في ظل التطور الكبير الذي تشهده طبيعة العمل، والتغير البنيوي الذي طرأ على ماهية الوظائف، أمست أهمية المسميات الوظيفية محل جدل كبير بين أهل الدراية والاختصاص، وصار السؤال عن مفادها حاضرًا وبقوة، خاصة عند مناقشة تغير طبيعة العمل، والحديث عن الاقتصاد التكنولوجي، وما استحدثته التقنية من أدوار جديدة.
إذًا، فأهميتها قضية خلافية، وهي، من هذه الجهة بالتحديد، لا تختلف عن الكثير من القضايا المعاصرة، سواء في الإدارة أو غيرها، فطالما أننا في حقبة لا تزال ملامح مستقبلها تتشكل من جديد، فمن المنطقي أن يكون هناك شد وجذب، قبل أن تستقر الأمور وتأخذ مسارها الصحيح.
اقرأ أيضًا: متى تقرر ترك الوظيفة؟
الأدوار والمكافآت
لكن إذا أدرنا ظهورنا لتأثيرات التقنية في العمل واستحداث المهام الجديدة، سيكون في الإمكان القول إن المسميات الوظيفية تنطوي على أهمية كبرى، من جهة كونها تحدد التسلسل الهرمي للشركة بشكل عام، فضلًا عن أنها تساعد في تحديد الأدوار بدقة داخل المؤسسة بل بين أعضاء الفريق الواحد.
لا يتعلق الأمر هنا بالمسمى ذاته، وإنما بالدور الذي يؤديه هذا الشخص أو ذاك الذي تولى هذا المنصب بالتحديد، فمن خلال هذه الأدوار _التي هي محكومة بثقافة الشركة ذاتها وليس هناك قواعد عامة تحكمها_ سيتم تحديد من المسؤول عن ماذا، وهذا واحد من بين أمور شتى تُبرز أهمية المسميات الوظيفية في الشركات.
ليس هذا فقط، بل إن بعض نظم التعويض والمكافآت تكون مرتبطة، وبشكل حصري، بهذه الألقاب والمسميات، بيد أن هذا لا يوضح تلك الأهمية التي تنطوي عليها قدر ما هو يدفع إلى التأكد من أداء كل الذين تتم مكافأتهم لمهامهم الوظيفية على الشكل الأكمل.
اقرأ أيضًا: نصائح العودة لمقر العمل.. الحرص والإنتاجية
التنافس وتحفيز الموظفين
عندما يتوفر لدى الشركة مسار وظيفي واضح لكل العاملين فيها، وعندما تمتلك معايير ونظمًا واضحة للترقيات، ستكون المسميات الوظيفية أحد محفزات الموظفين للعمل بجد كي يتمكنوا من الترقي، والانتقال خطوة أخرى إلى الأمام.
يعني هذا أن وجود سُلم وظيفي واضح ومرسوم أمام الموظفين سيدفعهم إلى التنافس فيما بينهم، وبذل قصارى جهودهم في الحصول على هذا المنصب الوظيفي أو ذاك، وهو الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على ما ينجزونه من أعباء ومهام وظيفية.
اقرأ أيضًا: سر الحفاظ على الإبداع بين الموظفين
المسميات الوظيفية المضللة
الدور أهم من المسمى الوظيفي، هذا ما ينبغي أن يكون في الحسبان دائمًا؛ فهناك الكثير من المسميات الوظيفية المضللة، التي لا يفعل من تولوها شيئًا على الإطلاق، ناهيك عن أن المهم ما يتم إنتاجه بالفعل، والفائدة التي تعود على الشركة، وليس المسميات الوظيفية.
ومن ثم، بالنسبة للموظف، عند التقدم أو البحث عن أي دور جديد التركيز على المواصفات، ومعرفة كيف تتماشى مع مهاراتك والأمور التي تستمتع بأدائها في العمل مع هذا المنصب الوظيفي الذي تود الحصول عليه.
وعلى أي حال، فإن الخروج من مأزق المسميات الوظيفية المضللة يوجب على الشركة وضع تحديدات واضحة وتوصيفات دقيقة لكل منصب؛ كي لا تختلط الأمور، وحتى تضمن أن الجميع، أيًا كان موقعه في الشركة، يؤدي ما عليه من مهام على النحو الأمثل.
اقرأ أيضًا: خطة تعاقب الموظفين الأكفاء
الاقتصاد التكنولوجي والمسميات الوظيفية
تشهد الأدوار الوظيفية والاقتصاد التكنولوجي وما تطرحه التقنية تطورًا مستمرًا، سوى أن الألقاب الوظيفية ذاتها لا تتطور بنفس الوتيرة، فمدير التسويق، على سبيل المثال، سيرأس فريقًا من متخصصي MarTech أو التسويق التكنولوجي المحنكين بدلًا من فريق تقليدي من المسوقين المباشرين، وبالتالي فما كان يفعله مدير التسويق هذا قبل خمس سنوات اختلف اليوم بشكل كلي، بمعنى أن الأدوار تغيرت فيما ظلت المسميات ثابتة.
وذلك فضلًا عن أن كونك مديرًا لم يعد يعني وجود فريق تحت إدارتك، توجهه للعمل يمينًا ويسارًا، وإنما يعني أنك تدير منتجًا بذاته.
ومن أجل التغلب على هذه السيولة في الأدوار، يتم، وبشكل مطرد، استحداث مسميات وظيفية جديدة كل يوم، وعلى أي حال، فإن أهمية المسميات الوظيفية تظهر في قدرتها على تحديد هيكل الشركة، ولكن ربما لا ينبغي الاعتماد عليها كثيرًا لتحديد الأدوار، كما أن الحصول على مسمى جديد مهم للموظفين أنفسهم، ويمكن أن يحفزهم للعمل، ويدفعهم للسير والترقي في مسارهم الوظيفي.
اقرأ أيضًا:
الوجود النشط للموظفين وتأثيره في معدلات الإنتاج
الحفاظ على إنتاجية الفريق عن بعد
ثقافة التساؤل في الإدارة.. أنسب طريقة للفهم وحل المشكلات