في عالم دائم التغير، تظهر فيه النظريات والمبادئ العلمية كل ساعة، وتُبتكر فيه آلاف الابتكارات، وتتواصل أطراف الكرة الأرضية، سيكون طبيعيًا إزاحة القديم الذي لا يطور نفسه من طريق التطوير.
ما أجمل ترجمة مبادئ وأسس النجاح إلى خطوات مفصلة، وإجراءات عملية تمثل في تعاقبها تراكم التجارب والخبرات، وتضع منهاجًا للمسؤولين والإداريين بخلاصة متطلبات التطوير، فالنقل والعقل هما وسيلتا الحصول على العلوم والمعارف والمبادئ والأسس والقوانين اللازمة لتحقيق النجاح، فالنقل هو الاغتراف من المصادر والمراجع، والعقل هو ما أنتجه العقل البشري من خلال تراكمات إنتاج العلماء والمفكرين على مدى قرون في شتى مجالات الحياة.
استراتيجيات التطوير
ومن أهم استراتيجيات إحداث التطوير في نشاط المؤسسات من المحلية إلى العالمية، ما يلي:
ــ الاستراتيجية الأولى: شعارها الجدية والتحدي في تحديد رؤية واضحة، تُترجم لخطة واضحة، تقوم على زيادة ساعات العمل، وتعويد النفس على المشقة والمثابرة في مواجهة التحديات، وتأجيل الراحة والرفاهية إلى حين تحقيق الأهداف. ونجد التطبيق العملي لأبعاد هذه الاستراتيجية في واقع تجارب الصين واليابان وماليزيا.
ــ الاستراتيجية الثانية: شعارها التغيير من أجل التطوير؛ من خلال خطة تتضمن عدة شروط؛ منها:
* تقبل فكرة التغيير من حيث المبدأ، والتهيئة النفسية لها، والرضا ببذل ما تفرضه من تضحيات.
* التسلح لخوض مرحلة التغيير بوضع البدائل المتاحة لاحتواء انعكاسات أوضاع مفاجئة في حالة جاهزية تامة، وإعداد بدائل أخرى تتوافق مع المتغيرات السوقية داخليًا وخارجيًا.
* القدرة على تكييف الأوضاع الداخلية للمؤسسة بشكل مرن وسريع يضمن فاعلية مواجهة التقلبات والتعامل مع ما تفرزه ظروف البيئة المحيطة.
* قناعة المسؤولين بأن اتجاه حركة نشاط المؤسسة تكون باتجاه حركة السنن الكونية للتغيير والتطلع المشروع للتطوير، دون تذمر وتباطؤ في التجاوب في الظرف المناسب.
ــ الاستراتيجية الثالثة: الاستفادة من فضائل الاتصال، والإدارات التنفيذية التي تتصل بالسوق والعملاء؛ كونها تمثل خط الهجوم والدفاع الأول، وموظفو هذه الإدارات هم أصحاب الآراء والأفكار وأول من يتلقى المقترحات والشكاوى؛ لذلك فهم أكثر الأفراد حماسًا ورغبة في التطوير، بينما قد يكون أفراد الإدارة العليا هم الأعلى مقاومة للتغيير، خوفًا على امتيازاتهم، ومناصبهم.
يرى البعض أن قوة الشخصية في القائد هي القدرة على ضبط الأمور، وفرض السيطرة على الآخرين، ولكنه تعريف مضلل فقد تكون السيطرة بالتخويف والترهيب، أما أصحاب الرأي الراجح فيرون أن الشخصية القوية هي التي تستمر في النمو والتطور؛ فصاحب العقلية المتحجرة ضعيف الشخصية، وكذلك من لا يقلع عن أخطائه، بينما قوة الشخصية تعني القدرة على الاختيار السليم، والتمييز بين والصواب والخطأ، وإدراك الواقع، وحسن توقع المستقبل؛ وهي سمات القيادي التطويري الناجح.
الإدارة بالمشروعات
تتبنى الإدارات الغربية واليابانية الحديثة أسلوب العمل بروح الفريق الذي يُعد السمة الأساسية للشركات العملاقة، بعدما أصبح كلمة السر في النجاحات الكبيرة التي حققتها هذه الفلسفة التي تعتمد على الوحدة، ومفهوم الفريق، والعمل المؤسس والمنظم الكبير.
لقد أصبحت هذه الفلسفة هي السائدة في التحول من الإدارة بالأهداف إلى الإدارة بالمشروعات، ومن الشركات الفردية المحلية إلى الشركات العالمية متعددة الجنسيات.
والقيادي الناجح هو من ترسخ في اعتقاده أن العمل في شكل فريق، أمر شرعه الإسلام وهو موضع رحمة وأقرب للتوفيق والنجاح، ويعد من القواعد والأصول الفقهية التي أقرها الشرع؛ لأنه يحفظ الفريق من الزلل أو الانحراف عن الأهداف.
ويؤكد منطق الواقع العملي أن الشخص الواحد ضعيف بمفرده ومحدود القدرات، ولكنه قوي وكبير وقادر على عمل الكثير بباقي أفراد الفريق معه، والعمل في شكل فريق سنة كونية تؤدي إلى قوة وتماسك المؤسسة وتعزيز قدرتها على تحقيق الأهداف؛ من خلال توحيد الجهود وتوليد الأفكار الجديدة، وحسن استغلال مواهب وطاقات الأفراد، وتحسين العلاقات والروابط، وبناء كيان قوي ومتماسك حافل بالثقة والانفتاح والاستعداد لمواجهة المخاطر والتعامل الإيجابي مع النتائج مهما كانت؛ وبالتالي يؤدي تطبيق مفهوم فريق العمل إلى تحسن الجودة الكلية للعمل وتحقيق التميز، ويتيح فرصة أكبر للنمو والتقدم.
ثلاث سمات ضرورية
من الدروس المستخلصة من مختلف التجارب الحياتية، تكمن بعض سمات القيادي الإداري التطويري فيما يلي:
* الاعتراف بروح العصر؛ إذ ينبغي العمل المرن مع مختلف الأوقات، وتوقع الانعطافات، والتطلع دائمًا إلى المستقبل.
* التعرف على اتجاه حركة رياح المنافسة السائدة، ولا يعني ذلك الجري في نفس اتجاهها، فكل حركة اجتماعية قوية تخلق نقيضها بذات القوة، كرد فعل؛ لذا يجب الحساب سلفًا لطبيعة الخطوات التالية لمواجهة نقيض الموجة.
* التحلي بالصبر، والالتزام بالعمل الهادئ لكسب الوقت وإجادة فن الكمون، وتقدير المخاطر المحسوبة إلى حين اللحظة المناسبة للكشف عن مكامن القوة وحقيقة الإمكانيات المؤهلة لمفاجأة الخصوم وبلوغ الغاية المنشودة.
لا شك في أن الدقائق التي تمر بنا، محسوبة على مصروفاتنا المستمرة من إجمالي حياتنا، وبقدر تبصر وكفاءة وجودة إنفاق الإداري القيادي التطويري للوقت، بقدر ما تعلو مكانته في الحياة، فالوقت لا يمكن ادخاره ولا تخزينه، ولا يمكن إعادة استغلاله مستقبلًا؛ ما يعني أن التفكير الجيد لحسن استغلاله؛ هو المحدد للقوة والضعف، والكاشف لكلمة سر النجاح والفشل.
اقرأ أيضًا:
الخطة العملية للمشاريع.. ما هي؟ وما أهميتها؟
5 عوامل تجعل ظاهرة العمل عن بُعد ناجحة
5 نصائح لقيادة الشركات الناشئة في أوقات الأزمات