في خضمّ التطورات المتسارعة التي تشهدها بيئات العمل الحديثة، باتت أخلاقيات الفريق بمثابة الركيزة الأساسية التي تبنى عليها المؤسسات الناجحة. غير أن هذا المفهوم النبيل يواجه تحديات عديدة تهدد تماسكه واستمراريته.
ووفقًا لدراسة أوروبية حديثة أجرتها جامعة كامبريدج، فإن 68% من الموظفين يشعرون بأن غياب التواصل الفعّال يُشعل فتيل النزاعات داخل الفريق. ما يؤدي إلى تآكل الثقة المتبادلة بين أفراده. علاوة على ذلك، أشارت الدراسة إلى أن التنافس الشرس بين الأفراد يساهم في خلق بيئة سامة تعيق التعاون والإنتاجية.
أخلاقيات الفريق
من ناحية أخرى، يمثل غياب القيادة الحكيمة، عاصفة أخرى تهدد سفينة أخلاقيات الفريق. بينما أفاد 74% من المشاركين في دراسة أجرتها جامعة أكسفورد بأن نقص التوجيه من قِبل القادة يخلق حالة من الفوضى والارتباك، ويؤدي كذلك إلى تآكل الثقة بين أعضاء الفريق. كما أن غياب التقدير والاعتراف بالجهود الفردية يعد من أبرز العوامل التي تضعف الالتزام الجماعي بقيم الفريق وأهدافه.
كذلك، فإن التحيّز والتمييز داخل الفريق يشكلان عائقًا كبيرًا أمام بناء فريق عمل متماسك. فبحسب تقرير صادر عن معهد إيراسموس الأوروبي، يشعر 54% من الموظفين بالتمييز أو التفضيل في بيئات العمل. ما يخلق فجوات عميقة بين الأفراد ويعوق بناء الثقة المتبادلة. كما أوضح التقرير ذاته أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب اتخاذ إجراءات حازمة لتعزيز المساواة والعدالة داخل الفرق.
وبينما يعتبر عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات من التحديات الأخرى التي تواجه أخلاقيات الفريق، فإن الدراسات تؤكد أن 61% من النزاعات في بيئات العمل ترتبط مباشرة بسوء توزيع المهام أو غياب التفاهم حول المسؤوليات. ومن الضروري أن تعزز المؤسسات ثقافة التنظيم والعمل الجماعي من خلال وضع هيكل واضح يحدد دور كل فرد، بما يضمن تحسين الأداء وتقليل التوترات.
8 أخطاء شائعة وكيفية تجنبها
ثمة مجموعة من الأخطاء الشائعة ترتكبها العديد من الفرق والتي تؤدي إلى تدهور أخلاقيات العمل الجماعي وتقويض روح التعاون والإنتاجية. هذه الأخطاء، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحمل في طياتها عواقب وخيمة على أداء الفريق ككل. فالتجاهل المتعمد للسلوكيات السلبية، والفشل في تقديم التقدير والاعتراف بالجهود المبذولة. والإدارة الدقيقة لكل التفاصيل، وممارسة المحاباة، والتحميل الزائد على عاتق الأفراد دون تقديم الدعم الكافي. كلها أمور تهدد تماسك الفريق وتؤثر سلبًا على أدائه.
1. تجاهل السلوك السام
من أخطر هذه الأخطاء هو تجاهل السلوك السام الذي يمارسه بعض أفراد الفريق. فالتزام الصمت حيال مثل هذه التصرفات يعطي انطباعًا بأن الإدارة توافق عليها. ما يشجع على تكرارها وانتشارها. علاوة على ذلك، فإن تجاهل القضايا التي تؤثر سلبًا على بيئة العمل يدفع الموظفين المخلصين والموهوبين إلى ترك العمل، بحثًا عن بيئة أكثر صحة وسلامة.
2. الحرمان من التقدير
يشعر جميع الأفراد بالحاجة إلى التقدير والإشادة بجهودهم. فالإنسان بطبيعته يبحث عن الاعتراف بمساهماته، ويشعر بالدافع عندما يرى أن جهوده موضع تقدير. لذا، فإن الفشل في إعطاء الموظفين الاعتراف المستحق هو خطأ فادح؛ إذ أنه يقلل من حماسهم ويجعلهم يشعرون بأن جهودهم تضيع سدى. والأكثر من ذلك، أن الأشخاص الذين يشعرون بالتقدير يميلون إلى البقاء في العمل لفترة أطول، ما يعود بالنفع على المؤسسة.
3. القيادة الدقيقة الزائدة
يعتقد بعض المديرين أن الإدارة الدقيقة لكل تفاصيل العمل هي السبيل الأمثل لتحقيق النجاح. ولكن الحقيقة هي أن هذا الأسلوب يثبط من إبداع الموظفين ويجعلهم يشعرون بأنهم غير قادرين على اتخاذ القرارات. في الواقع، يحتاج الفريق إلى مساحة من الحرية للتفكير والإبداع، وإلى الثقة في قدرتهم على أداء المهام الموكلة إليهم. لذا، فإن على المدير أن يقدم التوجيه اللازم، ثم يمنح فريقه المساحة الكافية للعمل بشكل مستقل.
4. اللعب بالأوراق
من الأخطاء الشائعة التي تدمر روح الفريق هي ممارسة المحسوبية واللعب بالأوراق. فالمعاملة غير العادلة بين الموظفين تزرع بذور الاستياء والكراهية، وتؤدي إلى تكوين فصائل داخل الفريق. في حين أن الاتساق في المعاملة والعدالة في توزيع المهام والمكافآت يبني الثقة بين أفراد الفريق ويعزز روح التعاون.
5. التحميل الزائد دون دعم
يعتقد بعض المديرين أن زيادة حجم العمل الموكّل إلى الموظفين هو السبيل الوحيد لزيادة الإنتاجية. ولكن الحقيقة هي أن التحميل الزائد على الموظفين دون توفير الدعم اللازم يؤدي إلى الإرهاق النفسي والجسدي، ويقلل من كفاءتهم. علاوة على ذلك، فإن إهمال تقديم الدعم للموظفين يظهر لهم أن الإدارة لا تهتم بمعاناتهم. ما يؤدي إلى تراجع مستوى الالتزام بالعمل.
6. حجب المعلومات
من الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها بعض الإدارات حجب المعلومات عن الموظفين. فحجب المعلومات يؤدي إلى خلق فجوات معرفية. ما يدفع الموظفين إلى اللجوء إلى الشائعات والأقاويل غير المؤكدة. كما أن التواصل المفتوح والصريح بين الإدارة والموظفين يبني الثقة ويقلل من مستوى القلق والتوتر.
7. عدم القيادة بالقدوة
يؤثر سلوك المدير بشكل كبير على تصرفات الفريق بأكمله. فإذا كان المدير لا يلتزم بالقيم والمبادئ التي يدعو إليها، فلن يتمكن من حث الموظفين على اتباعها. لذا، يجب على المدير أن يتأكد من أن أفعاله تتطابق مع كلماته، وأن يكون قدوة حسنة في كل ما يفعل. ففريق العمل عادة ما يعكس سلوك المدير، وإذا كان المدير غير ملتزم، فمن الطبيعي أن يكون الفريق كذلك.
8. سرقة الأضواء
من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها بعض المديرين هو أخذ الفضل في نجاحات الفريق. فالإنجازات التي يحققها الفريق هي نتاج عمل جماعي، وليس فردًا واحدًا. لذا، فإن منصفًا أن يتم توزيع الفضل على جميع أفراد الفريق. ولذلك، يجب على المدير أن يعتز بفريقه ويشجعهم على تقديم أفضل ما لديهم، وأن يحرص على الاحتفال بنجاحاتهم معًا. فالعناية بالفريق هي الاستثمار الأفضل الذي يمكن للمدير أن يقوم به، ففريق عمل سعيد ومخلص هو أساس نجاح أي مؤسسة.
في نهاية المطاف، إن بناء فريق عمل متماسك ومتعاون يتطلب من المديرين الوعي بالأخطاء الشائعة التي تؤدي إلى تدمير روح الفريق، والعمل على تجنبها. فبناء فريق قوي ومتماسك هو استثمار طويل الأجل يعود بالنفع على المؤسسة بأكملها.
كما يعد خلق بيئة عمل صحية قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، والعمل الجماعي، والمساواة، هدف سامٍ تسعى إليه كل مؤسسة تسعى إلى التميز والنجاح. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تضافر جهود جميع الأطراف، بدءًا من الإدارة العليا ووصولًا إلى الموظفين في الخطوط الأمامية.