شهدت سوق تمويل الشركات الناشئة في المنطقة العربية، خلال شهر أكتوبر 2024، تباطؤًا ملحوظًا؛ حيث أظهرت البيانات الصادرة عن موقع “iHUB GCC” انخفاضًا حادًا في حجم الاستثمارات مقارنة بالشهر السابق.
وبينما سجل شهر سبتمبر الماضي استثمارات بلغت 251 مليون دولار موزعة على 57 صفقة، انخفض هذا الرقم بشكلٍ كبير في أكتوبر ليصل إلى 108.5 مليون دولار فقط؛ أي بنسبة انخفاض تجاوزت 57%.
من ناحية أخرى فإن المقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي تكشف عن صورة أكثر تعقيدًا. فعلى الرغم من أن إجمالي قيمة الصفقات في أكتوبر 2024 زاد بنسبة 25% مقارنة بالعام السابق إلا أن هذا النمو يأتي في ظل ظروف اقتصادية عالمية متغيرة، وتحديات تواجه العديد من القطاعات.
أضف إلى ذلك أن التركيز على النمو السنوي قد يحجب الصورة الكاملة عن التباطؤ الحاد الذي شهدته السوق خلال الأشهر الأخيرة.
أداء الشركات الناشئة
وفي حين يثير هذا الانخفاض قلق المستثمرين ورواد الأعمال على حد سواء، فإنه يفتح الباب أمام طرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التباطؤ. هل يعود ذلك إلى تقييم المستثمرين للمخاطر بشكل أكثر حذرًا في ظل التضخم المتزايد وتقلبات أسواق المال؟ أم أنه نتيجة تشبع السوق بعد سنوات من النمو المتسارع؟ أم أن هناك عوامل أخرى تؤثر في جاذبية الاستثمار بالشركات الناشئة داخل المنطقة؟
كذلك يسلط هذا التباطؤ الضوء على الحاجة إلى تنويع مصادر التمويل للشركات الناشئة، والبحث عن آليات جديدة لدعم نموها. فبدلًا من الاعتماد الكلي على الاستثمارات الجريئة يمكن للشركات الناشئة اللجوء إلى التمويل الحكومي، أو التمويل الجماعي، أو قروض البنوك.
كما تؤدي المسرعات وحاضنات الأعمال دورًا حيويًا في دعم الشركات الناشئة وتوفير التوجيه والإرشاد اللازمين لها.
هيمنة القطاع العقاري والتقني
أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن “iHUB GCC” سيطرة قطاعات محددة على المشهد الاستثماري في المنطقة العربية خلال شهر أكتوبر 2024. وتبرز التقنية العقارية والتقنية المالية والتجارة الإلكترونية كأكثر القطاعات جذبًا للاستثمارات؛ ما يعكس تحولًا في توجهات المستثمرين نحو هذه المجالات الواعدة.
القطاع العقاري يتربع على عرش الاستثمارات
استحوذ قطاع التقنية العقارية على النصيب الأكبر من إجمالي قيمة الصفقات الاستثمارية خلال الشهر؛ حيث بلغت قيمة الصفقات في هذا القطاع حوالي 26.3 مليون دولار، موزعة على خمس صفقات.
ويمثل هذا الرقم نحو 24.3% من إجمالي قيمة الصفقات في جميع القطاعات. ما يؤكد الثقة المتزايدة في قدرة التقنيات الحديثة على إحداث ثورة بقطاع العقارات التقليدي.
المملكة والإمارات تتصدران المشهد الجغرافي
من الناحية الجغرافية احتكرت الشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة النصيب الأكبر من صفقات التمويل. إذ بلغ عدد الصفقات في البلدين 24 صفقة، بالتساوي بينهما. ما يمثل حوالي 70% من إجمالي عدد الصفقات في المنطقة.
المملكة تتصدر من حيث قيمة الاستثمارات
على الرغم من التوزيع المتساوي للصفقات بين السعودية والإمارات إلا أن الشركات الناشئة السعودية استطاعت جمع أكبر حصة من إجمالي قيمة الاستثمارات؛ حيث بلغت قيمة الاستثمارات في الشركات السعودية نحو 56 مليون دولار. وهو ما يمثل ما يزيد على 52% من إجمالي قيمة الاستثمارات في جميع الشركات الناشئة بالمنطقة.
أسباب الهيمنة القطاعية والجغرافية
يمكن تفسير الهيمنة القطاعية والجغرافية لعدة عوامل؛ منها:
- الاهتمام الحكومي بدعم الابتكار: تسعى الحكومات في السعودية والإمارات إلى تحفيز الابتكار وتشجيع الاستثمار في التقنيات الحديثة. خاصة بقطاعات المستقبل مثل: التقنية العقارية والتقنية المالية.
- وجود بيئة جاذبة للاستثمار: تتمتع السعودية والإمارات ببنية تحتية متطورة وقوانين استثمار مشجعة. ما يجعلهما وجهة جاذبة للشركات الناشئة والمستثمرين.
- النمو المتسارع للقطاع العقاري: يشهد قطاع العقارات في المنطقة نموًا متسارعًا. وذلك يزيد من الطلب على الحلول التقنية التي يمكن أن تساهم في تحسين كفاءة القطاع.
“إيجاري” تتصدر استثمارات أكتوبر بـ 14.65 مليون دولار
حصدت شركة التقنية العقارية المالية الرائدة “إيجاري”، ومقرها المملكة العربية السعودية، لقب أكبر صفقة تمويل في قطاع الشركات الناشئة خلال شهر أكتوبر الماضي. وذلك بجمعها استثمارات ضخمة بلغت 14.65 مليون دولار.
ويأتي هذا الإنجاز ليثبت الثقة المتزايدة في نموذج عمل الشركة واعدة المستقبل في قطاع التكنولوجيا العقارية.
في حين حققت شركة “المنيو”، المتخصصة في مجال تشغيل المطاعم، المرتبة الثانية بأكبر صفقة تمويل خلال الشهر ذاته؛ حيث جمعت 10.13 مليون دولار. وتؤكد تلك الصفقة ازدهار قطاع التكنولوجيا في مجال الضيافة وتقديم الخدمات الغذائية. وتسليط الضوء على فرص النمو الهائلة في هذا السوق الواعد.
أضف إلى ذلك شهد قطاع التقنية العقارية اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين خلال الشهر الماضي؛ حيث استحوذ على حصة كبيرة من إجمالي قيمة الصفقات الاستثمارية.
ويعكس هذا الاهتمام المتزايد الثورة الرقمية التي تشهدها صناعة العقارات. وتبني الشركات الناشئة حلولًا مبتكرة لتحسين تجربة المستخدمين وتلبية احتياجاتهم المتطورة.
من ناحية أخرى سجلت المملكة العربية السعودية أداءً قويًا في جذب الاستثمارات خلال شهر أكتوبر؛ حيث استحوذت الشركات الناشئة السعودية على نسبة كبيرة من إجمالي قيمة الصفقات. ويعكس هذا الإنجاز النمو المتسارع لبيئة ريادة الأعمال في المملكة. والدعم الحكومي الكبير لقطاع التكنولوجيا.
كذلك أظهرت نتائج شهر أكتوبر انخفاضًا في إجمالي قيمة الصفقات الاستثمارية مقارنة بالشهر السابق. ولكن هذا الانخفاض جاء متوقعًا في ظل التحديات الاقتصادية العالمية. بينما لا يزال قطاع الشركات الناشئة بالمنطقة العربية يحافظ على جاذبيته للمستثمرين. ويعد واحدًا من أكثر القطاعات الواعدة.