الصفات والمهارات الشخصية من العوامل الرئيسة لنجاح رائد الأعمال، ولكن ما يميزهم عن غيرهم هو المثابرة وعلو الهمة، ولقد حثنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على علو الهمة وتبني الطموح، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (اليد العليا خير من اليد السفلى)، فصاحب الطموح دائمًا يتطلع للمعالي، فهذا عمر بن عبدالعزيز وكان صاحب همة عالية، ونفس طموحة – يقول: “إنَّ لي نفسًا توَّاقة تمنت الإمارة فنالتها، وتمنَّت الخلافة فنالتها، وأنا الآن أتوق إلى الجنة، وأرجو أن أنالها”، فالقاعدة الذهبية وسر النجاح هو أن عالي الهمة تجده ينطلق بقوة وثقة وإقدام نحو غايته ببذل الأسباب ووضع الأهداف وتوفير العزيمة والصبر والالتزام؛ لتحقيق الأهداف المراد الوصول إليها. ومن سمات أهل الهمم من رواد الأعمال الناجحين فهم دائما يتمتعون بقوة الإرادة والحيوية والنشاط والإبداع والذكاء وانتهاز الفرص، والتأقلم مع كافة المتغيرات والقدرة على الانسجام في البيئات المحيطة المختلفة، وغيرها من السمات الجوهرية لشخصية رائد الأعمال.
يتفق علماء الإدارة والاقتصاد على أن “رائد الأعمال” هو من يتمكن من استثمار التغيرات الدائمة في البيئة المحيطة بشكل مبدع. وهذه التغيرات يمكن أن تكون تقنية مثل ثورة تقنية الحاسب التي مكنت بيل جيتس أن يؤسس شركة مايكروسوفت.
كما أن التغيرات يمكن أن تكون ثقافية مثل ثقافة العمل الحر التي تشجع أفراد المجتمع وتحثهم على السلوكيات الريادية. إن الثقافة والقيم الاجتماعية من أهم العوامل التي تنمي الشخصية والمهارات الإبداعية. فالأسرة على سبيل المثال يمكن أن تزرع داخل أطفالها مفهوم المبادرة والإبداع مثل المخاطرة والاختراع والاستقلالية. وبالتالي فإن الأطفال في هذه البيئة ينشأون ولديهم تطلع ودافعية لإنشاء أعمال خاصة بهم. وبالتالي فإن ثقافة المجتمع القائمة على تشجيع مفهوم العمل الحر كوسيلة لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية تمثل بيئة أكثر قابلية لبناء اقتصاد قوي. في الدول المتقدمة تعتبر المشاريع الصغيرة مصدراً رئيساً للكثير من الأفكار والاختراعات. ففي أمريكا على سبيل المثال تعتبر المشاريع الصغيرة مصدراً للاختراعات أكثر من المشاريع الكبيرة. وذلك لأن أصحابها في الأغلب يؤمنون بأن الابتكار والتجديد يؤثر في أرباحهم ويحفزهم على الاهتمام به. هناك مصطلح لصيق بريادة الأعمال ألا وهو التدمير الإبداعي أو الخلاق “creative destruction” وهو ما أخبرنا به العالم الاقتصادي شومبير على فعل رواد الأعمال، بأنهم يتميزون بالقدرة على كسر القيود والحواجز والجمود والركود السائد في الأنظمة الاقتصادية؛ وذلك من خلال بما يقدمونه من إبداعات وابتكارات وأساليب نظم حديثة فيتبعهم الآخرون فيحدث النقلة الاقتصادية الإيجابية في العالم أو في المجتمع المحيط بهم. ولكن تأثير ريادة الأعمال في أكثر الأحيان لا يمكن توقعه، عملياً عندما تحاول خلق أو ابتكار شيء جديد على هذا العالم فإن درجة نجاحه غير مؤكدة. ولهذا يتعين على رواد الأعمال تقبل الفشل في كل الأحوال. لا يهم كم مرة فشل المهم أن يستفيد من الفشل. بالتأكيد أن تجربة الفشل يكشف لهم طريق النجاح، خير برهان قصة مخترع المصباح توماس أديسون الذي تمكن من اكتشاف المصباح الكهربائي بعد ألف تجربة غير ناجحة. ومن قصص النجاح والهمم العالية، قصة ذلك الرجل الذي ولد في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1809م، نشأ من عائلة فقيرة في ولاية كنتاكي، وقد تكونت لديه ثقافة عالية نتيجة اعتماده على التعلم والتطوير الذاتي في جميع مراحله الدراسية ولكنه فشل في عمل تجاري في عام 1831م. مارس مهنة القانون وترشح إلى الهيئة التشريعية في الولاية التي يقيم فيها وفشل. وفشل مرة أخرى في عمل تجاري عام 1834م. وفي عام 1836م عانى من انهيار عصبي وترشح إلى الكونجرس الأمريكي وفشل في عام 1843م، وتكرر الأمر نفسه في عام 1846م ومرة أخرى عام 1848م. حاول في مجلس الشيوخ عام 1855م وفشل ومن ثم ترشح إلى نائب الرئيس عام 1856م وفشل مرة أو أكثر من مرة. أي شخص آخر يمكن أن يقف بعد هذه المحاولات ويستسلم، إلا أن هذا الرجل كان صاحب همة عالية وإرادة قوية واستمر بالمحاولة تلو المحاولة. في عام 1858م ترشح إلى مجلس الشيوخ ومرة أخرى مني بالفشل. وفي عام 1860م ترشح الشخص ذاته ليتم انتخابه رئيساً السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية، إنه إبراهام لنكون. ولهذا صاحب الهمة العالية دائما يدرك ويشعر بأن القادم هو الأفضل. لطالما سمعنا عن بعض من الأشخاص الذين نتعلم منها الكثير من الدروس والتجارب التي كانت بدايتهم بسيطة، وقد نجحوا في تخطي العقبات ومجابهة الصعاب وتمكنوا من خلال مثابراتهم وعزمهم للوصول إلى القمم. من قصص النجاح لرواد الأعمال الذين شقوا طريقهم إلى عالم المال معتمدين على الله سبحانه وتعالى، ثم على أنفسهم وجهدهم وفكرهم وطموحهم غير المحدود، من هؤلاء الأمير الوليد بن طلال الذي بدأ بمبلغ محدود كان هدية من والده، والراجحي الذي كان تاجر خردة، والحريري الذي كان مصححاً صحافياً، وصالح كامل الذي كان مراجعا حكوميا “معقب”، وغيرهم من أصحاب الهمم العالية الذين سجلوا اسمهم في دنيا المال والأعمال والاستثمارات. وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الهمة العالية وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا وأعمالنا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.