الفن هو عملية إعادة صياغة للواقع والمألوف، والمعطى سلفًا، وهو إطلاق العنان للخيال ليرسم واقعًا بديلًا، ولئن كان أعظم الروائيين تمكنوا من صناعة ثقب خاص بهم للنظر إلى العالم، فإن مريم الشملاوي؛ الفنانة التشكيلية السعودية فعلت الأمر نفسه ولكن بمداد فرشاتها.
تتقن مريم الشملاوي ما يمكن أن نسميه «التمرد اللوني»، فما من لون من ألوان لوحاتها يعكس الواقع المألوف؛ وإنما تعكس تلك الصورة التي تريد هي، عبر فنها، صناعتها للعالم.
حاولنا في «رواد الأعمال» الاقتراب من تجربة «الشملاوي» الفنية، واستقصاء رؤيتها حول الفن والعالم، فكان لنا معها الحوار التالي..
الشغف حادي الفنان ودليله
كيف كانت رحلتك من عالم الأعمال إلى الفن؟
الفنان الناجح يجب أن يكون بداخله إداري ناجح يدير فنه: تكوينًا، وموضوعًا، ولونًا، وحضورًا في ساحة الفن، وأنا ما زلت أسير في طريق الفن والأعمال ساعية للوصول إلى النجاح في كليهما.
ولم تكن هناك نقلة بمعناها الحرفي تمامًا، ورغم أن سنوات الدراسة والعمل أبعدتني قليلًا عن ممارسة الفن، فالشغف وحب الفن رافقني منذ طفولتي واستمر معي طوال سنوات عمري، إلا أن ضيق الوقت خلال فترة الدراسة وبعدها سعيي للنجاح والتميز في مجال عملي أبعداني عن ممارسة الفن قليلًا.
وبعدها حصلت على عدد من الدورات في مجال الفن؛ كي أدخل هذا العالم الجميل بحرفية أكثر، وأحاول الآن التوفيق بين ممارسة الفن وعملي، وأن أنجح في ممارسة الاثنين، ويكون حضوري في كليهما مميزًا.
اقرأ أيضًا: بول كلي.. الفنان العابر للحدود
المرأة كموضوع للفن
للمرأة حضور قوي في عملك، ما السر وراء ذلك؟
نعم .. هي تظهر كعنصر رئيسي في أغلب أعمالي؛ فالمرأة وبخصوصية تكوينها الإنساني غالبًا ما تتناول مواضيع تخص بنات جنسها، كأحلامهن وتطلعاتهن، ومواضيع أخرى مثل الأمومة والعاطفة بإحساس عالٍ، فريشتي تعكس، غالبًا، مشاعرها عن طريق ملامح الوجه، ومعاناتها وتطلعاتها وهمومها.
تتميز لوحاتك بكثافة وتعددية لونية، ما السبب وراء ذلك؟
أنحاز للألوان الزاهية المخالفة للطبيعة والتي تتمرد على الحقيقية؛ فلن تجد في لوحة من لوحاتي الألوان المعتادة لبشرة الوجه، أو الشعر، وأعشق أن أرى الكثير من الألوان في اللوحة.
وأعتقد أن هذا ما يميزني ويعطيني بصمتي الخاصة في محاولة لكسر قيود الواقع والنمطية، والانطلاق نحو الخيال. وتعكس اختياراتي اللونية في اللوحة حالتي النفسية، فتراها مشرقة حينًا ومعتمة حينا آخر.
اقرأ أيضًا: عباس العقاد.. موسوعية الفكر ومسؤولية الثقافة
التسمية والتلقي الإبداعي
لماذا لا تطرحين تسميات للوحاتك؟
اللوحة الفنية بدون تسمية هي دعوة من الفنان إلى المتلقي ليملأ الفراغ تبعًا لما يمليه عليه خياله، أن يسرح بخياله في اللوحة ويفهمها بطريقته الخاصة دون أن يقيده الاسم بإطار فكري محدود؛ لهذا لا أفضل تسمية لوحاتي؛ لأنني أعتبر أن شرح أو تسمية اللوحة قد يضيق مساحة الخيال للمتلقي تجاهها.
لماذا تركزين على بعض التفاصيل أحيانًا، في حين تنتقلين إلى المشهد العام في أحيان أخرى؟
يقول ابن القيّم: «إن العيون مغاريف القلوب، بها يُعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها».
والعين مرآة الروح، ولغة المشاعر، وكل الأحاسيس والعواطف يمكن أن ترسلها وتوصلها للمتلقي بنظرة العين. وفي رسمي يهمني إيصال الشعور للمتلقي، وغالبًا تكون العين هي النافذة لذلك.
وفي أحيانٍ أخرى تكون حركة الجسد أو استمالة الوجه، أو تعابير الشفاه هي ما يتكفل بإيصال الحالة النفسية والمزاجية في اللوحة.
إلهام الفنان
كيف تحصلين على الإلهام؟ وما هي ممارساتك الإبداعية؟
أعشق التأمل؛ تأمل الحياة من حولي. فالعالم مليء بالمشاهد والتفاصيل التى تقدم للمبدع مادة ومصدر إلهام وموضوعات تخدم الفكرة، وهنا يأتي دور الفنان في تحويل الفكرة أو الحدث إلى عمل إبداعي، فهذا العالم بما فيه يمنحنا الفرص والصور، وعلينا، كفانين، فهمها ونقلها كل بنظرته من الواقعية وصولًا للتجريدية.
ما هي الثيمة الأساسية التي يطرحها فنك؟
التعبير عن المرأة وعن دواخلها كجزء فعال في المجتمع، كونها تمثل مزيجًا من العطاء والإنسانية والقدرات الخارقة على البذل غير المحدود، فهذه هي رسالتي الأولى والأهم، وهي الثيمة الدائمة بأعمالي.
إلى أي مدرسة فنية تنتمين؟ وما سر انجذابك لها؟
أتبع المدرسة التعبيرية؛ وهي مذهب في الفن يستهدف التعبير عن المشاعر أو العواطف والحالات الذهنية التي تثيرها الأشياء أو الأحداث في نفس الفنان. وتأتي المرأة كعنصر أساسي في لوحاتي، ويجذبني للأسلوب التعبيري في رسم المرأة أنها بما فيها من ملامح خير ما يعبّر عن المشاعر والحالات النفسية وانعكاس المجتمع عليها.
اقرأ أيضًا: جورج أورويل.. رمزية النص وعمق الدلالة
لغة الرسم
لماذا كان الرسم هو أداتك للتعبير؟ وكيف تعبرين عن المرأة السعودية في لوحاتك؟
الرسم لغتي الخاصة التي أُعبر بها عن دواخلي ومشاعري، فكما يعبر الشاعر بحبر قلمه عن مشاعره، أعبر أنا كفنانة بمداد فرشاتي على تلك المساحات البيضاء عما يجول في فكري وأشعر به.
ويلهمني في بيئتنا العربية والسعودية، على وجه الخصوص، الملامح العربية للنساء. تلك الملامح التي تمتلك كل التناقضات بين الحدة والقوة والحنان والجمال في الوقت نفسه؛ الملامح التي تجسّد الصبر والأحلام والعطاء والأمل في مستقبل ينصفها.
وتلهمني الأحداث التي تثير الانفعالات الإنسانية، وتبرز دواخل المرأة وأحاسيسها، كردود أفعال لما يحدث في محيطها، فهذا غالبًا المحرّك الذي يحرّكني.
حدثينا عن مكانة المرأة في الأعمال التشكيلية ومدى حضورها في الأعمال الفنية.
لدى الفنانات حضور بارز ومميز في الساحة الفنية؛ حيث استطاعت المرأة بمهارتها وإبداعها الوصول لمكانة مرموقة في الوسط، وساهمت في تمكين المرأة؛ من خلال أعمالها وأدواتها الخاصة في التعبير عن نفسها عن طريق الفن.
في رأيك، ما هو واقع الحركة التشكيلية في المملكة؟
تشهد الساحة التشكيلية السعودية حركة من اليقظة الثقافية الرائعة التي تستحق أن نعتز بها، فالمملكة اليوم تمنح مبدعيها ومثقفيها الدعم والتشجيع للانطلاق نحو آفاق الإبداع والنجاح.
ونشهد كذلك حراكًا فنيًا راقيًا، وتقدمًا واهتمامًا ملحوظًا، ووعيًا مجتمعيًا بأن الشعوب ترتقي بفنانيها ومبدعيها ومثقفيها، ما انعكس إيجابيًا على الفن التشكيلي السعودي، وعلى إنتاج الفنانين السعوديين.
اقرأ أيضًا: رحلة بين أشهر المتاحف الافتراضية العالمية
الفن رؤية 2030
كيف دعمت توجهات المملكة، كل الفنون بشكل عام؟
أرى أن الفن السعودي يشهد دعمًا غير مسبوق وعلى أعلى مستوى من قِبل الجهات الثقافية المختصة وفي مقدمتها وزارة الثقافة، بقيادة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، كما نشهد بالمملكة العديد من المبادرات الثقافية والجمعيات الفنية الداعمة، الأمر الذي يبشر بمستقبل مزهر بالإبداع وتقدير الفن بالمملكة، وأنا متفائلة جدًا بأن المستقبل القريب سيشهد العديد من المشاريع لتقدير الفن والفنانين ورعاية المواهب والطاقات الفنية السعودية.
كيف ترين مستقبلكِ الفني؟ وكيف تخططين له؟
أسعى لبناء اسمي كفنانة سعودية لها حضورها وبصمتها في الوسط الفني، وأستعد لنقل تجربتي الفنية في معرض فني شخصي، وأعمل على تجهيز أعماله حاليًا.
وأطمح أيضًا في أن أساهم بفني وعملي في تأكيد حضور المرأة السعودية في جميع المجالات الإبداعية والمهنية، وأن أكون نموذجًا مشرفًا لها.
اقرأ أيضًا:
رواد الفن التشكيلي في العالم.. الشهرة والتقييم
فاطمة النمر لـ”رواد الأعمال”: اللوحات وسيلة تخاطب بين الفنان والمتلقي
عواطف آل صفوان لـ”رواد الأعمال”: الإنسان في مختلف حالاته هو محور أعمالي