في خضم ديناميكية عالم الأعمال الحديث تبرز الأطر التنظيمية كعنصر أساسي لضمان سير عمل منظم وفعال يساهم في تحقيق الأهداف بكفاءة، لكن ما هي الأطر التنظيمية؟
تمثل هذه الأطر مجموعة من القواعد والسياسات والإجراءات التي تحددها المؤسسة لتنظيم عملها، وتشمل: تحديد الأدوار والمسؤوليات لكل فرد أو قسم، وتعزيز آليات التواصل والتنسيق بين مختلف الإدارات؛ ما يساهم في تحسين الأداء العام للمؤسسة ككل.
ما هي الأطر التنظيمية؟
وتبحث شركات عديدة عن الأطر التنظيمية المناسبة لها وكيفية تطبيقها بفعالية، تكمن أهمية هذه الأطر في قدرتها على توفير بنية تحتية قوية تساهم في:
-
قرارات مستنيرة
توفر الأطر التنظيمية منظومة معلومات منظمة وتحليلات دقيقة تمكن القيادة من اتخاذ قرارات مستنيرة تساهم في تحقيق الأهداف على المدى الطويل، فمن خلال فهم مسار العمل بوضوح وتحديد نقاط القوة والضعف تصبح القيادة قادرة على رسم استراتيجيات فعالة تواكب التطورات وتحقق النمو المستدام.
-
إدارة الموارد بكفاءة
تضمن الأطر التنظيمية توزيع الموارد بكفاءة وفعالية، وهذا يقلل من الهدر ويعزز الإنتاجية، فعندما تحدد تلك الأطر الأدوار والمسؤوليات بوضوح، وتنظم سير العمل، وتحدد آليات تقييم الأداء تصبح عملية إدارة الموارد منظمة وفعالة؛ ما يساهم في تحقيق أقصى استفادة من الإمكانيات المتاحة.
-
التكيف مع التغيرات
في عالم الأعمال الديناميكي تعد القدرة على التكيف مع التغيرات السريعة ضرورية لضمان النجاح، وتساعد الأطر المرنة في مواكبة تطورات بيئة العمل؛ ما يتيح للمؤسسة الاستجابة بفعالية للتحديات والفرص الجديدةز
وعندما تتيح هذه الأطر هامشًا من المرونة في العمليات والإجراءات تستطيع المؤسسة التكيف مع المتغيرات واغتنام الفرص الجديدة دون المساس بفعالية عملها.
-
التوازن بين المرونة والانضباط
تسمح الأطر التنظيمية الفعالة للمؤسسات بتحقيق التوازن بين المرونة والانضباط، وذلك يساهم في تعزيز النمو المستدام والنجاح على المدى الطويل، فمن خلال بنية تنظيمية منظمة وفعالة تصبح المؤسسة قادرة على التعامل مع التغيرات دون المساس بجوهر عملها وقيمه الأساسية.
الثقافة كمحرك للتغيير المستدام
أظهرت دراسات حديثة أن الشركات التي تعتمد على محفزات ثقافية محددة؛ أي تلك التي توظف نهجًا عاطفيًا غير رسمي للتأثير في سلوكيات الموظفين، أكثر عرضة لتحقيق تغيير دائم على المدى الطويل.
ففي استطلاع “استراتيجي آند العالمي للثقافة والتغيير الإداري لعام 2013” أفادت 70% من الشركات التي استخدمت عناصر ثقافتها بوعي بأنها حققت تحسنًا مستدامًا في الفخر التنظيمي والالتزام العاطفي لموظفيها، مقارنة بـ 35% فقط للشركات التي لم تستغل ثقافتها كرافعة للتغيير.
وأفضت عقود من البحث والمراقبة في عشرات المؤسسات، بما في ذلك بعض أنجح الشركات في العالم، إلى استخلاص أفكار قيّمة يمكن للشركات من خلالها نشر وتحسين ثقافتها بطريقة تعزز فرصها في النجاح المالي والتشغيلي.
-
العمل ضمن إطار الثقافة الحالية
لا يمكن استبدال الثقافات الراسخة بسهولة، حتى مع بذل جهود إصلاحية كبيرة، فالواقع أن الثقافة الحالية للشركة، بِمكوناتها الإيجابية والسلبية، تشكل جزءًا لا يتجزأ من هويتها؛ لذا يتطلب العمل مع الثقافة بشكل فعال فهمها، وتحديد سماتها الغالبة، ومعرفة الظروف التي تعزز أو تعيق تأثيرها.
-
تغيير السلوكيات لتحفيز التغيير العقلي
بينما يعتقد أن التغيير العقلي يسبق التغيير السلوكي إلا أن الواقع يشير إلى العكس في كثير من الأحيان، فمحاولة تغيير عقلية الموظفين من خلال القيم المكتوبة أو البرامج التدريبية قد لا تثمر، كما حدث في شركة “إنرون” التي اتسمت بيئة عملها بالاحتيال المالي رغم شعارات التميز والاحترام والنزاهة التي كانت تُنحت على جدرانها.
لذا فالتركيز على تغيير السلوكيات؛ باتباع خطوات عملية ملموسة وقابلة للقياس، يعد مدخلًا أكثر فاعلية، وتشمل بعض الأمثلة على ذلك تمكين الموظفين عن طريق تقليل البيروقراطية، وتعزيز التعاون من خلال تسهيل العمل الجماعي، وتحسين العلاقات الشخصية بإرساء ممارسات قائمة على الاحترام المتبادل.
-
التركيز على “القلة الحاسمة” من السلوكيات
بدلًا من اتباع نهج شامل يهدف إلى تغيير كل شيء تنصح الشركات بالتركيز على عدد قليل من السلوكيات الأساسية ذات التأثير الكبير في أداء الأعمال، وتشمل هذه السلوكيات، على سبيل المثال، طرق بدء الاجتماعات أو التحدث مع العملاء.
وينبغي أن تتوافق هذه السلوكيات مع استراتيجية الشركة العامة، ويشجع الموظفون على تبنيها بِشعورٍ من الالتزام العاطفي، كما يجب ترجمة هذه السلوكيات إلى خطوات عملية بسيطة يمكن للموظفين تطبيقها بسهولة، وتحديد مجموعات من الموظفين مستعدة لتبني تلك السلوكيات ونشرها.
-
الاستفادة من القادة غير الرسميين
لا تقتصر القيادة على المناصب الرسمية بل يمكن أن يمارسها أفراد عاديون يظهرون مهارات قيادية طبيعية، ولهؤلاء القادة غير الرسميين تأثير كبير في سلوكيات الموظفين؛ لذا يجب على الشركات تعريفهم والاستفادة من قدراتهم في دفع التغيير الثقافي.
ويمكن للشركات تحديد القادة غير الرسميين من خلال المقابلات والاستطلاعات وأدوات تحليل الشبكات التنظيمية، وبمجرد تحديدهم يمكن إشراكهم في مبادرات التغيير وتشجيعهم على التأثير في سلوكيات الموظفين؛ من خلال “إظهار الفعل” بدلًا من الخطابات.
-
دور قادة الشركة في تعزيز الثقافة الإيجابية
بينما تولى بعض الشركات اهتمامًا خاصًا بثقافتها من خلال محترفي الموارد البشرية إلا أن دور قادة الشركة في جميع أنحاء المؤسسة لا يقل أهمية في حماية وتعزيز السلوكيات المرغوبة، والتحفيز العاطفي، وتحقيق التوافق الثقافي.
فعندما يُظهر القادة التزامًا عاطفيًا بالثقافة التي تسعى الشركة إلى غرسها يرسلون إشارات واضحة للموظفين يشجعونهم على اتباعها، أما التناقض بين الثقافة المُعلنة وسلوكيات القادة الرسميين فيضعف ثقة الموظفين ويؤدي إلى انحرافهم عن القيم المنشودة.
-
ربط السلوكيات بأهداف العمل
يمكن أن تتحول النقاشات حول العواطف والدوافع والقيم، وهي عناصر جوهرية للثقافات القوية، إلى تجريدات تبعد عن متطلبات النجاح في السوق، فكثيرًا ما يخرج الموظفون من اجتماعات تركز على الثقافة متسائلين عن كيفية ترجمة النصائح حول تحسين سلوكياتهم إلى عملهم الفعلي.
ولتجنب هذا الانفصال لا بد من تقديم أمثلة ملموسة ومحددة حول كيفية تحسين التدخلات الثقافية للأداء والنتائج المالية، ويجب تحديد السلوكيات التي تهدف إلى تحسين أداء الأعمال بشكل مباشر ويمكن قياسها بمرور الوقت.
-
إظهار التأثير بسرعة
نعيش في عصر الفترة القصيرة، وينطبق ذلك على ثقافة المؤسسة كما ينطبق على عادات استهلاك وسائل الإعلام، فعندما يسمع الناس عن مبادرات جديدة، ثم لا يرون أي نشاط مرتبط بها لعدة أشهر، يفقدون الاهتمام ويزداد تشكيكهم.
لذلك من المهم للغاية عرض تأثير الجهود الثقافية في نتائج الأعمال بأسرع ما يمكن، وتعد اختبارات الأداء؛ أي مشاريع العرض التوضيحي البارزة، إحدى الطرق الفعالة لذلك.
-
استخدام الأساليب عبر التنظيمية لتصبح فيروسية
يمكن أن تنتشر الأفكار بشكل فيروسي عبر أقسام المؤسسة ووظائفها، من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى، وتعد وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: المدونات ومشاركات فيسبوك أو لينكد إن والتغريدات، من الطرق الفعالة لنشر الأفكار، ولكن من قبل بعض القادة غير الرسميين، وليس من الإدارة العليا.
-
مواءمة الجهود مع السلوكيات
أكدنا دور القادة غير الرسميين في نشر الأفكار، ولكن من المهم أيضًا مطابقة التوجه الثقافي الجديد بطرق العمل الحالية، ويجب أن تكمل التدخلات غير الرسمية، مثل: التدخلات الثقافية، مكونات المنظمة الرسمية وتندمج معها.
ومن خلال توفير البنية التي يعمل فيها الناس، مثل: الموارد البشرية، توفر المنظمة الرسمية دافعًا منطقيًا لإجراءات الموظفين.
-
إدارة وضعك الثقافي بنشاط
تراقب وتدير وتعتني وتحدث الشركات التي حققت نجاحًا كبيرًا في العمل مع الثقافة قواها الثقافية بنشاط، لماذا؟ كما أشرنا في البداية: عندما تتوافق مع الأولويات الاستراتيجية والتشغيلية يمكن للثقافة أن توفر مصادر للطاقة والتحفيز، وبالتالي تسريع التغييرات.
في النهاية تشكل الثقافة روح المؤسسة التي تميزها عن غيرها، وتحدد قدرتها على الصمود والتكيف مع التحديات، وتحقيق النجاح المستدام على المدى الطويل، ومن هنا نؤكد أهمية سؤال: ما هي الأطر التنظيمية؟ الذي يُبرز أن هذه الأطر تعد بمثابة أداة أساسية لبناء مؤسسات ناجحة تساهم بدورها في دفع عجلة التنمية والتقدم.