«الحنين يكذب ولا يتعب من الكذب؛ لأنه يكذب بصدق، فكذب الحنين مهنة» هكذا قال محمود درويش، و«حتى وإن كان لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس» فإن الحنين هجرة قصدية، وربما لا إرادية وهذا يتوقف على الشخص ذاته، من الحاضر إلى الماضي، إنه بمثابة ارتكاس، وسير عكس الطبيعة؛ ولذلك كان التغلب على الحنين للماضي أمرًا مهمًا.
ولم نعثر على طريقة لكيفية التغلب على الحنين للماضي أفضل من قول عمر الخيام في إحدى رباعياته: «فلتغنم ما بين يديك».
اقرأ أيضًا: 5 روايات تساعدك في تطوير الذات
لكن إذا كان محمود درويش قال: «لا أحد يحن إلى جرحه، لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس» وأنه «استرجاع للفصل الأجمل في الحكاية»، فلماذا نحاول التغلب على الحنين للماضي؟ من هنا فقط تأتي خطورة الحنين، فطالما أنك لا تحن إلى وجع أو كابوس، أو إلى شيء يؤذيك، فمن المرجح أنك ستظل عالقًا هناك، ومن ثم ستظل ذاهلًا عن حاضرك.
تكمن خطورة الحنين إلى ما فات وما ومضى من كونه إغراقًا للحاضر في فوهة الماضي، وسطوًا على المستقبل، فليس لدى من يشعر بالحنين إلى الماضي رغبة ولا فرصة للعيش في الحاضر ولا صناعة المستقبل، إنه عالق هناك.
اقرأ أيضًا: ثقافة الرفض وفلسفة التقبُّل
العودة للحاضر
هل يمكن ذلك؟ هل يمكن أن نثوب إلى رشدنا وأن نعيش حاضرنا من جديد؟ لن يكون ذلك ممكنًا سوى، وأولًا، عبر التغلب على الحنين للماضي وسنشير، فيما يلي، إلى بعض النصائح التي يمكن بها فعل ذلك.
كن واقعيًا
لم يكن الماضي جنة عدن، تذكر هذا، وكن على دراية يأن الجديد (الحالي والقادم) ربما ينطوي على أفضل مما كان في الماضي الذي أنت أسير ذكراه وشخوصه، لكن هيامك بما مضى، واستغراقك فيما فات سيفوّت عليك تلك الفرص والمسرات التي يطرحها عليك حاضرك والمستقبل.
فكن واقعيًا، واعلم أن ما فات فات، وأن أحدًا ليس بإمكانه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واتبع نصيحة «محمود درويش» الواقعية والعملية في آن واحد: «إذا كان ماضيكَ تجربةً. فاجعل الغَدَ معنى ورؤيا».
اقرأ أيضًا: الشعور بالندم.. مصيدة الأحلام المستقبلية
اعرف نفسك
بينما كنت غارقًا في الماضي التليد حدثت أشياء ووقعت أحداث، كنت ذاهلًا عنها وغائبًا، لكنها تركت عليك أثرًا من دون شك، عليك أن تأخذ نفسك عميقًا، وأن تستريح لبعض الوقت من ذاك الماضي الذي ينوء على صدر عقلك بكلكله وأن تعرف من أنت الآن؟ وما هي مشاعرك تجاه ما فات وما هو حاضر؟ اعرف نفسك، فتلك بداية كل بداية.
اقرأ أيضًا: ريادة الأعمال وتطوير الذات.. هل من علاقة؟
انظر من زاوية مختلفة
لكل أمر وجهان، أحدهما مشرق والآخر أشد قتامة، ولكي لا تغرق نفسك في وحل الأوهام والبؤس، عليك أن تختار الطريقة التي تنظر بها إلى الماضي، فإن نظرت إليه على أنه تجربة قادتك إلى الأمام، وعرفتك على نفسك أكثر، فمن الممكن أن يكون هذا هو الماضي ذاته ذريعة للعيش الحكيم.
أما إذا نظرت إليه على أنه فردوسك الأبدي المفقود، فلن يكون شفاؤك من عضات الماضي والحنين إليه يسيرًا، فكيفما تنظر للعالم يظهر لك.
إضرام النار في الذكريات
بعض الذكريات بمثابة إيقاع اللحظات الهاربة في فخ الأبدية، لكن بعضها الآخر لا يسبب سوى الأذى والألم، ذاك البعض الأخير هو ما ننصحك بإضرام النار فيه، سواء كان صورًا أو محادثات أو هدايا.. إلخ، فمن شأن النظر إليها وإعادة تأملها أن يصيبك بركلة في الكبد، فبعض الأمور (الكلمات، الأحداث، المواقف) كلسعات السوط، تخلص منها وكن شجاعًا، فهكذا يمكنك التغلب على الحنين للماضي والعيش في الراهن بسعادة.
اقرأ أيضًا:
فن صنع الذكريات.. هل أنت مستعد؟
كيف تتغلب على الوحدة أثناء العمل عن بُعد؟
التمسك بالقوة الذاتية والسلام الداخلي وقت الأزمات