كنت أمارس رياضة المشي والتأمل ذات يوم؛ وهي الرياضة التي أهرع إليها كلما حاصرتني الحياة بمشاغلها أو مكدراتها لأعيد التوازن لتلك الظروف، فتذكرت مقابلتي مع رجل مكافح صاحبني في السير ذلك اليوم، أخبرني أنه نشأ ابنًا أكبر في أسرة يزيد أفرادها على العشرين، ليس بها من زاد تعليمه عن الثانوية.
وفي منزله الصغير والعادي والمزدحم، الذي تكاد تنعدم فيه الاستقلالية، فضلًا عن العناية والرقابة والاهتمام، وقسوة الحياة وضغطها عليه كونه الابن الأكبر- وبالتالي عليه مسؤوليات كثيرة تجاه أسرته- أكمل دراسته حتى وصل إلى الثانوية، لكن لم يكن هناك من يرشده للطريق الصحيح، غير أن بعض زملاء الدراسة ذكروا أن توجههم هو مواصلة دراستهم بالالتحاق بإحدى الجامعات بالخارج.
يقول:” وسعيًا للهروب من الواقع القاسي، قررت السفر إلى مدينة بعيدة عنا للتقديم بإحدى الجامعات، وبعد أن يسر الله لي القبول، أعجبتني حياة أعضاء هيئة التدريس، فقررت أن أكون عضوًا بهيئة التدريس مهما كلفني الأمر”.
يقول علماء النفس: “لدى النفس البشرية القدرة على تحقيق أي شيء، إذا ما كان لدى صاحبها الاستعداد الصادق للشيء المطلوب تحقيقه، والذي سرعان ما يبدو على مظهره وتصرفاته وتفكيره وتخطيطه”.
وهنا تأتي الحقيقة الرائعة، التي تمثل الواحة المرجوة في صحراء الأمل: ” عندما نتوق للحياة ونعمل لأجلها بصدق، فلا بد أن تستجيب لنا وتمنحنا ما نريد”.
ومن خلال قراءاتي في موضوع الأهداف وتجليها في هذه الحياة، هناك مجموعة شروط وخطوات يجب توافرها ليحقق الإنسان أهدافه، منها:
- الاتزان الداخلي: ويشمل الاتزان بأشكاله المختلفة (الروحاني مع الله، والصحي، والأخلاقي، والأسري).
- تحديد الرغبات والمطامح المراد تحقيقها مستقبلًا؛ وذلك عن طريق كتابة الأمنيات، ثم ترتيبها من حيث الأهمية.
- زيادة الرغبة في تحقيق الأهداف؛ إذ ينبغي التركيز على أهم أمنية مكتوبة، ثم كتابة الأسباب الدافعة لتحقيقها، لتُعزز إرادتك في تحويل رغبتك من أمنية إلى حقيقة.
- تعميق الإحساس بالرغبة الملحة في تحقيق الأهداف الشخصية، فعندما تكتب الأسباب التي منحتها لهدفك، احرص على تواجد إحساسك في تلك اللحظات؛ حتى تتحول مشاعرك إلى سلوك وأفعال تساعدك في تحقيق أهدافك؛ فكل شيء نفعله قائم على أحاسيسنا، التي تكون مشاعرنا انعكاسًا لها.
- التعلم؛ إذ يفيد في امتلاك المهارة والمعرفة اللازمة لـتحقيق الأهداف.
- التحرك في دائرة الفعل، ويعني أن عليك وأنت متزن وبعدما حددت هدفك وشعرت بالرغبة فيه واكتسبت المهارات اللازمة لتحقيقه، أن تباشر العمل الفعلي لتحقيق أهدافك.
- توقع النجاح، وهو ما يُبنى على أحد قوانين العقل الباطن المعروف بقانون التوقع، الذي يفضي بأن ما تتوقعه من أفكار ينجذب إليك، فإذا توقعت النجاح ستحصل عليه، والعكس صحيح.
- الالتزام، والصبر، والتخيل، والاستمرارية رغم ما يعرض لنا من صعوبات، وقبل ذلك التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، والثقة بالنفس؛ فالله تعالى لا يضيع عمل عامل.
- أهمية العلاقات مع ذوي الخبرة بمجال أهدافك، فهذه إحدى وسائل تحقيق الأهداف التي تحقق أهدافك بسرعة.
- إدارة الوقت؛ إذ ينبغي عليك تنظيم وقتك للوصول إلى أهدافك، وتضمن من خلالها أن يشتمل كل يوم على جزئية تقربك من هدفك، ولو كانت صغيرة؛ فالقفزات الكبيرة تتكون من خطوات صغيرة.
وعند الحديث عن كل المعاني النبيلة السابقة، لا يغيب عن ذهني وتفكيري ما سطره شاعر الخضراء وأديبها أبو القاسم الشابي في رائعته روح الحياة؛ عبر كلماته العذبة والمليئة باليقين والقوة والجمال فكان مما قاله فيها..
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
اقرأ أيضًا:
التعليم الإلكتروني وسيلة لاستمرار التعليم
التوجيه القيادي النيوكارزمي.. والبطالة