منذ أن ظهر مفهوم المسؤولية الاجتماعية على السطح؛ بفعل فشل النظم الاقتصادية التي تعظّم الربح وحده، وتضعه على رأس أولوياتها، وهناك الكثير من التطورات، النظرية والعملية، التي تحدث على هذا الصعيد، ولعل أبرزها هو ظهور مصطلح الاستثمار الاجتماعي المسؤول.
يُعتبر هذا المصطلح بمثابة خطوة متقدمة أخرى على المسؤولية الاجتماعية للشركات، أو قل، إنه إحدى مراحلها المتطورة؛ إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على ممارسة بعض الشركات لنشاط اجتماعي ما في المجتمع الذي تعمل فيه، وإنما ظهرت صناديق استثمار لدعمها عبر ما سُمي فيما بعد “الاستثمار الاجتماعي المسؤول”.
يمكن القول، إن هذا الاستثمار الاجتماعي هو دلالة نجاح النموذج الاجتماعي في المؤسسات، وهو دليل على أن موضوع المسؤولية الاجتماعية أمسى مسلمة بديهية؛ إذ إن ممارسات الربح لم تسفر سوى عن مراكمة المال في جهة واحدة، وعن الكثير من الخراب في شتى البقاع المختلفة، فكيف ستنجح شركة في مجتمع من المرضى والعاطلين عن العمل؟! هنا بالضبط يأتي دور الاستثمار الاجتماعي لمعالجة أسقام هذا المجتمع ودعم الشركات في الوقت ذاته.
اقرأ أيضًا: الإبداع الاجتماعي في المؤسسات.. فن تغيير العالم
الاستثمارات الاجتماعية
يعمل الاستثمار الاجتماعي المسؤول «Socially Responsible Investment «SRI على الاستثمار في الشركات التي تعزز مواضيع أخلاقية واعية اجتماعيًا، بما في ذلك الاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية، وأخلاقيات الأعمال، ومكافحة التمييز العنصري.
وإذا كانت الاستثمارات الاجتماعية تركز على دعم والاستثمار في الشركات التي تدعم موضوعات وقضايا بعينها، فإنها وفي الوقت ذاته، تتجنب الاستثمار في الشركات التي تنتج أو تبيع المواد المسببة للإدمان.
يُفهم من هذا أن الاستثمارات الاجتماعية تدعم شركات بعينها وتحرم شركات أخرى؛ وذلك لأنها تنظر إلى أبعد من الربح؛ وطالما أن نظرتها بعيدة، فإنها ستعمل على مساعدة تلك الشركات في إحداث الإصلاح الذي تريده، وصناعة المستقبل الذي تخطط له، ومن ثم تقدم دعمها للعاملين في مجالات: الاستدامة البيئية، وجهود الطاقة البديلة/ التكنولوجيا النظيفة وغيرها.
اقرأ أيضًا: المبادرات الاجتماعية للشركات وصنع عالم أفضل
الاستثمار والرأي العام
واحدة من بين الملاحظات التي يجب الإشارة إليها في هذا الصدد، مفادها أن الاستثمار الاجتماعي المسؤول غالبًا ما يكون مسايرًا للرأي العام في المجتمع الذي يعمل فيه، بمعنى أنه لا يكون بعيدًا عن مشكلات المجتمع والموضوعات التي تؤرقه، وإنما ينخرط فيها؛ ابتغاء تقديم حل مستدام لها.
وكان المستثمرون، في الستينيات على سبيل المثال، مهتمين بشكل رئيسي بالمساهمة في قضايا مثل: حقوق المرأة، والحقوق المدنية، والحركة المناهضة للحرب، وعملوا على دعم هذه القضايا وتعزيزها عبر استثماراتهم المخلتفة.
ولعب مارتن لوثر كينغ دورًا كبيرًا في زيادة الوعي بحركة الحقوق المدنية؛ من خلال استهداف الشركات التي عارضت القضية باعتبارها غير مسؤولة اجتماعيًا.
أما في السنوات الأخيرة، ومع نمو الوعي بشأن الاحترار العالمي وتغير المناخ، اتجه الاستثمار المسؤول اجتماعيًا نحو الشركات التي تؤثر بشكل إيجابي في البيئة؛ من خلال تقليل الانبعاثات، أو الاستثمار في مصادر الطاقة المستدامة أو النظيفة. وبالتالي، تتجنب هذه الاستثمارات صناعات مثل: تعدين الفحم بسبب التأثير البيئي السلبي لممارساتها التجارية.
ويعني هذا من بين ما يعنيه أن الاستثمارات المسؤولة اجتماعيًا لا تترك قضية إلا بعد أن تحلها تمامًا؛ فلئن لم تعد هناك حاجة الآن إلى الحديث عن حقوق المرأة؛ إذ بات الأمر مسلمة بديهية وأصبح الرجل والمرأة متساويين في كل شيء، حان الوقت لكي تنتقل إلى قضية أخرى تؤرق العالم كله الآن وهي مشكلة الاحتباس الحراري.
اقرأ أيضًا: دور المسؤولية الاجتماعية في دعم رواد الأعمال
الأثر الاجتماعي والربح
يسعى الاستثمار الاجتماعي المسؤول إلى تحقيق هدفين أساسين بشكل عام؛ هما: الأثر الاجتماعي والمكاسب المالية. لكن ليس بالضرورة أن يجتمع هذان الهدفان؛ فبعض الاستثمارات الاجتماعية لا تكون هادفة للربح، كما أن المستثمرين في هذا المجال لا يرغبون في مجرد تحقيق الربح، وإنما تتخطى أهدافهم ذلك.
وأولئك الذين يستهدفون باستثماراتهم الاجتماعية تحقيق ربح ما فإنهم، في الغالب، لا يطلبون معدلات أرباح مرتفعة؛ فالأثر الاجتماعي هو محور الاهتمام الأول.
اقرأ أيضًا:
ثقافة العدالة في المؤسسات.. تعزيز للإبداع وزيادة بالإنتاجية
المسؤولية الاجتماعية قيمة مضافة وسلاح سري للشركات الناشئة
المسؤولية الاجتماعية المتبادلة.. وحدة الأهداف وتعدد المصالح