“يبدو دومًا الأمر مستحيلًا، حتى يتم إنجازه” مقولة يعتمدها الملايين من رواد الأعمال حول العالم، فالحلم وحده لا يكفي، وقد تعجز عن تحقيق هدفك، إلا عند التحرٌك في أولى خطوات الإنجاز الفعلي، وعندما تبدأ في لمس أصداء نجاحه، فإن حلمك وقتها يغدو واقعًا؛ وهكذا عمل “نيلسون مانديلا”؛ القائد جنوب الإفريقي؛ لتغيير عالمه إلى الأفضل، وبقوة مقولته، يستنير الآلاف حتى بعد رحيله.
البداية
وُلد نيلسون مانديلا في الثامن عشر من يوليو عام 1918 في قرية مفيتزو بمقاطعة أوماتاتا، الواقعة في إقليم ترانسكاي بجنوب إفريقيا. أطلقوا عليه اسم “روليهلالا مانديلا”، الذي يعني “المشاكس” في لغتهم العامية.
كان والده يعمل مستشارًا لزعماء القبائل في المنطقة؛ لذا كان من المتوقع أن يصبح زعيمًا، إلا أن الخلافات التي نشبت مع الحاكم المحلي التابع للاستعمار أدت إلى تجريده من اللقب، فضلًا عن ثروته بالكامل.
انتقل الأب مع أسرته إلى قرية صغيرة تقع في الشمال؛ حيث أقاموا ضمن أكواخ صغيرة، معتمدين في معيشتهم على المحاصيل المحلية، أما مانديلا فشارك أقرانه في ألعابهم المختلفة.
كان روليهلالا مانديلا أول شخص في عائلته يذهب إلى المدرسة، وهناك طالبه المعلم بتغيير اسمه؛ وذلك وفقًا للأعراف السائدة التي تتبع التحيُز الواقع ضمن النظام التعليمي البريطاني في جنوب إفريقيا، الأمر الذي نفّذه وأصبح يُعرف بـ “نيسلون مانديلا”.
في عمر التاسعة، حدث الأمر الذي قلب حياته رأسًا على عقب؛ حيث رحل والده، وتولّى رعايته أحد أفراد الأسرة الحاكمة لإحدى القبائل جنوب الإفريقية، ومن ثم، سافر إلى مقر الحاكم وتأقلم سريعًا.
درس مانديلا الجغرافيا واللغة الإنجليزية، كما سلّط اهتمامه على التاريخ الإفريقي، وعندما سنحت له الفرصة الاستماع إلى زعماء القبائل المختلفة تعلّم كيف كان يعيش الأفارقة في سلام قبل مجيء أصحاب البشرة البيضاء، الذين احتكروا كل شيء لأنفسهم.
حياته الدراسية
تم تعيين نيلسون مانديلا مستشارًا للعائلة الحاكمة، وتلقّى تعليمه الثانوي في مدرسة كلاركيبوري الداخلية، وهي مؤسسة تمشي على النمط الغربي، وهي أكبر مدرسة للأفارقة من أصحاب البشرة السمراء في تيمبولاند، علمًا بأنه كان متفوقًا في الرياضة، وتحديدًا في الجري والملاكمة، إلا أنه نال قسطًا وافرًا من سخرية زملائه نظرًا لأصله الريفي.
بدأ مانديلا التحضير لليسانس الفنون، وهي درجة في جامعة فورت هير؛ المعروفة بجامعة النخبة السوداء بحوالي 150 طالبًا؛ حيث درس اللغة الإنجليزية، الأنثروبولوجيا، السياسة، الإدارة المحلية، والقانون الهولندي الروماني في سنته الأولى.
في العام التالي انتُخب نيلسون مانديلا عضوًا في مجلس الطلاب، إلا أنه تم إبعاده عن الجامعة، بسبب ما أسموه عصيانًا، بعد أن سار على خطى المضربين عن الجامعة الذين أبدوا عدم رضاهم عن الطعام المقدم من قِبل الجامعة.
تخرج مانديلا في جامعة فورت هير، واستقر في مدينة جوهانسبرج؛ حيث عمل في وظائف متعددة، ثم التحق بجامعة جوهانسبرج لدراسة القانون، وسرعان ما شارك في الحركات المناهضة للفصل العنصري، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عام 1942.
تشكيل حزبي
تعاون نيلسون مانديلا مع مجموعة شبابية لتحويل الحزب إلى حركة شعبية تستمد قوتها من صفوف الفلاحين، والعمّال، كما تبنّى الحزب سياسة جديدة تعتمد على الإضراب والعصيان المدني والمقاطعة عام 1949.
نشر مانديلا أهداف الحزب المتمثلة في تمتُع أصحاب البشرة السمراء بالمواطنة الكاملة، وإعادة توزيع الأراضي، فضلًا عن التمتٌع بالحقوق النقابية، وإلزامية التعليم، ومجانيته لجميع الأطفال، بينما آمن بأهمية النشاطات السلمية ضد الحكومة، وسياساتها العنصرية، الأمر الذي تسبب في اعتقاله مع 150 شخصًا آخرين بتهمة الخيانة العظمى.
وفي الوقت ذاته، عانى الحزب من الانقسام الداخلي؛ نظرًا لاعتقاد بعض أعضائه بأن النشاطات السلمية لم تعد مجدية، خاصة في وجه سياسة القمع، والتعسُف، إلا أن توجهه السلمي تغيّر خلال عام 1961، فاعتنق فكرة الكفاح المسلح، وشارك في تأسيس الجناح المسلح للحزب، ثم قاد إضراب العمال الذي استمر لمدة 3 أيام، الأمر الذي دفع السلطة لاعتقاله والحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، وأعيدت محاكمته من جديد عام 1963، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة.
فترة السجن.. لا للاستسلام
أمضى نيلسون مانديلا 18 عامًا في جزيرة روبن؛ حيث أصيب بالسُل؛ حيث لم يحظَ بالمعاملة الطبية المناسبة؛ نظرًا للون بشرته، إلا أن السجن لم يقف عائقًا أمام طموحه، فحصل على درجة البكالوريوس في القانون عبر المراسلة.
وفي عام 1982، نُقِل مانديلا إلى سجن بولسمور، وعقب 3 أعوام، عرض الرئيس بيتر ويليام بوتا الإفراج عن مانديلا مقابل تخليه عن الكفاح المسلح، إلا أنه رفض، وتوالت جلسات التفاوض دون تحقيق أي نتائج.
كسر القيود
شهد تاريخ 11 فبراير عام 1991 تغييرًا كبيرًا في جنوب إفريقيا؛ حيث تم إطلاق سراح مانديلا، وصدر قرار بإلغاء أحكام الإعدام في البلاد، فضًلا عن إزالة جميع القيود المفروضة على الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
تم انتخاب نيلسون مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الإفريقي عام 1991، وتفاوض مع فريدريك ويليام دي كليرك؛ رئيس البلاد في تلك الفترة، على إجراء أول انتخابات متعددة الأعراق في البلاد.
وفي عام 1993 حاز نيلسون مانديلا على جائزة نوبل للسلام نظير عمله لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ثم أجريت أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا بتاريخ 27 من أبريل عام 1994، ليصبح بذلك مانديلا أول رئيس من البشرة السمراء في تاريخ جنوب إفريقيا.
سعى مانديلا بعد توليه سدة الرئاسة إلى الانتقال بالبلاد من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية السوداء، كما عمل على حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار، ووضع خطة لإعادة إعمار البلاد وتنميتها.
وفي عام 1996 وقّع نيلسون مانديلا على مرسوم تشريع دستور جديد، وأنشأ حكومة مركزية قوية تقوم على حكم الأغلبية، مع ضمان حقوق الأقليات وحرية التعبير.
وعندما حان موعد الانتخابات العامة سنة 1999 أعلن مانديلا عزوفه عن الترشح، ورغبته في ترك العمل السياسي، بينما استمر في نشاطاته الرامية إلى جمع الأموال اللازمة لتشييد المدارس والمراكز الصحية في المناطق الريفية من جنوب إفريقيا.
نهاية المسيرة
نشر نيلسون مانديلا عددًا من الكتب التي تروي معاناته وكفاحه، وفي عام 2004 أعلن رسميًا عن تقاعده من الحياة العامة، وعاد ليعيش في قريته.
وبهدف تأسيس مجموعة عمل معنية بمعالجة جميع الأزمات والمشكلات التي تحدث بالبلاد، اجتمع مانديلا مع عددٍ من زعماء العالم عام 2007، وأُطلق على هذه المجموعة اسم “مجلس الحكماء”؛ حيث تمثلت أهدافها في نشر السلام حول العالم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ودعم المبادرات الرامية إلى التصدي للأزمات الإنسانية، فضلًا عن تعزيز الديمقراطية.
وواظب مانديلا على مكافحة مرض الإيدز الذي كان متفشيًا في جنوب إفريقيا، وكان ظهوره العلني الأخير في المباراة النهائية لكأس العالم عام 2010.
وفي اليوم الخامس من شهر ديسمبر لعام 2013 رحل وهو داخل منزله بمدينة جوهانسبورج؛ حيث أرثاه العالم أجمع، بعد أن كان مصدرًا لإلهام الجميع.
اقرأ أيضًا:
الكاتبة الهندية أرونداتي روي.. الأديبة المناضلة
ما لا تعرفه عن إيلون ماسك.. الثاني في قائمة الأثرياء
رينيه ماغريت.. «إن رأيت فانظر»