يترسخ لدى البعض قناعة بأن مهام الرئيس التنفيذي تتقلص بمجرد اعتلائه قمة الدرج الوظيفي، وتتبدل من حياة مكدسة بالمهام الشاقة إلى حياة أخرى يقضي معظمها على الشواطئ الرملية للتمتع بمياه البحر الزرقاء.
في حين أن الواقع يختلف عن ذلك؛ حيث يقع على عاتق الرئيس التنفيذي العديد من المهام الأكثر مشقة؛ وعلى رأسها عبء إدراك وفهم الحاجة المُلحة إلى التغيير في الشركة التي تتضمن مراقبة اتجاهات السوق، ومقاييس الأداء الداخلية، وتعليقات العملاء والموظفين وما إلى غير ذلك.
وبمجرد تحليل الرئيس التنفيذي للمهام سالفة الذكر يخطو بعد ذلك خطواته لتحديد مجالات أخرى يكون التغيير فيها ضروريًا بالتزامن مع التغيير المؤسسي المزمع إجراؤه بالشركة.
وتتمثل الخطوة الأخيرة في توصيل الحاجة المُلحة للتغيير بشكل فعال إلى الشركة نفسها، ويتعلق الأمر بصياغة سرد يوضح سبب أهمية التغيير لنجاح الشركة في المستقبل وكيف يتماشى مع مهمتها وقيمها.
تطوير رؤية واستراتيجية واضحة
تحدد رؤية الرئيس التنفيذي اتجاه التغيير، ولا ينبغي أن يكون مقنعًا فحسب، بل يجب أن يتوافق أيضًا مع القيم الأساسية للشركة وأهدافها طويلة المدى، وبعد صياغة هذه الرؤية عليه وضع خطة استراتيجية توضح بالتفصيل الخطوات اللازمة لتحقيقها، بما في ذلك: تخصيص الموارد، والجداول الزمنية، ومؤشرات الأداء الرئيسية.
كذلك ينبغي عليه توصيل تلك الاستراتيجية بوضوح إلى جميع مستويات الشركة؛ ما يضمن فهم الجميع لأدوارهم في عملية التغيير.
إشراك وتمكين القيادة
التغيير لا يمكن أن يقوده شخص واحد؛ لذا يحتاج الرئيس التنفيذي إلى إشراك وتمكين القادة الآخرين داخل الشركة؛ لأنهم يلعبون دورًا حاسمًا في قيادة التغيير، ومن ثم يتعين عليه في البداية تحديد هؤلاء القادة وإشراكهم، ومشاركتهم الرؤية والاستراتيجية من أجل التغيير.
وبالطبع ينطوي هذا على تمكينهم بالسلطة والموارد اللازمة لتنفيذ التغيير في أقسامهم، ويتعلق الأمر أيضًا بإنشاء ثقافة قيادة تعاونية؛ حيث تتم مشاركة الأفكار والملاحظات بحرية؛ ما يعزز تشكيل جبهة موحدة في مبادرة التغيير.
التواصل بفعالية
يجب أن يكون التواصل في أوقات التغيير واضحًا، ومتسقًا، ومستمرًا، وعلى الرئيس التنفيذي أولًا أن يضع الرؤية والأساس المنطقي للتغيير، مع التأكد من فهمه في جميع أنحاء الشركة، والتحديثات المنتظمة حول التقدم، والتحديات التي تواجه عملية التغيير وتُبقي الجميع على اطلاع ومشاركة.
بالإضافة إلى ذلك يشمل التواصل الفعال الاستماع إلى التعليقات، ومعالجة المخاوف، وتعزيز ثقافة الثقة والانفتاح.
القيادة بالقدوة
يجب على الرئيس التنفيذي أن يجسّد التغيير الذي يرغب في رؤيته، وهذا يعني قيادة التغيير ليس فقط من خلال التعبير بالكلمات ولكن عن طريق الأفعال.
فلا شك أن إظهار الالتزام بعملية التغيير في الإجراءات اليومية يعزز من أهميته، وهذا يعني ضرورة تبني ممارسات وسلوكيات جديدة تعكس أهداف التغيير ووضع مثال واضح ليتبعه الآخرون في الشركة.
إدارة مقاومة التغيير
المقاومة جزء طبيعي من عملية التغيير؛ لذلك يجب على الرئيس التنفيذي أن يفهم الأسباب الجذرية للمقاومة، التي تنبع -أغلب الظن- من الخوف أو سوء الفهم اللذين يقتضيان معالجتهما بشكل مباشر.
وتوفير الدعم والموارد لمساعدة الأفراد في التكيف مع التغيير يسهّل عملية الانتقال، ويحوّل المقاومة المحتملة إلى دعم.
مراقبة التقدم وضبط الدورة
يعد الرصد المنتظم للتقدم المحرز في مبادرات التغيير أمرًا بالغ الأهمية، ويتضمن ذلك: تحليل المقاييس الرئيسية، والتعليقات لتقييم ما إذا كان التغيير يتحرك نحو الاتجاه المطلوب، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فيجب أن يكون الرئيس التنفيذي على استعداد لتعديل الاستراتيجيات وإجراء عملية لتصحيح المسار.
لذا يضمن التقييم والتكيف المستمران أن تظل عملية التغيير متوافقة مع الأهداف التنظيمية والحقائق الخارجية.
بناء ثقافة تنظيمية مرنة
وأخيرًا لا تقتصر قيادة التغيير على تحقيق الأهداف المباشرة فحسب، ولكن يجب على الرئيس التنفيذي أيضًا التركيز على بناء ثقافة تنظيمية مرنة وقابلة للتكيف يمكنها التطور باستمرار والاستجابة للتغيرات المستقبلية؛ ما يعني دمج المرونة، والتعلم المستمر، والابتكار في نسيج المنظمة ذاته.
إن الثقافة المرنة هي ثقافة لا تستجيب فقط للتغيير بل تسعى إليه بشكل استباقي، ويشمل ذلك ترسيخ عقلية القدرة على التكيف؛ حيث يتم تشجيع الموظفين على تبني التغيير باعتباره أمرًا ثابتًا، وتوفير بيئة لا يتم فيها دعم التعلم المستمر فقط، بل يعد جانبًا أساسيًا لكل دور.
ويجب أن يكون الابتكار في قلب نهج الشركة؛ ما يشجع الإبداع والأفكار الجديدة على جميع المستويات بداخلها.
من المؤكد أن التعرف على هذه السلوكيات ومكافأتها بشكل منتظم يساعد في تعزيز أهميتها، وإرسال رسالة واضحة مفادها أن هذه السمات ذات قيمة في الشركة، نظرًا لأن هذه العملية المتمثلة في دمج القدرة على التكيف والتعلم والابتكار في الشركة تعد أمرًا محوريًا في بناء ثقافة تزدهر بمواجهة التغيير.
خلاصة القول
لا يقتصر دور الرئيس التنفيذي في قيادة التغيير التنظيمي على مهمة واحدة فحسب، ولكن يمتد لأداء العديد من المهام متعددة الأوجه؛ ما يتطلب منه انتهاج منهج متوازن في الرؤية الاستراتيجية، والاتصال الفعال، ومشاركة القيادة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إدارة المقاومة، والرصد المستمر، وبناء الثقافة الداخلية بالشركة لضمان عبورها مرحلة التغيير الحالي بنجاح، والاستعداد أيضًا للتحديات المستقبلية.