لم يأت نجاحه من دون صراع، بل بدأ بفشل، فقوة قصة ريد هاستينجز، مؤسس نتفليكس، تكمن في أنها شهادة على أن أعظم الابتكارات قد تولد من خيبة أمل، فهو الرجل الذي دفع غرامة تأخير على فيلم مستأجر، لكنه في المقابل، غيّر وجه الترفيه العالمي، محوِّلًا خدمة بريدية لتأجير أقراص DVD إلى عملاق للبث التدفقي يُعرف عالميًا.
يشكّل هاستينجز، الذي أطلق شركته الأولى بعد فشل ذريع، مثالًا حيًا على كيفية تحويل الفشل إلى حافز للنجاح. ولم يجد النجاح إلا بعد أن أتقن فن التعلم من الأخطاء، ليثبت أن التفكير الإبداعي والقدرة على إعادة الابتكار هما مفتاح النجاح، وسبب استمرارية الشركات في عالم الأعمال.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد ويلموت ريد هاستينجز جونيور في الثامن من أكتوبر عام 1960 في بوسطن، ماساتشوستس. ونشأ في بيئة عائلية فريدة، فوالده، ويلموت ريد هاستينجز الأب، كان محاميًا في وزارة الصحة والتعليم والرفاهية خلال إدارة نيكسون. وأما والدته، جوان أموري لووميس، فكانت من عائلة أرستقراطية في بوسطن، لكنها رفضت عالم الطبقة الراقية وغرست في أبنائها النفور منه.
التحق هاستينجز بمدرسة Buckingham Browne & Nichols في كامبريدج، ماساتشوستس. وعمل في سنة فراغه قبل الجامعة كبائع مكانس كهربائية من باب إلى باب، ما يظهر روح العمل الجاد لديه. وفي عام 1983، تخرج في كلية Bowdoin بدرجة بكالوريوس في الرياضيات، ووَصف تجربته بأنها كانت “جميلة وممتعة”.
انضم هاستينجز إلى برنامج تدريب ضباط مشاة البحرية، وقضى صيفياته الجامعية في التدرب مع قوات المارينز. لكنه لم يكمل التدريب، مفضلًا الانضمام إلى فيلق السلام بدافع “الخدمة والمغامرة”. وعمل مدرسًا للرياضيات في مدرسة ثانوية ريفية بشمال غرب سوازيلاند بين عامي 1983 و1985؛ حيث أشاد لاحقًا بتلك التجربة باعتبارها مصدرًا لروحه الريادية. قائلًا: “عندما تتنقل عبر إفريقيا متشبثًا بعشرة دولارات فقط، فإن بدء شركة لا يبدو أمرًا مخيفًا”.
بعد عودته من فيلق السلام، تقدم إلى معهد MIT لكنه رفض؛ فالتحق بجامعة ستانفورد وتخرج عام 1988 بدرجة الماجستير في علوم الكمبيوتر. وهو ما أكسبه الخبرة التقنية التي ساهمت في مسيرته المهنية.
المسيرة المهنية
بدأ هاستينجز مسيرته في شركة Adaptive Technology؛ حيث طور أداة لتصحيح أخطاء البرمجيات. وهناك التقى أودري ماكلين، الرئيسة التنفيذية للشركة حينها، التي يقول عنها: “تعلمت منها قيمة التركيز. وأنه من الأفضل تنفيذ منتج واحد بإتقان بدلًا من تنفيذ منتجين بجودة متوسطة.”
وفي عام 1991، ترك هاستينغز الشركة ليؤسس أول مشروع له، وهو Pure Software المتخصصة في أدوات كشف أخطاء البرمجيات. لكن النمو السريع للشركة كشف ضعف خبرته الإدارية. فطلب من مجلس الإدارة استبداله، نظرًا لافتقاده الثقة بنفسه. ما يدل على تواضعه وقدرته على تقييم نفسه بصدق.
وفي عام 1996، اندمجت Pure Software مع شركة Atria Software. لكن الدمج واجه مشاكل في توحيد فرق المبيعات. وفي عام 1997، استحوذت شركة Rational Software على الكيان المدمج Pure Atria، فانخفضت أسهم الشركتين بنسبة 42%. ورغم تعيين هاستينغز رئيسًا تقنيًا، إلا أنه غادر الشركة بعد فترة قصيرة.
تأسيس نتفليكس
في عام 1997، شارك هاستينجز مع مارك راندولف في تأسيس نتفليكس، كخدمة لتأجير الأفلام عبر البريد باستخدام أقراص DVD بدلًا من أشرطة VHS. ويقع المقر الرئيسي للشركة في لوس جاتوس، كاليفورنيا.
يذكر أن فكرة نتفليكس جاءت له عندما دفع غرامة تأخير قدرها 40 دولارًا عن فيلم Apollo 13. وعلى الرغم من أن راندولف أشار لاحقًا إلى أن القصة مختلقة لتسويق نموذج الاشتراك الشهري. فقد اشتهرت كمنطلق لتأسيس الشركة، ونجحت في التوسع لتشمل أكثر من 100,000 عنوان.
وفي عام 2007، أطلقت نتفليكس خدمة بث الأفلام والبرامج عبر الإنترنت. وهو ما اعتبره هاستينغز مستقبل التلفزيون، وقد استلهم هذا التوجه من نجاح منصة يوتيوب. وهو ما يبرهن على بصيرته في رؤية المستقبل الرقمي.
ثقافة نتفليكس
اشتهرت نتفليكس بثقافة إدارية فريدة عرفت باسم “الحرية والمسؤولية”؛ حيث تدفع الشركة تعويضات سخية للموظفين المتوسطين لضمان بيئة ابتكارية. كما ألغت إجازات المرض والعطل الرسمية، تاركة للموظفين حرية إدارة أوقاتهم. وهو ما يعزز من الثقة المتبادلة بين الإدارة والموظفين.
وفي عام 2009، نشر هاستينغز علنًا الدليل الداخلي لثقافة الشركة عبر الإنترنت. ليصبح لاحقًا أداة لاختيار الموظفين المتوافقين مع فلسفة نتفليكس. كما أصدر في سبتمبر 2020، مع إيرين ماير، كتابًا بعنوان “No Rules Rules: Netflix and the Culture of Reinvention” الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا في نيويورك تايمز.
الإنجازات والتكريم
يعدّ هاستينجز رجل أعمال ملياردير؛ حيث قدرت ثروته في مايو 2025 بنحو 6.6 مليار دولار. وهو ما يؤكد على نجاحه المالي الهائل. كما شغل عضوية في عدد من مجالس الإدارة وعمل مع منظمات غير ربحية متعددة. فكان رئيسًا لمجلس التعليم بولاية كاليفورنيا، كما يُعرف بدعمه القوي لمدارس “التشارتر”.
علاوة على ذلك، كان هاستينجز عضوًا في مجلس إدارة مايكروسوفت من عام 2007 حتى 2012، وعضوًا في مجلس إدارة فيسبوك من عام 2011 حتى 2019. كما انضم في عام 2023 إلى مجلس إدارة Bloomberg L.P.. وفي عام 2025 أصبح عضوًا في مجلس إدارة شركة Anthropic. ما يظهر ثقة كبرى الشركات العالمية في خبرته وقدرته على تقديم المشورة.
وفي عام 2023، استثمر 100 مليون دولار ليُصبح المالك الأكبر لمنتجع التزلج Powder Mountain في يوتا، مع خطط لتحويل نصفه إلى نادٍ حصري للأعضاء. وهو ما يظهر تنوع استثماراته خارج عالم التكنولوجيا.