لا صوت يعلو في الأفق حاليًا على صوت القوة، وأيًّا كان نوعها وسُبل تحقيقها ومدى بلوغها فإن الحال يدفعنا إلى اتخاذ كل ما من شأنه الارتقاء بأوطاننا العربية، وتوفير أقصى متطلباتنا من داخل الوطن العربي؛ حتى لا نكون عالة على غيرنا، وأولى الخطوات هي الجرأة وعدم الركون لسياسات الماضي التليد؛ من استصعاب الأمور، والخوف من الفشل؛ لأنَّها كوارث مؤجلة سندفع ثمنها تأخُّرًا، وتخلُّفًا، ورجعيةً، ومن ثمَّ التربُّع طويلًا في ذيل الدول النامية كما يصفنا الغرب.
وفي واحدٍ من المجالات التي تتطلَّب هذه الميزة وتلك الطريقة يوجد مجال «رواد الأعمال» على الساحة العربية اليوم، وهو فضاء فسيح، ثريٌّ بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بل الكبرى، التي تنتظر التمويل، وإعطاء الفرصة لكفاءات وعقول أظنَّها الأقدر والأجدر لخوض غمار التجربة، وسيكون النجاح حليفًا لها؛ لأن هذه الفئة تستخدم إمكانات عقولها أكثر من استخدام عقول الآخرين، وهم أبعد ما يكونون عن التقليد الأعمى والسير على خُطى الغير، في مشهد يتكرر بغالبية مشاريعنا آلاف المرات؛ ما يُفقدنا التنوُّع ويُهدر علينا الفرص، ويحصرنا في نطاق الرتابة القديم المستهلك لمعظم مؤسساتنا وشركاتنا ومصانعنا، وحتى مواردنا.
حتى الآن لم يصل قطار ريادة الأعمال بدولنا العربية لتلك الرحلة التي بلغتها دول أوروبا وأمريكا وغيرها من بلاد العالم، رغم السباق المحمود الذي يجري على الأرض بالداخل العربي الآن في ريادة الأعمال، وهذا كله يعود لسلسلة من التعقيدات، التي تبحث عن حلولٍ عاجلة لا يجب التأخُّر فيها أكثر من ذلك، وليكن منها على سبيل المثال لا الحصر: الثقة المفقودة بين القطاعين الخاص والعام في معظم دولنا؛ بسبب بيئة القوانين غير المواتية للشركات الناشئة والوليدة، لتكون في مأمنٍ من التقلُّبات الاستثمارية التي تذهب برؤوس الأموال والاستثمارات العاملة فيها، وهو شقٌ يحتاج حزمةً من التشريعات الدقيقة من رجال التشريع، كلٌ في مجاله؛ حتى تكون البيئة خصبة وصالحة لانطلاقها، وتحقيق الأهداف المرجوة منها، وتنويع دور الإنتاج وقطاعاته؛ وهو ما يدعو لتعزيز الثقة في شقَّي العملية الإنتاجية بأوطاننا، الخاص والعام، والبيئة القانونية المطمئنة للاستثمار الناشئ.
لا يغيب عن الناظر للفئات الأكثر إقبالًا على برامج ريادة الأعمال، والتي تتصدَّرها بالطبع فئة الشباب، نهمهم في بناء مستقبلهم، وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم التي في خاطرهم؛ لذلك تجد أنماط التفكير لديهم نشطة وحيوية، وتعكس مدى النضج الشبابي في بلادنا، وأنه لا يقل ذكاءً ولا فكرًا عن نظيره بالخارج، بل ربما يفوقه لو وُفِّرت له مساحة وإمكانات، فتراهم يخرجون علينا ببنات أفكارٍ لمشروعات جيدة ورائعة، تأخذ أشكالًا مغايرة لما هو قائم، وبإمكانها كسب ثقة المستثمر الداخلي والخارجي بأمواله وإمكاناته، ويتطلع للاشتراك فيها على أرض الواقع؛ لتنبئه بنجاحها، وإيمانه بعزيمة ونشاط المناضل فيها.
لكن أيضًا وفى الوقت ذاته تُواجهنا معضلات التدريب على المهارات الريادية لهم، ونقص البرامج المُخصصة لذلك الغرض، كما تجدر الإشارة هنا أيضًا إلى قلة الملتقيات السنوية للشباب العربي لعرض أفكاره، وشرح وتوضيح تفاصيلها بتوسُّعٍ؛ لإضافة اللمسات التي تحتاجها ودعمها، والوقوف إلى جوار أصحابها، ناهيك عن التقارب والتعرّف على تجارب الغير، وأنماط التفكير خارج الصندوق لكل شباب دولة على حدة، ليكمِّل شبابنا بعضه بعضًا، ومن ثمَّ توليد حالة تشاركية في الأعمال والاستثمار، والتعرُّف على نقاط الخلل التي يُمكنها إعاقة أيِّ مشروعٍ وليد، بأيِّ بلد عربي يتم إنشاؤه به.
انعدام الموارد أو ضعفها للرياديين كان هو الآخر بابًا للتراجع في هذا المجال، فلماذا لا تخصص حكوماتنا حتى اليوم صندوقًا عربيًا موحَّدًا يحتضن الكفاءات والمبتكرين والمبدعين، ويبدأ بتحديد المشروعات الجديرة بالتنفيذ، ووضع الخطط والبرامج لها، وضخ السيولة اللازمة للقائم عليها، ومساعدته في شق طريقه إلى أن تقف شركته ومشروعه على قواعد ثابتة، وفتح أسواق له داخليًا وخارجيًا، وتعليمه كيفية ترويج منتجه بطرقٍ علمية؛ لعلمها بأن العائد أوسع أبوابًا من ذلك الذي تم فتحه، فكم من عاطلٍ سيعمل وكم من سلعةٍ نحتاجها وندفع لها بالعملة الصعبة لجلبها ستتوطَّن، أضف إلى ذلك إعطاء رسالة للعقول لتولِّد طاقاتها المعطلة، وإخراجها للنور، والعمل على صناعة وبلورة الناجح منها؛ ليكون قدوةً لغيره للسير على الدرب، فهناك الكثير من النماذج التي يُضرب بها المثل في هذا المضمار، وكلها عوامل لا بدَّ أن يجتمع عليها متخذو القرار العربي يدًا واحدة.
ما زال ينقصنا الكثير في ريادة الأعمال ربما لا يتسع المقال لسرده، ولكن نحن على الطريق نحبو، فلنسرع الخُطى، الوقت لا يُعطي رفاهية التأخير في ظل عالم تتشكَّل تكتلاته الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، ناهيك عن العسكرية وهي قوة الردع والاستحواذ والسيطرة، وهو ما يحتِّم علينا أمورًا في مجال ريادة الأعمال؛ وهي بناء تكتّل عربي لشباب وشابات ريادة الأعمال، وإنشاء كيان موحّد للتدريب والتأهيل وإعطاء الخبرة، وتوفير مصادر تمويل عبر صندوق تكافلي للأفكار الخلاقة لشبابنا، والاستعانة بخبراء التشريع، كلّ في مجاله، لوضع النقاط على الحروف لتنظيم العمل، ومنح الثقة والطمأنينة للريادي والريادية لإخراج الطاقات، وتسويق المنتج معه، وفتح الأبواب له، واطلاعه على كل ما هو جديد في مجاله عالميًا؛ لتطوير مشروعه وما صنعت يداه.
وكذلك إنشاء قاعدة ريادية تكون مصدر تواصل بين المصري والسعودي والإماراتي والكويتي إلى آخره، والعمل على وضع استراتيجية وطنية عربية لريادة الأعمال، وجلب وعرض المشروعات الناجحة على شبابنا ليلهب حماسه، ويدفع به نحو الجرأة في اتخاذ القرار، والإيمان بالنجاح، والقضاء على السياسة العقيمة في إنشاء وتأسيس الكيانات الإنتاجية، التي تُشبه بعضها في الشكل والمنتج والقائم عليهما.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
خبيرة ريادة أعمال: ربط التعليم بريادة الأعمال ضرورة قصوي للنهوض بالاقتصاد القومي
مدير الاستثمار في جلوبال فنتشورز: رواد الأعمال قادرون على تطوير حلول للتغلب على التحديات المناخية
تزامنًا مع قمة المناخ.. “تكني” تطلق مسابقة لمواجهة التحديات البيئية
ندوة في قمة “تكني” تدعو لتضمين الذكاء الاصطناعي بالمناهج التعليمية
فيديو| ملك العشيري: بيزنكس 2022 بوابة للراغبين في الاستثمار في مصر