يندر أن يتحدث أحد الآن عن العمل عن قرب ولا عن أهميته، بل قد يكون من غير المستساغ أن يحاول دارس أو باحث ما استقصاء جدوى العمل عن قرب؛ إذ إن هناك تقريظًا عامًا للعمل عن بُعد، وأسهبنا نحن أنفسنا في «رواد الأعمال» في ذكر المزايا التي ينطوي عليها العمل من المنزل.
لكن هل العمل عن قُرب لا ينطوي على مزايا حقًا؟ هل يمكن الاعتماد بشكل كلي على العمل من المنازل؟ هناك بالطبع بعض الشركات (Twitter على سبيل المثال) التي سمحت لموظفيها بالعمل عن بُعد للأبد، لكن آن أوان الفحص الموضوعي للفكرة ذاتها، وإجراء جرد نظري للدراسات التي تطرقت إلى هذه المسألة.
فمن الجيد حين ينظر الناس إلى زاوية معينة أن نشيح نحن أبصارنا إلى الزاوية المخالفة، ليس رغبة في الاختلاف؛ وإنما أملًا في الفهم ومحاولة للحصول على صورة أشمل للوضع الراهن.
اقرأ أيضًا: العمل الجاد وطرق التعامل مع المديرين
العمل عن بُعد كما لم تعرفه
على الرغم من حالة الإطراء التي حظي بها العمل عن بُعد، إلا أن بعض الدراسات الأكاديمية التي أُجريت، مؤخرًا، تشير إلى أن الأمور ليست كما نظن.
فوفقًا لدراسة أجرتها Twingate استقصت فيها آراء أكثر من 1000 موظف عن بُعد، فإن العمل عن بُعد يحدث حالة من فقدان الموظفين للتوازن بين العمل والحياة، ومن النتائج الأخرى التي توصلت إليها هذه الدراسة ما يلي:
40 % من الموظفين عانوا من الإرهاق الذهني من مكالمات الفيديو أثناء العمل عن بُعد، فيما شعر 59% من الموظفين بمزيد من الأمان الإلكتروني أثناء العمل في المكتب مقارنة بالمنزل، وأبلغ 58% من الموظفين عن مناقشة معلومات حساسة حول مكالمات الفيديو الخاصة بالعمل، في حين تم اختراق مكالمات الفيديو لأكثر من 1 من كل 10 موظفين أثناء العمل عن بُعد.
بالطبع كل هذه السلبيات منتفية في العمل عن قُرب، لكن لا يمكننا الجزم بأفضيلة نمط معين من العمل على حساب الآخر، خاصة أننا في مرحلة مبكرة من التحول الهيكلي على صعيد ماهية العمل ذاته.
وأشارت دراسة Doodle، التي شملت أكثر من 1100 موظف أمريكي، إلى انتشار أعراض الإرهاق بين الموظفين العاملين عن بُعد، ولفتت الدراسة إلى أن أسبوعًا كاملًا من الاجتماعات الافتراضية يترك 38% من الموظفين يشعرون بالإرهاق بينما شعر 30% بالتوتر.
ولفتت دراسة Doodle النظر إلى نقطة أخرى على قدر كبير من الأهمية وهي أن العمل عن بعد، وعكس ما هو متوقع تمامًا، قد يتسبب في إضاعة الوقت؛ فـ 63% من الموظفين (الخاضعين للدراسة) اضطروا إلى تسجيل الاجتماعات ومشاهدتها مرات ومرات أملًا في الوصول إلى الفهم الكامل، وإدراك المراد منهم القيام به على نحو أمثل.
اقرأ أيضًا: كيف تلزم مرؤوسيك بتنفيذ قراراتك؟
التنوع والتعاون
في العمل عن قُرب نحقق مكسبًا كبيرًا، وهو مساءلة أفكارنا ووضع تصوراتنا موضع اختبار حقيقي؛ فحين تكون تعمل عن بُعد فالأمر لا يتعلق سوى بمحاولتك فهم ما هو مطلوب منك، وعادة ما تقتصر النقاشات على أمور محددة تتسم بالجمود والرتابة.
أما إذا كنت تعمل في بيئة عمل متنوعة، وتلتقي الناس وجهًا لوجه، وتحدثهم، وتناقشهم وتتعرف على وجهات نظرهم وآرائهم، فمن المرجح أن يكون معدل الاستفادة أبعد عن مجرد معرفة طريقة أداء مهمة ما أو تقديم اقتراح من الاقتراحات.
وخصصت مجلة American Psychologist، في عام 2018، عددًا كاملًا عن «علم العمل الجماعي» وهو مخصص بالكلية لـ «علم نفس التعاون»، وهو عدد حافل بالأدلة على أن العمل في فريق والتواصل الفعال والمباشر مع أعضائه يمكن أن يجعلك أكثر ذكاءً وإبداعًا ونجاحًا.
وفي السياق نفسه، وجد تقرير حديث صادر عن شركة الاستشارات McKinsey & Company أن الفرق المكونة من أعضاء من خلفيات متنوعة (الجنس، العمر ، والعرق.. وما إلى ذلك) أكثر إبداعًا وأداءً أفضل بنسبة تصل إلى 35%، مقارنة بالفرق الأكثر تجانسًا.
تشير أبحاث أجريت في جامعة تافتس إلى أن مجرد العمل في بيئة عمل تتسم بالتنوع والتبادل الحر للآراء والأفكار يمكن أن يغير طريقة تفكيرك؛ حيث وجدت دراسة أُجريت على هيئة محلفين صورية متنوعة أن التفاعل مع الأفراد المختلفين يجبر الناس على أن يكونوا أكثر انفتاحًا، وأن يتوقعوا أن التوصل إلى توافق في الآراء يتطلب جهدًا.
اقرأ أيضًا: رواتب المدراء التنفيذيين.. هل يستحقونها فعلًا؟
الحماس ورفع الروح المعنوية
يساعد العمل عن قرب في تعزيز حماس أعضاء الفريق، ورفع الروح المعنوية، هذا بخلاف العمل من المنزل/ عن بُعد الذي يجعل الموظفين يشعرون وكأنهم في جزر منعزلة، كما أنهم يجعلهم أقل ارتباطًا بزملائهم، وأقل مشاركة في الأحداث اليومية.
والعمل عن قُرب كذلك يزيد من رغبة الموظفين في العمل الجاد أكثر مما لو كانوا يعملون بعيدًا عن أعين مدرائهم؛ فكلما كان الموظف منظورًا أكبر من قبل مديره قويت رغبته في العمل أكثر كي يحصل على ترقية أو حتى مجرد إشادة بجهده.
اقرأ أيضًا:
كيف يمكنك القضاء على مخاطر العمل عن بُعد؟
كيف تستعين بالواتس آب في الإدارة عن بُعد؟
كيف يتابع رائد الأعمال أداء موظفيه؟