ليس من السهل الحديث عن تاريخ موجز للساعات، فذاك تاريخ غير موجز أصلًا؛ إذ عرفت الإنسانية مفهوم الوقت منذ بداية الحضارات البشرية . وأثار مفهوم الوقت وكنهه الكثير من التساؤلات والجدليات الفلسفية والعلمية على حد سواء في كلا العالمين القديم والحديث.
واستدلت البشرية على مرور الوقت بالأحداث والحركة في السماء أو بالبيئة المحيطة وقسّمت الوقت تبعًا لذلك . ومَثل الليل والنهار التقسيمات الأساسية الدالة على مرور الزمن بشكل عام. ثم قُسم اليوم الى وحدات اصغر وهي الساعات تبعَا لرحلة الشمس من الشروق للغروب عبر صفحة السماء.
وكذلك جمعت الأيام لتكون شهورًا وفقًا للتغير الظاهري بشكل القمر في كثير من الثقافات. ومثّل الشغف بقياس الوقت وتقسيمه أحد المحفزات الرئيسية لتطور صناعة الساعات؛ حيث أنتج هذا الشغف آلات جميلة ودقيقة في الوقت نفسه.
تاريخ موجز للساعات
لذا نعرض تاريخًا موجزًا للساعات في أسطرنا القادمة، على النحو التالي..
الساعات في العصر البدائي
في العصور الأولي للحضارات كانت الشمس وحركتها هي الدليل الوحيد والساطع لمرور الوقت. ولاحظ الإنسان القديم أن الظل يتحرك مع الشمس تباعًا. أدي هذا الربط بين الظل والشمس إلى صناعة أول ساعة معروفة لنا في التاريخ وهي المزولة.
تتكون المزولة عادة من تدريج على شكل دائرة يوجد في منتصفه عمود طويل نسبيًا. تتحرك الشمس بين الشروق و الغروب ملقية بضيها على العمود والذي يلقي بظله على الدائرة.
وتتم معايرة التدريج للدلالة على الوقت المناسب لكل مسقط ظل. وبطبيعة الحال لا يمكن تحديد الوقت بواسطة المزولة إلا في يوم مشمس مع عدم وجود ما يحجب ضوء الشمس عن السقوط على المزولة.
مثلت المزولة حلًا عبقريًا للوقت بإمكانيات تلك العصور، وحتى الآن يصنعها الهواة بطرق جديدة ومبتكرة؛ منها الطباعة ثلاثية الأبعاد.
الساعات المنزلية غير المعتمدة على الشمس
دعت الحاجة الى قياس الوقت ليلًا أو خلال الأوقات التي لا تكون بها الشمس ساطعة في كبد السماء إلى محاولة تصنيع ساعات لا يعتمد إخبارها للوقت على الشمس. ووجد الناس ضالتهم في الساعات الرملية وساعات البخور وساعات الشموع. حيث تعتمد هذه الساعات على حدوث ظاهرة في الزمن بصورة منتظمة يمكن اتخاذها مقياسًا لمرور الوقت.
الساعة الرملية
اعتمدت الساعات الرملية على وجود كمية من الرمال الناعمة، ويعد هذا أصل التسمية؛ إذ تنساب بسلاسة بين مستودعين زجاجيين على شكل مخروط. تعتمد كمية الرمال المنسابة على الفتحة بين المخروطين ومن ثم يمكن معايرة الفتحة وكمية الرمال لتنتقل من المخروط الأعلى إلى الأسفل في زمن قدرة ساعة بدقة معقولة. وعند انتهاء الوقت تقلب الساعة يدويًا لتبدأ العد من جديد.
ساعات البخور
تم اعتماد تلك الساعات في الصين عادة؛ حيث يوضع عمود من البخور أو خط طويل من البخور على منضدة. ويتم حرق البخور من طرفه؛ حيث يحترق فيما بعد بمعدل ثابت. ويمكن معايرة نوع البخور وطول العمود مع الوقت واستعمال تلك الخاصية كساعة لقياس الوقت.
ساعات المياه
تعتمد ساعات المياه على نفس المبدأ الذي تعتمد عليه الساعات الرملية. في هذه الساعات تنتفل المياه من مستودع إلى آخر بوتيرة ثابتة. يودى هذا إلى انتقال كل الماء من الإناء الأول إلى الثاني في وقت محدد معتمد على كمية المياه واتساع الواصلة بينهما.
تجدر الإشارة إلى أنه في الحقبة الإسلامية كانت تستخدم المياه داخل الساعات الميكانيكية؛ لإعطائها الطاقة اللازمة للحركة وإضفاء رونق وشكل جمالي.
أول منبه في التاريخ
تقول القاعدة إنه اذا كان هناك حدث يقع بانتظام عبر الزمن فإننا يمكن اعتماده لقياس الزمن. واعتمادًا على هذه الفكرة صنعت الحضارات القديمة ساعات الشمع. حيث يحترق الشمع مع الزمن ويدل طول الشمعة على الوقت المنصرم من بداية الإشعال.
ومن الطريف أن تلك الساعة كانت تمتلك نظامًا يستخدم كمنبه. فكانت تغرس مسامير بأبعاد معلومة في الشمعة وعند احتراقها يسقط المسمار على طبق نحاسي؛ ما يصدر صوتًا يخبر بالوقت أو يستخدم كمنبه.
عصر الساعات الميكانيكية
في العصر الإسلامي برع العلماء في صناعة الساعات الميكانيكية والمعتمدة على التروس والزنبركات والبندولات. واتخدت أشكالًا وأحجامًا متعددة ولكنها في الأساس كانت ساعات حائط معتمدة على الجاذبية الأرضية في عملها.
في تلك الساعات كان يعلّق ثقل من حديد مثلًا في خيط ويثبت على طرف عمود متصل به الترس الرئيسي المسؤول عن دوران الساعة. وتتصل بهذا الترس مجموعة من التروس المختلفة في الحجم وبرفع الثقل إلى أعلى برج الساعة وتحاول الجاذبية إنزاله إلى الأرض. ويعوق نزول الثقل بندول متصل بمسنن.
ويمثل البندول هنا المؤقت؛ حيث يهتز ذهابًا وإيابًا بحركة توافقية يمكن معايرتها ليتنج عن كل الحركة مقياس دقيق للوقت في شكل ساعة حائط.
تم اعتماد هذه الساعات في القصور والمتاحف والبيوت كأدوات زينة قيّمة ومثيرة للاهتمام. ولم تكن مناسبة للحمل والترحال.
عصر ساعات الجيب
يمكن للزنبركات تخزين الطاقة الحركية على هيئة طاقة وضع ومن ثم يحولها إلى طاقة حركة مرة أخرى. ويعني ذلك أن الزنبرك يمكنه أن يحتفظ بالطاقة ويفرغها على هيئة دوران فيما بعد. استخدمت تلك الطريقة في إنتاج ساعات صغيرة معتمدة على الزنبركات كمصدر للحركة بدلًا من الثقل والجاذبية.
وأدى ذلك لظهور ساعات الجيب بأنواعها المختلفة وماركاتها المتعددة. وما زالت هذه التقنية مستخدمة حتى الآن في العديد من الماركات القيّمة.
وتعتمد تلك الساعات نفس فكرة عمل الساعات الميكانيكية سالفة الذكر لكن تم استبدال الذنبرك والمسننات بالبندول. وكذلك تم استبدال الزنبرك بالثقل؛ لتزويد الساعة بالطاقة. ويتم شحذ الزنبرك بالطاقة عن طريق لفه وتبطئ التروس والمسننات الحركة حتى يستغرق انتقال عقرب الثواني ثانية وحدة.
فتح ذلك الباب لظهور ساعات للعامة ورجال الأعمال وهواة الاقتناء تعددت أشكالها وانواعها. لكن ما يميز ساعة عن أخرى هو دقة الصنع وخبرة الصانع حتى تجاوزت أسعار بعض الأنواع منها عشرات الألوف من الدولارات.
عصر الساعات الكهربية
جدير بالذكر أنه ظهرت ساعات كهربية بالكامل. حيث تعتمد حركة هذه الساعات على محرك كهربي يتولى الدوران دورة كاملة في الدقيقة. كانت هذه الساعات فعالة ودقيقة غير أنها كانت تصدر طنينًا مزعجًا عند وضعها بالقرب من الأذن.
مهتز كوارتز
حققت الساعات الكهربية طفرة نوعية باكتشاف واستخدام كريستالات الكورتز. فمن المعروف أن تطور الساعات يعتمد على إيجاد متذبذبات دقيقة وتعمل بكفاءة. ووجد العلماء ضالتهم في كريستالات الكوارتز التي تهتز عند توصيل تيار كهربي بها. وبصنع مهتز من الكوارتز بمواصفات خاصة يمكن أن يكون دقيقًا ويتم استخدامه في الساعات.
اعتمدت تلك الساعات على الكوارتز كمهتز؛ حيث يصدر إشارة كهربية كل ثانية ومنها يتولى المتحكم التحريك خطوة واحدة. واذا قسمنا الدائرة الممثلة لجسم الساعة إلى 60 جزءًا يمكن بكل بساطة معايرة الخطوة لتمثل ثانية.
أدت تلك التقنية لإنتاج ساعات دقيقة إلى حد كبير ورخصية؛ ما أسهم في انتشارها بين العوام.
بقلم/ دكتور محمد فرج؛ أستاذ الفيزياء المساعد بجامعة الأزهر