تُعد أخلاقيات العمل اليوم من الأمور المهمة لشغل الوظائف في منشآت الأعمال؛ لأنها تعد بمثابة الرقابة الذاتية للفرد؛ لأنه يستطيع أن يميز بين الصواب والخطأ في سلوكه أثناء أداء العمل، ونشهد اليوم استقطاب المنشآت لذوي الأخلاقيات العالية للعمل على أساس أن هؤلاء الأفراد هم الذين يجلبون الأخلاقيات لها أو لأنها ترى أنها تستمد أخلاقياتها من العاملين فيها.
تتماثل أخلاقيات العمل مع المسؤولية المجتمعية وتتكاملان؛ لأن المسؤولية المجتمعية هي إحدى جوانب منهج شامل من أخلاقيات العمل، حيث يرى أقطاب الإدارة أن أخلاقيات العمل هي الإطار الشامل الذي يحكم التصرفات والأفعال تجاه شيء ما، وتوضح ما هو مقبول أو صحيح وما هو مرفوض أو خاطئ بشكل نسبي في ضوء المعايير السائدة في المجتمع بحكم العُرف والقانون، الذي تلعب الثقافة والقيم وأنظمة المنشأة وأصحاب المصالح دوراً أساسياً في تحديده.
وتظهر المسؤولية المجتمعية وأخلاقيات الأعمال في إطار أنشطة المنشآت من خلال وظائفها الإدارية كالإنتاج والعمليات والتسويق والموارد البشرية والإدارة المالية والمحاسبة والعلاقات العامة والبحث والتطوير والموارد المعلوماتية والمعرفية فضلاً عن التخطيط والتنظيم والرقابة والتوجيه والإدارة الاستراتيجية.
تعرف موسوعة “ويكيبيديا” أخلاقيات الأعمال بأنها شكل من أشكال الأخلاقيات التطبيقية التي تدرس المبادئ الأخلاقية والمشكلات الأخلاقية أو الأدبية، التي تنشأ في بيئة الأعمال التجارية، والأمر ينطبق على جميع جوانب إدارة الأعمال ذات الصلة بسلوك الأفراد ومنشآت الأعمال ككل، وقد تكون أخلاقيات الأعمال معيارية وذات انضباط وصفي وتأخذ أيضاً الأسلوب الأكاديمي الوصفي.
وتُعد أخلاقيات العمل اتجاه الإدارة وتصرفها تجاه موظفيها وزبائنها والمساهمين والمجتمع عامة وقوانين الدولة ذات العلاقة بتنظيم عمل المنشآت، إذ ينطبق هذا التعريف بذاته على عمل الافراد، كما تمثل مبادئ مهمة للسلوك المرتبطة بمعايير السلوك الجيد أو غير الجيد أو السلوك الصحيح والسلوك الخطأ في تصرفات الأفراد والجماعة.
وتتجسد مصادر القيم الأخلاقية في المنشآت من خلال جملة من العناصر التي تعمل على تشكيل الأخلاقيات الإدارية من أبرزها الأخلاق الشخصية التي يجلبها الموظفون من المعتقدات الشخصية والقيم إلى بيئة العمل.
كما تلعب ثقافة المنشأة دورا في تشكيل أخلاقيات الأعمال التي تنعكس من خلال القيم والاتجاهات وسلوك المنشأة ذاتها، وغالباً ما تبدأ بصورة عامة بمؤسس أو قائد يوضح وينجز أفكارا وقيما معينة، ويكون مسؤولاً عن خلق ودعم الثقافة التي تؤكد أهمية السلوك الأخلاقي والمسؤولية المجتمعية في المنشأة.
ولا نغفل النظم الرسمية للمنشأة التي تتضمن البنية الأساسية واندماجها مع السياسات والقوانين، فضلاً عن تأثر المنشأة بأصحاب المصالح الخارجيين باعتبارها جزءا من مجتمع كبير وتأخذ بعين الاعتبار أثر قراراتها وأعمالها على كل أصحاب المصالح كالقطاعات الحكومية وحماية البيئة والمنشآت المعنية بالسوق المحلية والعالمية.
العلاقة التي تربط بين المسؤولية المجتمعية وأخلاقيات الأعمال علاقة تداخل وترابط حيث إن الحديث عن إحداهما يرتبط بشكل كبير وضمني بالحديث عن الأخرى، فأدبيات الإدارة الحديثة اشتملت على فصل نمطي يحمل عنواناً مشتركاً هو: المسؤولية المجتمعية وأخلاقيات الإدارة، الأمر الذي يؤكد العلاقة بينهما والتطابق الكبير الذي يدخل المسؤولية المجتمعية لأي منشأة ضمن أخلاقيات العمل وبالعكس لتتحول إلى علاقة تكامل.
تؤكد بعض الدراسات أن 90% من المنشآت العالمية لديها قيم أخلاقية مدونة، الأمر الذي يشير إلى أهمية هذا المفهوم وتناميه خلال العقود الأخيرة، فاهتمام المنشآت بأخلاقيات الأعمال وممارستها لمسؤوليتها المجتمعية باتت ظاهرة بعدما كانت المنشآت تحمل جانباً أخلاقياً يعطيها بعداً أعمق خلال حقبة الستينيات.
المسؤولية المجتمعية نمت وتطورت كنتيجة طبيعية لإخفاق الأعمال في الاستجابة لاحتياجات بيئتها الاجتماعية ولمصلحة الأطراف الأخرى فيها، ويعتبرها البعض أنها نتاج المشكلات الكثيرة حيث ارتبطت الأزمات العديدة بحرية الأعمال ونظرتها الضيقة لمصلحتها الذاتية على حساب المجتمع الذي تعمل فيه، ولم يكن ممكناً استمرار حرية الأعمال خاصة بعد أن واجهت الشركات ظروفاً جديدة ووعياً اجتماعياً وبيئياً ومفاهيم تقوم على المسؤولية المجتمعية وأخلاقيات الأعمال من أجل مراعاة مصلحة الأطراف الأخرى ومصلحة المجتمع ككل.
ومع انتشار مفهوم المسؤولية المجتمعية أصبح من الصعب على منشآت الأعمال التغاضي عن دورها التنموي وإحساسها بالمسؤولية داخل المجتمع، وأهمية المشاركة الاجتماعية التي تتجاوز الشعور بالمسؤولية لتتبنى كسب تعاطف المجتمع واحترامه وضمان النجاح والتميز.
الأخلاقيات أبعد عن الحسابات الاقتصادية؛ لأنها تقترن بالنزوع الأخلاقي للإنسان سواء كان مديراً أو غير ذلك، ويعتبرها الاقتصاديون هي الأولى حتى لو تضاربت مع المصالح الأساسية التقليدية للمنشأة ذاتها، والمسؤولية المجتمعية هي سعي المنشآت لتحقيق المصالح والأطراف ذات العلاقة بالمنشأة، وبالتالي نجد أن الأخلاقيات في السلوك العام للأفراد في المجتمع تعمل على دعم المسؤولية المجتمعية لأي منشأة وتمثل أساساً قوياً للتطور نحو مفاهيم جديدة لأخلاقيات الأعمال التي تطورت وما تزال تتطور وتنمو.
وهناك عديد من العناصر التي تدعم الأساليب المختلفة للحفاظ على معايير أخلاقية عالية في أي مكان أو بيئة عمل من أبرزها التدريب الأخلاقي، ومساعدة الناس على فهم أفضل للاعتبارات الأخلاقية لاتخاذ القرار ولإدماج معايير أخلاقية عالية في سلوكهم اليومي، وحماية من يكشف السلوك غير الأخلاقي، ودعم الإدارة العليا لدعم النتائج الإيجابية في مجال السلوك الأخلاقي في العمل، وإعداد دستور للسلوك الأخلاقي يحدد المعايير الأخلاقية والقيم التى يسترشد بها فى سلوك العاملين بالمنشأة، ويسترشد بها فى المواقف المختلفة، ولا سيما تلك المواقف التي تمثل معضلة أخلاقية خاصة فى بعض المهن مثل الهندسة والطب والقانون والمحاسبة.
الفهم الصحيح للمسؤولية المجتمعية يلزم المنشآت بالاستثمار الجيد في العنصر البشري وترتبط بأخلاقيات العمل في منشآت الأعمال التي ترتبط بالأداء الاجتماعي الذي بدوره يعطي مؤشراً مهما عن مدى استجابة المنشآت اجتماعياً وما تنجزه من أعمال ذات مسؤولية مجتمعية.
* مستشار ومتخصص في الإعلام والعلاقات العامة والمسؤولية المجتمعية CSR.