قد لا يكون مصطلح “اقتصادات الابتكار” مألوفًا للكثيرين، لكنه يمثل مفهومًا ضروريًا يتنامى باطراد على الساحة العالمية، وببساطة يشير هذا المفهوم إلى النماذج الاقتصادية التي تعطي الأولوية للابتكار والإبداع كمحركات رئيسية للنمو والازدهار.
وفي الأساس، يشكل الابتكار قاطرة أساسية لنمو وتطور الاقتصادات الوطنية؛ إذ يشعل روح الإبداع والتغيير في مختلف مجالات الحياة. وبلا شك تدرك العديد من الدول أهمية ذلك، فتطلق مبادرات اقتصادية تعزز دور الابتكار كمحرك رئيسي للتنمية.
وليس هذا فقط، بل يعد الابتكار أحد أهمّ عناصر الاقتصاد الحديث؛ فهو يساهم بشكلٍ كبير في:
– تحسين كفاءة الإنتاج.
– توفير فرص عمل جديدة.
– زيادة الإنتاجية.
– يمثل مصدرًا للقيمة المضافة.
اقتصادات الابتكار
ويتصاعد نجم اقتصادات الابتكار، المميز بالتقدم التكنولوجي المتسارع والتحول الرقمي، ليصبح قوة عالمية جبارة. ويمثل هذا النوع من الاقتصاد تحولًا هامًا من الصناعات التقليدية إلى صناعات قائمة على المعرفة بشكلٍ أكبر؛ إذ باتت الأفكار والابتكار والرأسمال الفكري هي المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي.
وما من شكٍ في أن اقتصاد الابتكار يمثل أهمية قصوى في عالمنا اليوم؛ إذ يعزز الإبداع وريادة الأعمال. كما يشجع على توفير المزيد من فرص العمل الجديدة.
ومع تقدمنا عبر القرن الحادي والعشرين، يصبح فهم آليات اقتصاد الابتكار أمرًا بالغ الأهمية، نظرًا لقدرته على إعادة تعريف هياكلنا المجتمعية وتشكيل مستقبلنا.
أمثلة ملموسة لقوة الأفكار المبتكرة
وتجسد شركات مثل: Uber و Airbnb نموذجان رائعان لمفهوم اقتصادات الابتكار.
شركة Uber، -التي لا تمتلك سيارات – أصبحت أكبر شركة لخدمات سيارات الأجرة في العالم.
شركة Airbnb، -التي لا تمتلك عقارات- تحولت إلى أكبر شركة لتوفير أماكن الإقامة.
وتظهر هذه الشركات، كيف تمكن الأفكار المبتكرة من قلب نماذج الأعمال التقليدية رأسًا على عقب وإعادة تعريف القيمة في مجالات الخدمة والراحة وتجربة المستخدم.
ويكمن الاختلاف الرئيسي بين اقتصاد الابتكار والاقتصاديات التقليدية في محركات القيمة الخاصة بها؛ فتركز الاقتصاديات التقليدية بشكلٍ أساسي على إنتاج السلع وتقديم الخدمات، مع كون القيمة مدفوعة بالأصول المادية والعمل اليدوي. وغالبًا ما يعتمد هذا النموذج على الإجراءات والممارسات المعمول بها، مع التركيز أقل على الأفكار أو الاستراتيجيات الجديدة.
اقتصاد الابتكار يحدث ثورة عالمية
ويشهد العالم ثورة هائلة بفضل اقتصادات الابتكار الذي يعيد تشكيل الصناعات ويغير أسواق العمل ويحدث تحولات جوهرية في حياتنا اليومية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
قطاع البيع بالتجزئة؛ إذ واجهت المتاجر التقليدية منافسة قوية من عمالقة التجارة الإلكترونية مثل: “أمازون” و”علي بابا”، الذين استفادوا من التكنولوجيا الرقمية والبيانات الضخمة ومعرفة العملاء لتقديم تجارب تسوق شخصية مريحة وفعّالة.
ولم يقتصر تأثير الابتكار على قطاع واحد، بل طال أيضًا صناعة النقل؛ فقد تحولت “تسلا” بسياراتها الكهربائية، إلى رائدة في صناعة الطاقة. كما ربطت التكنولوجيا بالطاقة المستدامة، ما أدى في نهاية الأمر إلى إعادة تعريف مفهوم شركة السيارات وخلخلة قواعد صناعة السيارات بأكملها.
وعلى الوتيرة ذاتها، يفجر قطاع الرعاية الصحية ثورة مماثلة بفضل تقنيات الصحة الرقمية مثل: التطبيب عن بعد والتشخيصات التي يقودها الذكاء الاصطناعي. ما يجعل الرعاية الصحية أكثر سهولة وبأسعار معقولة.
كما يمثل تحولًا من النماذج التي تركز على المرض إلى النماذج التي تركز على المريض.
اقتصاد الابتكار يواجه تحديات كبيرة
ووفقًا لتقرير بنك “جي بي مورجان تشيس”، يواجه اقتصاد الابتكار فترة صعبة مليئة بالتحديات التي تؤثر على جميع أصحاب المصلحة، بدءًا من المؤسسين إلى المستثمرين، وبالطبع تلقي كل هذه الاضطرابات بظلالها على بيئة الاستثمار بأكملها، ما يتطلب في نهاية الأمر تحليلًا دقيقًا لتقييم الوضع الحالي وآفاق الانتعاش المستقبلي.
تحديات المؤسسين
- صعوبات جمع رأس المال: يعاني معظم المؤسسين وأصحاب الأعمال من صعوبات متزايدة في الحصول على التمويل اللازم لنمو شركاتهم. وأصبح المستثمرون أكثر حذرًا في إبرام الصفقات. ما أدى إلى انخفاض كبير في نشاط الاستثمار.
- انخفاض قيمة السوق: أدى انخفاض قيمة السوق عبر مختلف المراحل إلى تعقيد مفاوضات التمويل. ما أثر سلبًا على توقعات نمو الشركات وتدفقاتها النقدية.
- زيادة تكلفة ممارسة الأعمال: يشير تقرير بنك “جي بي مورغان تشيس” إلى أن 74 % من قادة الأعمال يتوقعون ارتفاع تكلفة ممارسة الأعمال في عام 2024. ما يضيف عبئًا إضافيًا على الشركات الناشئة.
- عدم اليقين الاقتصادي: تخيم حالة عدم اليقين الاقتصادي الكلي على السوق. ما يجعل من الصعب على المؤسسين التخطيط للمستقبل واتخاذ قرارات استثمارية واثقة.
تحديات المستثمرين
- انخفاض معدل نشر رأس المال: يؤكد تقرير بنك “جي بي مورغان تشيس” أن العديد من المستثمرين شهدوا انخفاضًا ملحوظًا في معدل نشر رأس المال. ما يعكس البيئة الاقتصادية الصعبة.
- بيئة الخروج الضعيفة: تواجه بعض الشركات صعوبة بالغة في تحقيق السيولة من خلال عمليات الخروج. ما يعيق عائدات المستثمرين بشكلٍ كبير.
- المنافسة على الصفقات الجيدة: ازدادت المنافسة على الصفقات الجيدة بين المستثمرين. ما أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار الدخول وتشديد شروط الاستثمار.
- مخاطر الاستثمار: على مدى العامين الماضيين ارتفعت مخاطر الاستثمار بشكلٍ عام. ما دفع المستثمرون إلى اتخاذ موقف أكثر حذرًا.
فرص الانتعاش
- تعافي أسواق الأسهم: يظهر تعافي أسواق الأسهم الأمريكية في عام 2023 بوادر تحسن محتمل. ما قد يشجع المستثمرين على زيادة استثماراتهم.
- انخفاض التضخم: يتوقع بنك “جي بي مورغان تشيس” انخفاض معدل التضخم في النصف الأخير من عام 2024. ما قد يخفف من الضغوط المالية على الشركات ويُحسن بيئة الاستثمار.
- انتعاش الاكتتابات العامة الأولية: تراقب السوق عن كثب بيئة الخروج بحثًا عن أي علامات على انتعاش الاكتتابات العامة الأولية. ويمكن أن يكون ذلك بمثابة المحفز لإعادة تشغيل دورة رأس المال الاستثماري.
- ابتكار حلول جديدة: يبحث المستثمرون عن حلول استثمارية جديدة تتناسب مع البيئة الاقتصادية المتغيرة، مثل: الصناديق الثانوية والاستثمارات المشروطة.
في ختام هذا الطرح، يمكن القول إن اقتصادات الابتكار تمثل قفزة نوعية نحو مستقبل مزدهر؛ إذ يتيح لنا هذا النوع من الاقتصاد:
– استغلال قدراتنا الإبداعية بالشكل الأمثل لإيجاد المزيد من الحلول المبتكرة لجميع التحديات التي تواجهنا.
– توفير المزيد من الفرص الجديدة للنمو والازدهار.
ولكن، لا يخلو طريقنا نحو اقتصادات الابتكار من التحديات، وبلا شك نحتاج جميعًا إلى التكاتف وبذل المزيد من الجهود من جميع الأطراف -حكومات ومؤسسات وشركات وأفراد- لتجاوز هذه العقبات والاستفادة القصوى من إمكانيات هذا النموذج الاقتصادي الثوري.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
نشأة ريادة الأعمال.. دروس من الماضي وإلهام للمستقبل
حلم الثراء الأمريكي.. حكايات من وراء الكواليس
الحفاظ على الإنتاجية بعد العودة من العطلات.. خطوات عملية