من عجيب الأمر، أن تتطابق حروف الجامع والجامعة، فللجامعة حُرمة تتشابه وحُرمة الجامع الذي نتقرب فيه إلى الله بالصلاة؛ إذ نتقرب إلى الله أيضًا في الجامعة بالتعلم واكتساب المعارف.
وهناك أمور متشابهة بين الجامع والجامعة؛ ففي الجامع، هناك المحراب الذي يوجهنا للقبلة، وبالجامعة محراب العلم الذي يوجهنا للعلوم الحديثة في شتى المجالات.
وفي الجامع يعتلي الخطيب المنبر، موجهًا حديثه وعلمه للمُصلين المُنصتين في خشوع، وفي الجامعة يقف الأستاذ الجامعي نفس الموقف تجاه أبنائه الطلاب المُنصتين أيضًا، مُعلمًا إياهم، وكما قال أمير الشعراء:
قـُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا … كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولًا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي … يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولًا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ … عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقـلَ مِن ظُلُماتِهِ … وَهَـدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلًا
إن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم، هي أمر من الله عز وجل بالقراءة؛ كونها الوسيلة الأولى لطلب العلم، فكان قوله تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5). كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة”.
إن الجامعة منارة تسطع بنور العلم والثقافة والمعرفة، وتمثل مركز إشعاع حضاري لأي منطقة تقام فيها، وتنهض بها وبسكانها على كل الأصعدة.
لوكان الأمر بيدي، لطلبت من الطلاب ترك أحذيتهم خارج قاعات ومدرجات التعلم، لِسمُوّ الغاية والمكان، وإجلالًا للعِلم وقيمته؛ فالجامعة مصنع العلماء وقادة الغد وصُنَّاع المستقبل ورواد الأعمال الساعين لإعمار الأرض وبناء الأمجاد، كما يمكنها القيام بدور حيوي في تخريج رواد أعمال جدد، بجانب دورها الأساسي في نشر المعارف العلمية والتكنولوجية.
ولقد تشرفت باختيار أحد مؤلفاتي وهو كتاب “ابدأ مشروعك ولا تتردد” ليكون منهجًا لريادة الأعمال لطلاب السنة التحضيرية بأكبر الجامعات السعودية، كما أقوم منذ سنوات بتدريس منهج ريادة الأعمال لأول مرة لطلاب الهندسة في مصر؛ من خلال كتابي “ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة”.
وأرى دومًا أن تدريس ريادة الأعمال بالجامعات يجب ألا يقتصر على الجوانب المحاسبية والتسويقية والإدارية والقانونية فحسب، بل هو أشمل وأوسع من ذلك؛ إذ يهدف إلى تغيير عقلية طلاب الجامعة ودفعهم بهدوء نحو التغيير الإيجابي، فيتعلمون أدوات الإبداع والابتكار، ويكتسبون مهارات القيادة، والتخطيط الاستراتيجي، والاتصال، والتفاوض، والعمل الجماعي، والعمل تحت ضغط، وصناعة واقتناص الفرص، وحتى الانتماء للوطن وحل مشكلاته من خلال ريادة الأعمال الاجتماعية.
كذلك، يتعلمون مهارات تصنيف وتقييم المخاطر، وتقبُل الآخر، والثبات الانفعالي، ومهارات العرض والتقديم، والذكاء العاطفي، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتنبؤ ببيئة الأعمال.
هذا غيض من فيض، سيؤدي حتمًا إلى إثراء شخصية الطلاب في هذه المرحلة المفصلية من أعمارهم؛ ليكونوا الطاقة التي تصعد بوطنهم إلى أعلى سُلم الأمم المتقدمة.
اقرأ أيضًا: