداء وبيانات المنظومة وإتاحتها، وبناءً على ذلك توضع ملامح احتياج المنظومة؛ ليتمكن الباحث أو المبتكر من توجيه دفة البحث عن حل يواكب احتياج المنظومة المبني على حقائق وأرقام، وكذلك تستطيع المنظومة وضع أسس استراتيجية تتبنى وتدعم الأبحاث والابتكارات التي تسهم في دعم أدائها.
• توجيه قياس مؤشرات جودة الرعاية الصحية؛ بما يلبي حاجة المريض، بدلًا من كفاءة الإجراءات.
• دعم وتشجيع التجارب السريرية التي تبحث في أغراض الاستخدام الأخرى، والتوظيف الفعال للابتكار في المنظومة، بحيث لا يقتصر فقط على فترة التجارب السريرية التي تسبق الإذن بتسويق الابتكار، بل ويمتد إلى ما بعد طرح المنتج بالأسواق.
3- تعزيز الابتكار والبحث في التقنيات الطبية:
يمر الابتكار في مجال التقنيات الطبية- في رحلته للوصول إلى السوق- بمرحلة تجربته على المريض؛ وذلك من خلال تجارب سريرية، بإشراف مراكز طبية مؤهلة للقيام بهذه الأبحاث.
ولاشك في أن محدودية عدد هذه المراكز يؤثر سلبًا على تكلفة المنتج على المبتكر من جانب، وعلى تكلفة الرعاية الصحية من جانب آخر، إذا أخذنا في الاعتبار أن إجراء التجارب السريرية يتم على حساب تقديم الرعاية الصحية المعتمدة في هذه المراكز.
ومن العوائق التي تخفف سرعة دوران عجلة الابتكار في التقنيات الطبية، أن الموارد البشرية المتخصصة- في الجانبين التقني والطبي والتي تدور على أساسها هذه العجلة- تعد محدودة؛ لذلك يجب أن تشتمل الاستراتيجية الداعمة للابتكار والأبحاث على ما يلي:
• تغيير إستراتيجية دعم وتمويل الأبحاث؛ ليكون منطلقها السوق؛ لتصل إلى الجامعات ومراكز الأبحاث عبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة المبتكرة في التقنيات الطبية.
• تعزيز الاستفادة المثلى من الخبرات الطبية والتقنية الموجودة، وإضفاء المرونة اللازمة لتسهيل دخولهم وإسهامهم في الابتكار بمختلف مراحله.
• توجيه دعم وتمويل التدريب والابتعاث، خصوصًا في المجالات العلمية ذات التعددية في التخصصات؛ ليكون موجهًا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ لتفادي معضلة نقص الكفاءات.
المهندس عمر السحيم
مدير أنظمة وتشريعات أجهزة طبية معتمد