ما بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع علاقة جد وثيقة، لكن تبيان حدودها واستجلاء معالمها ليس بالأمر الهين؛ إننا إزاء قضية متداخلة، فالشركات التي تنهج نهج المسؤولية الاجتماعية لا تعمل في الفراغ، وإنما هي تعمل في مجتمع ما، والمفترض أن ثمة منافع تعود على هذا المجتمع المحيط.
لكن الأمر ليس مقتصرًا على هذه الزاوية؛ إذ إن الشركات تحقق هي نفسها مكاسب ومنافع من جراء هذه الممارسة.
وبعيدًا عن هذا وذاك، فمن المهم الإشارة، قبل التوغل في استجلاء حدود العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع، إلى أن المسؤولية الاجتماعية ليست عملًا خيريًا، ولا عطية تمنحها الشركات لبعض أفراد المجتمع، ولكنها، دون أن تكون حقًا أو فرضًا، نظرية اقتصادية واجتماعية جديدة.
إنها منظور اقتصادي/ اجتماعي حديث، وأمسى (أي منظور المسؤولية الاجتماعية) شائعًا لدرجة أنه من العسير وجود شركة ترفض النهوض بأداء واجباتها تجاه المجتمع بشكل صريح ومعلن.
اقرأ أيضًا: لماذا تستخدم الشركات شبكات VPN؟
المسؤولية الاجتماعية ليست فرضًا
أسهبنا نحن في «رواد الأعمال» مرات كثيرة في بسط مزايا المسؤولية الاجتماعية، وذكر العديد من الإيجابيات التي يمكن أن تجنيها الشركة من جراء هذه الممارسة، وهو ما يدفعنا إلى القول: إن ممارسة المسؤولية الاجتماعية ليست فرضًا _لاحظ أننا نتحدث عن العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع_ ولا حقًا مكتسبًا للمجتمع، وإنما هي _كما يتحدث المنظرون الاجتماعيون_ «خيار عقلاني».
فالشركات التي آثرت أن تكون فاعلة على الصعيد الاجتماعي تدرك، ومن دون مواربة، أن جيل الألفية الجديدة يفضل التعامل مع شركات ملتزمة اجتماعيًا وبيئيًا.
إننا هنا من جديد إزاء نوع من مبادلة المنافع بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع، فكلاهما يجني فائدة ما، دون أن يتصور طرف ما من هذين الطرفين أن هذه المكاسب المتحصل عليها حق مكتسب، أو أنها فرض على الطرف الآخر.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية للشركات.. تطوع أم إلزام؟
الأزمة العالمية
كانت الرأسمالية واعية _بسطنا هذه المسألة في مقال «الرأسمالية الواعية والمسؤولية الاجتماعية للشركات »_ حين طرحت هذا النموذج الاقتصادي/ الاجتماعي الجديد؛ فمن شأن المسؤولية الاجتماعية أن تضعنا في قلب الأزمات البيئية والاجتماعية الحالية، مثل الاحتباس الحراري، وشح الموارد الحيوية وغيرها من الأزمات.
إذًا تبدو العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع، من هذه الزاوية، أوضح ما تكون، وأعم ما تكون كذلك؛ إذ عبر تبني بعض المنظورات والاستراتيجيات الاجتماعية والاقتصادية لا نعمل على حماية مجتمع محلي بعينه، وإنما، على الناحية الأخرى، نسهم في حماية الكوكب والحفاظ على موارده التي هي جد محدودة من الأساس.
ويمكن المغامرة بالقول إن المسؤولية الاجتماعية للشركات كانت بمثابة استجابة لهذه الأزمات المتراكبة التي يعاني منها كوكبنا المنهك.
وكان لهذا المنظور العديد من الفضائل النظرية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي معًا؛ إذ يصعب في القرن الحادي والعشرين التطرق إلى أي موضوع جدي من دون الانخراط رأسًا في العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع؛ فكل طرف من طرفي المعادلة هذين يدفع باتجاه الآخر، ونجاح كل منهما مرتهن بالآخر.
اقرأ أيضًا: تفعيل المسؤولية الاجتماعية.. أول الغيث قطرة
جيل الألفية
لا يمكن تناول حدود العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع بدون التطرق الكبير الذي يلعبه جيل الألفية في الدفع بالممارسات الاجتماعية للشركات قُدمًا.
فمع نمو عدد المستهلكين من جيل الألفية من الأهمية بمكان أن تضع الشركات في اعتبارها حالة المسؤولية الاجتماعية للشركات وكيفية ممارستها، فغرس نموذج للمسؤولية الاجتماعية ضروري لجذب ما أصبح أحد أكبر قطاعات السوق.
ولعل ما يجسر العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمجتمع أن جيل الألفية ذاك يتمتع بذكاء تكنولوجي بشكل خاص، ولا يفكر مليًا في البحث عن شركة والنظر في سجلها الأخلاقي وممارسات العمل، بل يشعر الكثير منهم بأنه من واجبهم أداء دورهم في جعل العالم مكانًا أفضل، وهذا الجيل المزدهر لا يريد أن يرتبط أو يدعم الشركات التي لا تتحمل مسؤولية العالم والأشخاص الموجودين فيه.
ووجد استطلاع حديث لشركة “Deloitte” أن 70% من جيل الألفية أقروا بأن التزام الشركة بالمسؤولية الاجتماعية أثر في اختيارهم للعمل لدى هذه الشركات.
ونظرًا لأن جيل الألفية سيصبح قريبًا أكبر شريحة من القوى العاملة؛ فستحتاج الشركات التي تتطلع إلى توظيف هؤلاء العمال لتبني المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ من أجل جذب المواهب والاحتفاظ بها.
اقرأ أيضًا:
المسؤولية الاجتماعية لدى ماكدونالدز
نمو المسؤولية الاجتماعية.. الضمير كرقيب داخلي
مبادئ المسؤولية الاجتماعية لدى جوجل.. ممارسات مستدامة