في عالم الأعمال المتسارع والتنافسي، تصبح العقلية الإستراتيجية حجر الأساس الذي تعتمد عليه المنظمات لتحقيق التميز والاستدامة.
إن العقلية الإستراتيجية تمثل نهجًا متكاملًا في التفكير واتخاذ القرار، يقوم على استشراف المستقبل، واستيعاب المتغيرات. واستغلال الفرص بطريقة مبتكرة. وليست مجرد مجموعة من الخطط أو الأهداف المحددة. بل إطار ذهني يوجه القادة والعاملين نحو تحقيق رؤية بعيدة المدى، تتجاوز التحديات وتحولها إلى فرص للنمو.
يهدف هذا المقال، في موقع “رواد الأعمال”، إلى تسليط الضوء على مفهوم العقلية الإستراتيجية، وخصائصها، وأهميتها في بناء منظمات ناجحة وقادرة على مواكبة التحولات العالمية.
كما يستعرض كيف تسهم هذه العقلية في تعزيز الأداء التنظيمي وتحقيق الأهداف المؤسسية من خلال التركيز على الابتكار، وقيادة التغيير، والتكيف مع المتغيرات السوقية. في ظل هذه الأهمية، يصبح تبني العقلية الإستراتيجية ضرورة ملحة لضمان استمرارية المنظمة وتميزها في بيئة عمل لا تقبل سوى الأكثر جاهزية ومرونة. وفقًا لما ذكره موقع “medium”.
ما العقلية الاستراتيجية؟
العقلية الإستراتيجة فن وعلم تقييم الأفكار والمشكلات والفرص، واتخاذ قرارات جيدة تدعم أهدافك العامة. إنها نهج التحديات والفرص بعقلية مستقبلية، وتبني نهج منهجي واستباقي في اتخاذ القرارات، يأخذ في الاعتبار الصورة الأكبر والآثار طويلة المدى. بالإضافة إلى هذا التعريف، الذي يميز العقلية الإستراتيجية طبيعتها المنهجية أي الطريقة أو الأسلوب.
العقلية الإستراتيجية في جوهرها أسلوب أو طريقة، في حين التخطيط الإستراتيجي مخرجات التفكير الإستراتيجي في العمل. والتفكير أو العقلية الإستراتيجية عملية تحليل وتوليف المعلومات لتطوير حلول مبتكرة واتخاذ خيارات مدروسة تتماشى مع الأهداف والغايات الشاملة.
ما الذي جاء أولًا، التفكير الإستراتيجي أم التخطيط الإستراتيجي؟ من المهم أولًا بناء عضلات التفكير الإستراتيجي لديك؛ لكي تتمكن من صياغة خطة إستراتيجية رائعة. التفكير الإستراتيجي هو السلف للتخطيط الإستراتيجي. أتقن التفكير الإستراتيجي وستعد خطط إستراتيجية.
التفكير مقابل التخطيط
دعونا نوضح الفرق بينهما، تخيل أنك تنطلق في رحلة لرسم مسار مستقبل مؤسستك. التفكير الإستراتيجي بوصلتك، فهو يوجه عملية اتخاذ القرارات لديك، ويساعدك على التنقل عبر عدم اليقين والتعقيد. إنه النهج المنهجي الذي تتخذه لتقييم وضعك الحالي، وتنظيم الأفكار وتحديد الأولويات الإستراتيجية والحلول.
من ناحية أخرى، التخطيط الإستراتيجي خارطة الطريق التي تنبثق من هذا التمرين. إنه النتيجة الملموسة لخطة العمل التي تحدد الأهداف والأغراض والمبادرات والجدول الزمني المحددين للتنفيذ. يأخذ التخطيط الإستراتيجي الأفكار الناتجة عن التفكير الإستراتيجي ويترجمها إلى مسار عملي يدفع النجاح المؤسسي.
العقلية الاستراتيجيية للجميع
لكن الحقيقة أن التفكير الإستراتيجي ليس حكرًا على المديرين التنفيذيين والقادة الكبار. إنه مفهوم يمكن للجميع الاستفادة منه، ويجب عليهم ذلك.
في عالم اليوم سريع الخطى ومتغير باستمرار، يعد التفكير الإستراتيجي كفاءة قيمة تمكن الأفراد على جميع المستويات من اتخاذ قرارات أفضل وحل المشكلات بطرق إبداعية، واغتنام فرص النمو والابتكار. إنها مهارة قوية يمكنك تطبيقها في جميع جوانب حياتك.
بناء مفكرين إستراتيجيين على كل مستوى
لتسخير قوة التفكير الإستراتيجي تحتاج المنظمات إلى بناء مفكرين إستراتيجيين على كل مستوى. لا يكفي الاعتماد فقط على التوجيهات والإستراتيجيات العليا الصادرة من قمة الهرم.
بدلًا من ذلك، تتمثل الفرصة بالنسبة للمنظمات في تعزيز ثقافة التفكير الإستراتيجي؛ حيث تشجع الموظفين على جميع المستويات على التعامل مع أفكارهم ورؤاهم ووجهات نظرهم على نحو إستراتيجي. كان هذا هو الإلهام وراء دورة الماجستير في التفكير الإستراتيجي، بهدف جعل التفكير الإستراتيجي في متناول الجميع.
من خلال تمكين الموظفين من التفكير الإستراتيجي، يمكن للمنظمات الاستفادة من ثروة من الإمكانيات غير المستغلة، ودفع الابتكار من الأسفل إلى الأعلى. المفكرون الإستراتيجيون على كل مستوى مجهزون على نحو أفضل لتوقع التغيير والتكيف مع الحقائق الجديدة والتفكير النقدي ودفع النتائج الإيجابية لأنفسهم ولمؤسساتهم.
تقنيات التخطيط الإستراتيجي
التفكير الإستراتيجي ليس مجرد عقلية، بل مهارة يمكن تنميتها وصقلها بمرور الوقت. من خلال تبني نهج منهجي في اتخاذ القرارات والاستفادة من تقنيات التخطيط الإستراتيجي. يمكن للأفراد والمنظمات على حد سواء فتح إمكانيات جديدة ودفع الابتكار لتحقيق النجاح على المدى الطويل في المشهد المتغير باستمرار اليوم.
لذا، في المرة القادمة التي تواجه فيها مشكلة معقدة أو مستقبلًا غير مؤكد، تذكر أن التفكير الإستراتيجي طريقتك، والتخطيط الإستراتيجي خارطة الطرق. يشكلان معًا الأساس للنجاح في عالم اليوم الديناميكي.
الخصائص الأربع الرئيسة للعقلية الإستراتيجية
التأثير على ما لا يمكنك التحكم فيه
يُدرك التفكير الإستراتيجي أن المهمة الأساسية للإستراتيجية التأثير على المتغيرات التي لا يستطيع صانع الإستراتيجية التحكم فيها. وذلك في الاتجاه الذي يرغب فيه صانع الإستراتيجية.
كما أشارنا سابقًا، تتحكم الشركة في الكثير من المتغيرات، مثل: عدد الموظفين التي ستوظفهم، ومساحة المكاتب التي ستأجرها. ومقدار الإعلانات التي ستعمل على تشغيلها، ومقدار الاستثمار في البحث والتطوير. وما إلى ذلك (يسميها العلماء المتغيرات التابعة).
لكنها لا تتحكم في العميل (المتغير المستقل). يفعل العميل ما يشاء، متى يشاء، وكيفما يشاء. وينتج التفكير الإستراتيجي خيارات تجبر العميل على فعل ما يأمله صانع الإستراتيجية ويريده.
كيفية التعامل مع المعلومات
يتطلب التفكير الإستراتيجي مهارة التعامل مع نوع مختلف من المعلومات عما يستخدم عادةً في قرارات الأعمال. الهدف التأثير على سلوك العملاء في المستقبل. هذا يعني أنه لا توجد بيانات؛ لأن جميع البيانات تأتي من الماضي. لا توجد بيانات عن المستقبل.
وبالتالي، يحتاج المفكر الإستراتيجي إلى أن يكون مرتاحًا بشيء آخر غير البيانات الكمية ذات الدلالة الإحصائية. يعرف المفكرون الإستراتيجيون أنه إذا لم يتمكنوا من الاعتماد على البيانات الكمية ذات الدلالة الإحصائية. فعليهم اتخاذ القرارات بناءً على شيء آخر. يصبحون ماهرين في التفكير والقرار بناءً على مجموعة واسعة من المعلومات التي ليست ذات دلالة إحصائية، وغالبًا لا يمكن قياسها أيضًا.
شكل مهم واحد من المعلومات النوعية هو التشبيه/الاستعارة، التي وصفها “أرسطو” بأنها أعلى أشكال التفكير: “أكبر شيء على الإطلاق أن يكون لديك سيطرة على الاستعارة. إنها علامة على عبقرية”.
استخدم ستيف جوبز الخط الذي تعلمه في ريد كوليدج لإبلاغ رؤيته لمظهر واجهات مستخدم “أبل”. لم يكن لديه بيانات كمية لإبلاغ قراراته، بالتأكيد لا شيء ذو دلالة إحصائية. لكن كان لديه قوة الاستعارة.
يكون التفكير الإستراتيجي شرهًا عندما يتعلق الأمر بالمعلومات. سواء أكانت نوعية أم كمية أم استعارية أم تشبيهية. ويفترض أن البيانات التي ليست ذات الدلالة الإحصائية من جميع الأنواع، يجب أخذها في الاعتبار بدقة للتوصل إلى قرارات بشأن المستقبل.
الاستفادة من المنطق الاستنباطي
يجب أن يستخدم التفكير الإستراتيجي شكلًا من أشكال المنطق، لا يدرس في النظام التعليمي الرسمي. يدرس الطلاب شكلين من المنطق في النظام التعليمي الرسمي.
كما يدرس الطلاب استخدام المنطق الاستنتاجي – الاستدلال من المبادئ العامة إلى استنتاج محدد. جميع البشر فانون (مبدأ عام). باراك أوباما إنسان (معلومات محددة). لذلك، أوباما فاني (استنتاج محدد).
كما يدرسون لاستخدام المنطق الاستقرائي – الاستدلال من بيانات محددة إلى مبدأ عام. أجرينا مقابلات مع ألف عميل، وفضلوا ضمان التسليم على جودة الطعام (بيانات محددة)؛ لذا فإن ضمان التسليم المتغير الأكثر أهمية في قرارات العملاء (مبدأ عام).
لا يدرس الطلاب المنطق الاستنباطي، وهو الاستدلال على أفضل تفسير، أي يمكننا الوصول إلى الاستنتاج الأكثر احتمالًا بناءً على البيانات المتاحة. عميل يتحقق من هاتفه المحمول طوال العشاء (البيانات المتاحة). هذا الموعد لا يسير على ما يرام (أفضل تفسير).
كما أشار تشارلز ساندرز بيرس؛ الفيلسوف الأمريكي العملي العظيم، لا يمكنك استخدام المنطق الاستقرائي أو الاستنتاجي للتوصل إلى فكرة جديدة. لكن العالم مليء بالأفكار الجديدة؛ لذلك يجب أن يكون هناك شكل ثالث من المنطق، الذي أطلق عليه المنطق الاستنباطي، واستخدامه هو سمة أساسية للتفكير الإستراتيجي.
النظر في متغيرات متعددة خلال وقت واحد
يجب أن يأخذ التفكير الإستراتيجي في الاعتبار الكثير من المتغيرات في وقت واحد. وليس على نحو تسلسلي. ويشمل ذلك المتغيرات المتعلقة بالعملاء والمنافسين ومختلف جوانب الشركة والمزيد. التفكير فيهم على نحو تسلسلي وليس إستراتيجيًا. سيؤدي ذلك إلى تحسين محلي للحلول الضيقة، حل تسويقي، وحل تصنيع، وما إلى ذلك.
كما قال بيتر دراكر: “لا توجد قرارات تسويقية، ولا قرارات مالية، ولا قرارات ضريبية. هناك فقط قرارات تجارية”. لن يكون التفكير التسلسلي في المتغيرات الضيقة قادرًا على إجبار العملاء على التصرف بالطريقة المرغوبة. هل قوة مجموعة متكاملة من الخيارات عبر المتغيرات التنافسية المختلفة التي يمكن أن تجبر عملاء العمل، وليس تسلسلًا من الخيارات المستقلة؟
باختصار، ينطوي التفكير الإستراتيجي على الراحة في استخدام المنطق الاستنباطي والبيانات غير ذات الدلالة الإحصائية (النوعية، الفردية، التناظرية) على متغيرات متعددة لإنشاء نموذج حول كيفية التأثير، من خلال الإجراءات على الأشياء التي تتحكم فيها، على السلوك المستقبلي للشيء الرئيس الذي لا تتحكم فيه “العميل”.
أفضل صديق للتفكير الاستراتيجي سؤال “ما الذي يجب أن يكون صحيحًا”. إنه يمكّن المفكرين الإستراتيجيين من وضع منطق خياراتهم الإستراتيجية لتقييم ثقتهم بأن هذاالسؤال مرجح بما فيه الكفاية ليكون صحيحًا لمتابعة اختيار الإستراتيجية.
هذا مهم للمفكرين الإستراتيجيين؛ لأنهم لا يستطيعون إثبات مسبقًا أن خياراتهم الإستراتيجية ستنتج النجاح الذي يسعون إليه. لكن المفكرين الإستراتيجيين يفعلون ذلك بغض النظر، ثم يلتزمون به طالما كان ذلك ضروريًا لتمكين الثمار المرغوبة من النمو والنضج.
ويدرك المفكرون الاستراتيجيين أنه سيكون هناك دائمًا جانب سلبي لاختياراتهم. لكن هذا لن يردعهم عن اتخاذ الخيارات التي ينتجها تفكيرهم.