شهدت أسعار النفط ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم الأربعاء، متأثرة بتطورات جيوسياسية جديدة، بعدما أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض «حصار كامل وشامل» على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل وتغادر فنزويلا، الأمر الذي أعاد المخاوف بشأن الإمدادات إلى واجهة الأسواق العالمية، في وقت لا تزال فيه توقعات الطلب محل حذر.
وجاء هذا الارتفاع بعد فترة من الضغوط السعرية؛ حيث كانت أسعار الخام قد استقرت قرب أدنى مستوياتها في خمس سنوات خلال الجلسة السابقة. مدفوعة بآمال إحراز تقدم في محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا. وما قد يترتب عليها من تخفيف محتمل للعقوبات الغربية وزيادة الإمدادات في سوق يعاني أصلًا من طلب عالمي هش.
وفي هذا السياق، عادت المخاوف الجيوسياسية لتطغى على المعنويات. مع توجه المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر الإمدادات. لا سيما في ظل تشابك ملفات فنزويلا وروسيا وإيران داخل سوق النفط العالمية.
مكاسب قوية لعقود النفط الآجلة
ووفقًا لما أوردته “رويترز”، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 79 سنتًا، أي ما يعادل 1.3%، لتصل إلى 59.71 دولارًا للبرميل عند الساعة 05:00 بتوقيت جرينتش. في حين صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنحو 77 سنتًا، أو 1.4%، ليسجل 56.04 دولارًا للبرميل.
وجاءت هذه المكاسب بعد أن كانت أسعار النفط قد تعرضت لضغوط في الجلسة السابقة، مع تراجعها إلى ما دون مستوى 60 دولارًا للبرميل. وهو ما دفع بعض المتعاملين إلى العودة لشراء العقود الآجلة، مستفيدين من المستويات السعرية المنخفضة نسبيًا.
وبالتالي، أسهم كل من العامل النفسي المرتبط بالتوترات السياسية. وتعافي عمليات الشراء الفنية، في دعم أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الأربعاء.
حصار فنزويلا وتأثيره على الإمدادات
وأصدر الرئيس الأميركي أوامره يوم أمس الثلاثاء بفرض حصار على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل وتغادر فنزويلا. مشيرًا إلى أنه بات ينظر إلى حكّام البلاد بوصفهم منظمة إرهابية أجنبية. في خطوة من شأنها تعقيد تدفقات النفط من الدولة العضو في منظمة «أوبك».
وبحسب أحد متداولي النفط في الولايات المتحدة، فإن هذا الإجراء قد يؤثر على ما بين 0.4 و0.5 مليون برميل يوميًا من الإمدادات. ما قد يرفع الأسعار في نطاق يتراوح بين دولار ودولارين للبرميل، في حال استمر تأثيره لفترة زمنية ملموسة.
ومع ذلك، يرى متعاملون في أسواق آسيا أن تعافي الشراء بعد الهبوط الحاد للأسعار كان عاملًا أساسيًا أيضًا في دعم السوق، وليس فقط أخبار فنزويلا. ما يعكس تداخل العوامل السياسية والفنية في تحركات الأسعار.

تباين آراء المتعاملين والمخاطر المستقبلية
وفي هذا الجانب، قال أحد المتداولين إن الارتفاع الحالي «مدفوع بالعامل النفسي المرتبط بأخبار فنزويلا». لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن أحجام الصادرات الفنزويلية تظل محدودة نسبيًا ضمن الإمدادات العالمية. مؤكدًا أن السوق لا يزال معرضًا لمخاطر الهبوط في ظل تركّز الاهتمام على تطورات ملف روسيا وأوكرانيا.
وأضاف متداول آخر أن هذا الصعود قد لا يدوم طويلًا. معتبرًا أنه «قد يكون فرصة مناسبة لبعض المتعاملين لبناء مراكز بيع»، في ظل استمرار الضبابية المحيطة بالطلب العالمي.
وتأتي هذه التطورات بعد أسبوع واحد فقط من استيلاء الولايات المتحدة على ناقلة نفط خاضعة للعقوبات قبالة السواحل الفنزويلية. ما يزيد من حدة التساؤلات حول آلية تنفيذ الحصار الجديد واتساع نطاقه.
ضبابية التنفيذ وتداخل الإمدادات العالمية
ولا يزال من غير الواضح عدد الناقلات التي ستتأثر فعليًا بالحصار، ولا كيفية تطبيق الولايات المتحدة لهذه الإجراءات. أو ما إذا كان الرئيس الأميركي سيلجأ إلى خفر السواحل لاعتراض السفن كما حدث في الأسبوع الماضي. خاصة مع دفع واشنطن بسفن حربية إلى المنطقة خلال الأشهر الأخيرة.
وفي المقابل، فإن عددًا من السفن التي تنقل النفط الفنزويلي، وكذلك الخام القادم من إيران وروسيا، لا يخضع للعقوبات. كما تواصل ناقلات مستأجرة من شركة «شيفرون» نقل الخام الفنزويلي إلى الولايات المتحدة بموجب ترخيص سابق.
وتعد الصين أكبر مشترٍ للنفط الفنزويلي؛ حيث يمثل الخام القادم من فنزويلا نحو 4% من إجمالي وارداتها النفطية. ما يضيف بعدًا دوليًا إضافيًا لأي تصعيد محتمل في هذا الملف.
نظرة الأسواق على المدى القصير والطويل
ويرى محللون أن سوق النفط يتمتع حاليًا بإمدادات كافية، وهو ما يحد من فرص حدوث قفزات سعرية حادة على المدى القصير. ما لم تتطور الأحداث إلى إجراءات انتقامية أوسع نطاقًا تؤثر في أنظمة النفط والغاز في منطقة الأميركيتين.
وفي هذا الإطار، قال إمريل جميل؛ كبير محللي النفط في مجموعة بورصات لندن (LSEG)، إن «حدوث قفزة سعرية قوية على المدى القريب يظل غير مرجح. في ظل استمرار توقعات فائض الإمدادات العالمية في صدارة اهتمامات المتداولين».
وأضاف أن «أي اضطراب مطوّل في الإمدادات، إذا استمر لفترة طويلة، قد يدعم أسعار درجات الخام الثقيلة على المدى الأطول». ما يعني أن مسار الأسعار سيظل رهينًا بتطورات السياسة والجغرافيا السياسية خلال المرحلة المقبلة.


