ليس من الشائع إيجاد تلك العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة أو بينها وبين الصحة بشكل عام، على الرغم من أن سعي المسؤولية الاجتماعية يتمثل في إحداث فارق إيجابي على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والصحي كذلك.
تتخذ المسؤولية الاجتماعية الإنسان كوجهة أساسية لها، وتضعه في قلب اهتماماتها وعلى رأس أولوياتها، ولذلك ليس بغريب أن تكون العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة قوية ومتينة.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية وأزمة كورونا.. تهديدات أم فرص؟
صحة العاملين كنقطة انطلاق
وإذا كانت المسؤولية الاجتماعية بمختلف مدارسها واتجاهاتها تعمل على تحسين حياة أفراد المجتمع بشكل عام، فمن المنطقي أن يكون مبدأ ومنطلق هذا السعي هو موظفو هذه الشركات الملتزمة اجتماعيًا.
ولعل هذا هو المعنى الذي قصده مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة حين عرّف المسؤولية الاجتماعية بكونها “الالتزام المستمر من قِبل الشركات بالتصرف بشكل أخلاقي، والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع تحسين نوعية حياة القوى العاملة، وأسرهم، والمجتمع بشكل عام”.
اقرأ أيضًا: الاستثمار الاجتماعي للشركات.. استراتيجية ربح مزدوج
يشير هذا التعريف إلى أن تحسين نوعية الحياة هو المطلب الأساسي للمسؤولية الاجتماعية؛ فكل مساعيها، على اختلاف أشكالها وأنماطها، تصب في هذه الغاية النهائية، ويشير هذا التعريف الحديث نسبيًا أيضًا إلى ذاك التحول الذي اتخذته نظرية وفلسفة المسؤولية الاجتماعية مؤخرًا؛ حيث تم وضع الصحة في قلب اهتمامات الشركات والمؤسسات التجارية المختلفة.
وعلى ذلك يمكن القول إن المسؤولية الاجتماعية هي استثمار في الإنسان؛ إدراكًا منها أنه بدون هذا الإنسان _الشرط المسبق لفعل وإنجاز أي عمل_ لن تكون هناك شركات ولا أعمال أصلًا، ونتج عن هذا الإدراك حتمية الاهتمام بنوعية الإنسان الذي سيتولى إنجاز المهام الوظيفية المختلفة، ومن هنا جاء الاهتمام بصحته ونوعية حياته بشكل عام.
اقرأ أيضًا: كورونا والمسؤولية الاجتماعية للشركات.. مساهمات للخروج من الأزمة
الاستثمارات الصحية
صحيح أن الجانب الأخلاقي جانبًا رئيسيًا وأساسيًا من جوانب المسؤولية الاجتماعية، إلا أنه ليس الوحيد أو ليس هو الرقم الوحيد في المعادلة؛ إذ إن الربح هو هدف كل استثمار في النهاية، فهل يوفّر الاستثمار الصحي دخلًامعتبرًا؟ أو بالأحرى ما الذي يجعل الاستثمار الصحي خيارًا جيدًا بالنسبة للشركات الملتزمة بمعايير ومبادئ المسؤولية الاجتماعية؟
في الحقيقة، هناك الكثير من الجوانب التي تجعل هذا الاستثمار الصحي كذلك، فالصحة أجندة عالمية، وجميع البشر يطمحون إلى صحة أفضل، وبالتالي فإن استهلاك خدمات هذا القطاع باقية بقاء الإنسان.
ليس هذا فقط، بل إننا في هذا العصر الحالي نشهد تسارعًا كبيرًا في المشكلات والأزمات الصحية التي تعترض طريق الإنسان وتعرقل مسيره، وهو الأمر الذي يجعل هذا الاستثمار الصحي ضرورة ماسة ومحتمة.
اقرأ أيضًا: الفرص الاجتماعية للشركات.. كيف تكون الأزمات وسيلة للتربح؟
ناهيك عن وجود مساعٍ ومطالبات بتأسيس نظام صحي مستدام، والسعي المحموم نحو صحة جيدة وحياة أفضل، كلها تجعل إدخال المسؤولية الاجتماعية إلى هذا المجال ليست مهمة أخلاقية فحسب، بل اقتصادية كذلك.
كيف تعمل المسؤولية الاجتماعية؟
والآن إذا أرادت شركة من الشركات دخول مجال الاستثمار الصحي، أو الالتزام بواجبها الصحي تجاه المجتمع المحلي أو المجتمع ككل، فماذا يمكنها أن تفعل؟
في الحقيقة، هناك الكثير من المناحي والنشاطات التي يمكن للشركات أداؤها في هذا الصدد، منها، على سبيل المثال، أنشطة الدعاية والتوعية الصحية، والحماية الصحية من خلال تصنيع سلع السلامة الصحية المختلفة، والامتثال للسلامة والصحة المهنية، البحوث والابتكارات التي تخدم هذا المجال.
اقرأ أيضًا: الاستثمار الأخلاقي.. هل من نمط رأسمالي بديل؟
ويمكنها أن تقدم، كذلك، تبرعات مادية من أجل العمل على تنفيذ السياسات والأجندات الصحية في هذا البلد أو ذاك، وفعل الأعمال الخيرية والجهود التطوعية في مجال الصحة.
وأخيرًا وليس آخرًا، توفير بعض الموارد لتحسين المحددات الاجتماعية للصحة، بمعنى تحسين وتجويد ظروف وشروط عيشنا البشري، وهكذا تكون العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة علاقة جوهرية وضرورية في الوقت ذاته.
اقرأ أيضًا:
اقتصاد الكوارث.. من أزمة الكمامات إلى معركة ورق المراحيض!
التأثير الاجتماعي للشركات.. المبادئ أساس النجاح
أزمة العالم الرأسمالي.. لماذا لا تأخذ الشركات خطوة إلى الأمام؟