هناك تفسيرات مختلفة للمسئولية الاجتماعية ، لكن تفسيري ينبع من كوننا مسئولين عن مجتمعنا ، وأن علينا أن نرفع أيدينا ونُحاسب أين ومتى طلب منا ذلك من قبل مجتمعنا ؟ .. تلك هي المسؤولية الاجتماعية.
الأم هي أول معلم لنا، وهي موجهنا الأكثر أهمية، بداية من مرحلة الرضاعة ، ثم مرحلة الحبو ، ثم في سن الدراسة ، فهي تعلمنا الصواب من الخطأ، وتنصحنا وتقوم بإعدادنا لمواجهة العالم. وحتى السنوات التكوينية الأولي من حياتنا فإننا تقريبا نتعلم منها كل شيء، ونبقي أنقياء.. ثم نكبر ونحن نعتقد أننا نعرف ما نتعلم ومن أين نتعلم ونستكشف هذا العالم.. إننا نعتقد أنه يمكننا أن نتعلم من هذا العالم ، وفي واقع الأمر نكون في بداية التعلم من هذا العالم، وبعد ذلك نصبح فاسدين، إلا إذا بدأنا التعلم من موجه أمين .
وحتى اليوم، أتذكر ما تعلمته من والدتي، فعندما كنت طفلًا، اعتادت أن تتكلم معي بلا هوادة وكانت تمارس مهمتها المعتادة في التعليم والتربية ، فلا أنسى ذلك أبدًا..لم تكن والدتي من كبار العلماء ، بل كانت متوسطة التعليم ، ولكن بعد كل هذه السنوات، ما زلت أؤمن بأن مفهومها حول هذا العالم، أفضل بكثير مما يفهمه معظمنا.
كانت تلك السنوات التي بعد استقلال الهند ووفاة المعلم العظيم “المهاتما غاندي” ، والذي ربما كانت أمي من تلاميذه ، فقد اعتادت أن تقول مرارًا وتكرارًا : “عندما تكتنز أي شيء يفيض عن حاجتك، فأنت بذلك تحرم الآخرين من نصيبهم الشرعي فيه.. استخدم أي شيء تريده ، فالميزان ليس ملكك ، إنه لآخرين معك ، الذين هم في أمسِّ الحاجة إليه ، تقاسمه معهم ؛ إذ قد تكون حاجتهم إليه أكثر من حاجتك.
وعندما تسألني ابنتي : لماذا لا تمتلك أية أصول على الرغم من عملك في الإدارة العليا لبضعة عقود، ؟ أجيبها بأنني لم يكن لدي أية عادات سيئة كشرب الكحول، والمخدرات، والتدخين، والقمار، ولا حتى علاقات نسائية .. الخ ، و لا أتذكر متى كانت آخر مرة خرجت لاحتسي فنجانًا من القهوة، إلا أنني أنا لا أملك أية أصول مثل سيارة، أومنزل، أو عقار ، أوذهب، أواستثمارات أو حتى مدخرات ، و الفضل يعود إلى دروس والدتي التي لا تزال مهمة جدًا بالنسبة لي، فأقول لابنتي: ” لا يمكنك إلقاء اللوم علي ، فأولى بك أن تلقي اللوم على جدتك ؛لأنها من علمتني أن أعيش هكذا ،علمتني أن أتبرع بكل شيء فائض عن حاجتنا الأساسية ، وفي وقت مبكر جدًا، أدركت أنه إذا واصلنا التفكير حول تراكم الثروة باسم توفير الضروريات الأساسية، فإننا لن نكون قادرين على فعل أي شيء مطلقًا؛ لذلك وعلى مدى عقود للآن، لم أمتلك أي شيء يمكن أن يوصف بأنه أحد الأصول.
وكجزء من المسؤولية الاجتماعية ، ظللت محافظًا على زيارتي للمناطق الريفية الفقيرة في الهند ؛ حيث لا يوجد فيها مصدر سليم للمياه النظيفة الصالحة للشرب ولا كهرباء ولا صرف صحي ، بل إن الناس هناك لايمكنهم توفير ثلاث وجبات لأطفالهم الذين يعانون من سوء التغذية،أو فقد الوزن . عندما أذهب هناك أحني رأسي من الشعور بالعار،و تنهمر دموعي ، وأشعر بالعجز و عدم القدرة على المساعدة ، فأكثر من 35٪ من وفيات الأطفال ترجع إلى سوء التغذية، وما يقرب من 45٪ من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 3 سنوات يعانون من نقص الوزن، و يفقد ما يقرب من 16٪ من الأطفال وزنهم ، ومعظم هؤلاء الأطفال مصابون بسوء تغذية حاد.
وهناك اعتقاد خاطىء بأن سوء التغذية يكون مؤثرًا فقط لنقص الطعام، بل هو نتيجة أيضًا لعدم وجود خدمات صحية ، وعدم رعاية الحامل، والظروف المعيشية غير الصحية، والزواج المبكر والأمومة المبكرة. وهناك فتيات يعانين من سوء التغذية وبزواجهن يلدن أطفالًا يعانون من سوء التغذية أيضًا؛ الأمر الذي يعيق النمو الحركي، والحسي والإدراكي والاجتماعي والعاطفي.
غالبية الوفيات دون سن الخامسة ، سببها الالتهاب الرئوي والإسهال والملاريا، وهي أمراض تصيب الأطفال بشكل خاص ، ولاسيما عندما يعانون من سوء التغذية، مع ضعف جهاز المناعة لديهم ، فيما يشكل سوء التغذية أكثر من ثلث وفيات الأطفال.
تتطلب المشكلة اهتمامًا فوريًا من جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والشركات المحلية ؛ لأن المبالغ التي تُنفق على علاج سوء التغذية هي في الواقع استثمار في رأس المال البشري في المستقبل.
ووفقا لإحدى الدراسات، فإن المبلغ الذي ينفق بشكل صحيح على علاج سوء التغذية يمكن أن يعطي بقدره مائة مرة من العائد على مدى العقود القليلة المقبلة ؛ إذ نجد أن الطفل الذي يعاني من سوء التغذية أقل أداءً في التعليم ، وكذلك من المرجح أن ينمو ليصبح شابًا يعاني أيضًا من سوء التغذية ؛ ما يؤدى إلى شخص أقل إنتاجية؛ وبالتالي استنزاف مباشر للناتج المحلي الإجمالي في المستقبل. وهناك إحصائيات مخجلة بأنه يعيش “1 ” من كل ” 3 ” من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في الهند.
الوضع اليوم ليس أفضل من السنوات الماضية، وجلب احتياجات أقسام الأطفال المهملة بمراكز رعاية الأطفال ، يعد واحدًا من أهم عناصر مسؤوليتنا الاجتماعية، فمن المعلوم أن حوالي 1٪ من سكان العالم يمتلكون 95٪ من الثروة، وأن حوالي 50٪ من سكان العالم لا يمتلكون حتى 1٪ من الثروة؛ لذا فإن العمل من أجل القضاء على هذا الخلل هو مسؤوليتنا الاجتماعية.