كُنت أفتخر أنا وزملائي من رواد الأعمال الشباب ونحن أصغر سنًا ببراعتنا في القدرة على تعدد المهام المتنوعة، وكُنت أظن أنني بحاجة لأن أتقن ذلك لتحسين كفاءتي وإنتاجيتي يومًا تلو الآخر.
ولطالما اعتقدتُ بأن الناجحين بلغوا مرادهم نتيجة أدائهم هذه المهام المتعددة بشكل رائع، إلا أنني أيقنت مؤخرًا حقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه “تعدد المهام”.
أسطورة تعدد المهام
يعتقد الكثيرون بأن تعدد المهام هو جزء ضروري من حياتنا وإلا كيف يمكننا تلبية متطلبات الحياة المتلاحقة والمزدحمة؟ لكن حقيقة الأمر هي أنه لا يمكنك أداء مهام متعددة في آن واحد، أو بمعنى آخر: لا يمكن إنجاز أكثر من مهمة واحدة في الوقت نفسه إلا في حالتين:
1- أن تكون واحدة أو أكثر من المهام هي “طبيعة ثانية”؛ بحيث لا يلزم التفكير لإتمامها، مثل أكل الحلوى أثناء المشي.
2 – المهام التي لا تنطوي على عمليات ذهنية مختلفة، على سبيل المثال: إذا كنت تقرأ كتابًا يمكنك الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية خلال وقت واحد، لكن إذا كُنت تركز على كلمات الأغاني أثناء الموسيقى فلن تحتفظ بقدر كبير من المعلومات التي كُنت تقرأها؛ لأن القراءة بالتزامن مع الاستماع لكلمات الأغاني ينشط مركز اللغة في عقلك ولا يستطيع العقل فعليًا معالجة أكثر من مهمة واحدة في الوقت نفسه.
لذا بالنسبة لجميع من يصرون على إمكانية أدائهم مهامًا متعددة ويتسائلون: ماذا يعني ذلك؟ أجيبهم: هذا يعني أننا قد نشعر بأننا نؤدي مهامًا متعددة، ونبدو للآخرين أننا نفعل ذلك ولكننا في الواقع نتحول تمامًا من مهمة إلى أخرى مرارًا وتكرارًا.
مثلًا: قد تشعر بأن لديك القدرة على قراءة بريدك الإلكتروني والتحدث على الهاتف والمشاركة في دردشة “فيسبوك” في وقت واحد إلا أن ذلك مستحيل حرفيًا؛ فواقع الأمر أن ما تفعله هو بدء كل مهمة وإيقافها بشكل متكرر داخل عقلك ثم تكرارها مجددًا، وهو ما يُعرف في علم النفس باسم “المهام التسلسلية”، وليس “تعدد المهام”.
-
الجانب السلبي لتعدد المهام
أظهرت نتائج بعض الدراسات والأبحاث الحديثة، التي أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية، أن ما تعتقد بأنه “تعدد المهام” هو أمر غير فعال؛ فعندما تنتقل من مهمة إلى أخرى هذا الانتقال لا يكون سلسًا، فهناك دومًا وقت متأخر وهو ذلك الوقت الذي ينقل عقلك انتباهه فيه من مهمة إلى أخرى.
وذلك التحول يستغرق وقتًا طويلًا، فتعدد المهام يستغرق وقتًا أطول بنسبة 40% من التركيز على مهمة واحدة في كل مرة، ووقتًا أكبر من هذه النسبة بالنسبة للمهام المعقدة.
وأظهرت أيضًا دراسة أجرتها جامعة “ستانفورد” بكاليفورنيا أن أولئك الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم متعددي المهام يرتكبون أخطاء أكثر، ويتذكرون تفاصيل أقل ويستغرقون وقتًا أطول لإنجاز المهام من أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم متعددي المهام بشكل متكرر.
ورغم أنني قبل نحو عدة سنوات كُنت سأعارض وبشدة نتائج تلك الأبحاث والدراسات فإنني الآن، وبعد أن أصبحت رجل أعمال متمرسًا، يجب أن أعترف بأن التركيز على شيء واحد في كل مرة يؤدي إلى عمل ذي جودة أعلى.
-
المهمة التالية
سواءً كُنت مقتنعًا بأن “تعدد المهام” مجرد أسطورة أم لا فأنا أريدك أن تحاول أداء مهمة واحدة فقط؛ بحيث تركز على مشروع أو نشاط واحد في كل مرة ثم انتقل إلى النشاط التالي عند الانتهاء.
ومن المحتمل أن تشهد زيادة في إنتاجيتك، وقد ينتهي بك الأمر إلى توفير بعض الوقت.
ونتائج “تعدد المهام” ليست جيدة للعلاقات الاجتماعية؛ فإذا كنت تقرأ بريدك الإلكتروني بينما يتحدث أجدٌ إليك فأنت لا تستمع حقًا ولا تحتفظ في الوقت نفسه بما تقرأه.
-
فريق النخبة
لقد خصص بعض رواد الأعمال الأكثر نجاحًا من الذين أعرفهم أوقاتًا محددة للتحقق من البريد الإلكتروني، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وإجراء المكالمات الهاتفية، وهم يركزون على المهمة التي بين أيديهم فقط ثم ينتقلون إلى المهمة التالية.
وفي هذه الأثناء يغلقون كل ما لا يركزون عليه؛ لذا لا توجد إشعارات عبر البريد الإلكتروني طوال اليوم، ولا نوافذ منبثقة لرسائل “فيسبوك”، ولا للرد على المكالمات غير الضرورية، إلا إذا كان ذلك هو وقت الاهتمام بتلك المهمة.
والآن هل ما زلت تعتقد أن تعدد المهام محفزًا للإنتاجية وأنك أنت الاستثناء، أم ستختار الانضمام لفريق النخبة وتركز على مهمتك الحالية وتتقنها؟
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال: